هناك أحداث تجري في ليبيا داخل صمت مطبق. تستمر العمليات العسكرية التي تشنها قوات حكومة الوفاق الوطنية، على قاعدتي “ترهونة والوطية” اللتين يسيطر عليهما حفتر وآخر معاقله في الغرب الليبي. وبفضل الدعم التقني الذي تلقته من تركيا، بدأت تنهار كفاءة اللواء التاسع الذي أنشأه حفتر في ترهونة الاستراتيجية كقاعدة هجوم، كما بدأت الموازين على الأرض تتغير. الهزيمة التي ألحق باللواء التاسع على الرغم من الدعم العالمي لا سيما من دولة الإمارات، جعل حفتر يحيل القضية إلى الحملة الدعائية-البروباغندا.
في مقابلة مع قائد اللواء التاسع التابع لحفتر، في ١٨ أبريل/نيسان، طرح عليه سؤال “كيف تقيمون التدخل التركي في ليبيا؟”، فكان جوابه كالتالي:
“نحن ننظر للقضية كما ينظر لها عموم الليبيين، وهو أن تركيا تريد عبر ذلك إقامة نفوذ لها في المنطقة وتوسيعه. هذه الخطوة تعتبر احتلالًا تركيًّا، وإعادة أمجاد الخلافة العثمانية، والسيطرة على موارد ليبيا. وإن لواءنا التاسع وجميع أقسام جيشنا لن يسمحوا بعودة الاحتلال العثماني مجددًا إلى ليبيا. وإن لواؤنا كبقية الوحدات الأخرى تحارب من أجل إفشال مشروع إعادة الحكم العثماني”.
بالطبع لا يوجد قيمة لهذه الكلمات التي بمجملها عبارة عن حملة دعائية وانعكاس لذهنية تفوح رائحتها في المنطقة منذ القرن الأخير. لكن على الرغم من ذلك فإن تأثيرها قوي، وكم من الأجيال في العالم العربي ستظل تردد ذلك، بفضل الدعاية التي وضعها مبرمجو النظام التعليمي استنادًا لتعليمات من هم فوقهم. هذه البرمجة التعليمية تصف الحكم العثماني بالاحتلال. إلا أن الوثائق والمصادر التاريخية تظهر أن الحقبة العثمانية بعد الدولتين الأموية والعباسية، كانت أطول حقبة استقرار سياسي في العالم العربي. لقد بات العالم العربي يعرف هذه الحقيقة بشكل جيد، بسبب ما عاشه خلال القرن الأخير على الأقل، إلا أن الشعوب تشعر بالخوف من التعبير عن ذلك، بسبب الأنظمة المسلّطة عليهم.
دعونا نتجول في تاريخ ليبيا قليلًا. إن الدولة العثمانية لم تذهب من إسطنبول إلى ليبيا بناء على فتوى جهادية. بل على العكس، تعترف جميع المصادر بأن الليبيين هم من طلبوا ذلك للتخلص من ظلم الدولة الإسبانية. وعبر هذه الدعوة الرسمية من الشعب الليبي آنذاك، استطاع أن يشعر بالأمان من التهديديات لقرون طويلة، كما أقيمت أواصر قرب بين الأتراك والليبيين حتى باتوا كعائلة واحدة. إن الليبيين يعون هذه الحقيقة وهم لا يشعرون بأي انزعاج من وجود الأتراك بينهم، أو من وجود تاريخ تركي في منطقتهم.
لقد هرعت تركيا مرة أخرى لدرء الخطر الإيطالي عن ليبيا عام ١٩١١، وكان على رأس القوات التركية أنور باشا ومصطفى كمال. ولا يزال اسمهما يذكران في القصص والقصائد الملحمية في صحراء ليبيا. تمامًا كاسم أحمد السنوسي الذي جاء من ليبيا لدعم الكفاح الوطني التركي. والجنرال العثماني أحمد أكسولي الذي كان بعدُ شابًّا في المدرسة الحربية، هرع لنصرة الدفاع الليبي قائلًا “طرابلس هي وطني الثاني”. أو عن الأمير عثمان فؤادي الذي كان يدير قيادة الجبهة في ليبيا عند انهيار الدولة العثمانية.
بعد انسحاب الإيطاليين من ليبيا وتأسيس المملكة السنوسية، كانت أول زيارة خارجية للملك إدريس؛ هي للجمهورية التركية. حتى أنه طلب شخصًا من تركيا لرئاسة الوزراء. وإن حكاية سعد الله كول أوغلو بك الذي كان أول رئيس وزراء في المملكة الليبية تحكي لنا الكثير، ولا حاجة لتكرارها. يكفي تلك البذور التي زرعها في العلاقات بين البلدين، لتنمو حتى في عهد القذافي، الذي أطاح بالمملكة. تلك البذور كانت عبارة عن ثمار يانعة أظهرها القذافي في دعم تركيا بعمليتها العسكرية في قبرص عام ١٩٧٤.
على الرغم من حظر جميع المنظمات غير الحكومية في عهد القذافي، إلا أن جمعية الصداقة التركية الليبية كانت مستثناة من ذلك. حيث سمح لها بممارسة نشاطاتها في ليبيا، كما تم منحها قسمًا في بناء تم تشييده في عهد السلطان عبد الحميد الثاني في طرابلس، تحت اسم “مكتبة الفنون”. على الرغم من نظرة القذافي للتاريخ العثماني كبقية القوميين العرب، إلا أنه لم يكن منزعجًا على الأقل من بناء علاقات طيبة مع تركيا.
هل تعرفون من هو الاسم الذي كان الأكثر حبًّا من قبل الناس في عهد القذافي، والذي كان تتم دعوته باستمرار للمؤتمرات حتى تلك التي كان يحضرها أرفع مستوى في البلاد؟
إنه أورهان كول أوغلو، الذي انتقل إلى رحمة ربه الأسبوع الماضي، الصحفي والمؤوخ الشهير وصديقي العزيز، ابن الراحل صهر البحر الأسود ورئيس وزراء المملكة الليبية الأول سعد الله بك.
أروهان أوغلو ذلك الشخص الذي علمنا أن التاريخ الحديث عليه أو يمكنه أن ينصف أولئك الذين سادوا في الزمن الغابر ولا سيما في التاريخ الشعبي. إنه القلم الذي أضفى الطابع المؤسساتي على التأريخ الليبي، ومهد الطريق أمام الليبيين بعد فترة طويلة للاطلاع على التاريخ العثماني واكتشافه من جديد. أروهان أوغلو باعتباره أيضًا ممثل الإعلام التركي في ليبيا لسنوات، ساهم عبر دراساته واهتمامه بالوثائق العثمانية، في تشكيل الأرشيف الليبي الحالي بشكل كبير.
خلاصة القول، إن العلاقات التركية-الليبية، لا يمكن أن يفهمها أولئك الذين يريدون دفن رؤوسهم في التراب، ولا أولئك ذوي العقول الضيقة من جنود حفتر.
.
عرض التعليقات
ما مصلحة تركيا في هذه الحرب
ولا تقول ان تركيا تريد الخير لنا بدون مقابل
ما هي المصلحة
انك فعلا لا تفقه شي. لامصلحة الا للحفاظ على الاسلام و القدس العربية. اسئل نفسك اولا من هو حفتر واين كان ولماذا السعودية والامارات تقدمان الاسلحة و الميارات لمساعدته لقتل الليبين . السبب هو لاخضاع الدول العربية لقبول صفقة القرن و بيع القدس. اءنت مسلم ام سعودي اماراتي سيسي؟