يصادف اليوم الخميس، الثالث والعشرين من نيسان/أبريل، الذكرى الـ100 لتأسيس البرلمان التركي على يد مؤسس الجمهورية التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، في حين يستمر الجدل حول النظام الرئاسي الجديد الذي رسخه الرئيس رجب طيب اردوغان، ويرى مراقبون أنه أدى إلى تراجع الدور التاريخي لمجلس الأمة.
ورغم مرور ثلاث سنوات على إجراء الاستفتاء والانتخابات الرئاسية وتحويل نظام الحكم في البلاد من برلماني إلى رئاسي، ما زال الجدل قائماً وبقوة في تركيا، رسمياً وشعبياً، حول جدوى النظام الرئاسي، وما إن كان انعكس سلباً أو إيجاباً على البلاد داخلياً وخارجياً وسط انقسام متصاعد وصل إلى داخل أروقة حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وعام 1920 خلال حرب الاستقلال ومقاومة الدولة العثمانية لاحتلال الحلفاء، أسس أتاتورك «مجلس الأمة التركي الكبير» وترأسه لعدة سنوات في العاصمة أنقرة ليكون بديلاً عن المجلس العمومي، أول مجلس برلماني للدولة العثمانية، تحت مبدأ «السيادة للأمة دون قيد أو شرط».
ولكن بعد 97 عاماً من تطبيق النظام البرلماني في البلاد، جرى استفتاء شعبي واسع في تركيا من أجل تحويل نظام الحكم في البلاد من برلماني إلى رئاسي، في السادس عشر من نيسان/أبريل عام 2017. وبفارق ضئيل جداً تفوق مؤيدو تعديل الدستور على معارضيه، ليتم بالفعل تحويل نظام الحكم في البلاد من برلماني إلى رئاسي في حدث تاريخي غير شكل الجمهورية التي أسسها أتاتورك، قبل أن تجري انتخابات رئاسية فاز بها اردوغان وأصبح بذلك أول رئيس للبلاد بموجب النظام الرئاسي.
وباستثناء دعم حزبي العدالة والتنمية الحاكم، وحليفه حزب الحركة القومية، فإن كافة أحزاب المعارضة التركية وقفت بقوة أمام التعديلات الدستورية ورفضت تحويل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة، وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وحزب إيي (الجيد) وأحزاب منها السعادة والديمقراطي، وغيرها من الأحزاب الصغيرة في البلاد.
تراجع دور النواب في الضغط على الوزراء أدى إلى تضاؤل شعبية الحزب الحاكم
كما أن معارضة النظام الرئاسي لم تكن حكراً على أحزاب المعارضة التقليدية، بل خرجت أصوات من داخل الحزب الحاكم تعارض هذه الخطوة، قبل أن تؤدي هذه الخلافات إلى ابتعاد عدد من القيادات التاريخية عن الحزب، حيث أعلن رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، ووزير الاقتصاد السابق علي باباجان، اللذان شكلا حزبين معارضين جديدين من رحم العدالة والتنمية، أنهما ضد النظام الرئاسي وسوف يساهمان في إعادة النظام البرلمان للبلاد، كما يعد أيضاً أكبر أحزاب المعارضة «حزب الشعب الجمهوري».
وتعتبر المعارضة أن النظام الرئاسي عزز ما تسميه «سلطة الرجل الواحد»، وجمعت كافة السلطات في يد شخص الرئيس، وبالتالي أدت إلى فشل في إدارة كثير من الملفات السياسية والاقتصادية الداخلية والخارجية في ظل تراجع المشورة والدور الرقابي للبرلمان، وترى المعارضة أن النظام الرئاسي أدى إلى تراجع دور البرلمان وتحول نواب الحزب الحاكم إلى مجرد أدوات في يد الرئيس ليس لديهم أي سلطة ويرفعون أيديهم فقط لتمرير أي قرار يريده الرئيس، على حد تعبيرها.
في المقابل، يصر الرئيس التركي على أن النظام الرئاسي ساهم في الارتقاء بالبلاد وتعزيز قوة نظام الحكم فيها وتقوية قدرتها على مواجهة الضغوط والتدخلات الخارجية، وأن النظام الجديد سوف يساعد في وصول تركيا إلى أهدافها المرجوة عام 2023 الذي يصادف الذكرى الـ100 لتأسيس الجمهورية.
وفي ظل هذا الجدل المتواصل بين تكتلي الموالاة والمعارضة، يبرز جدل آخر صامت داخل أروقة الحزب الحاكم، يتمثل في وجود حالة من الامتعاض والرفض لتراجع دور النواب ومكانتهم داخل نظام الحكم وعلى الصعيد الداخلي في الحزب، وسط تحذيرات من تأثير ذلك على مستقبل الحزب ومكانته في الشارع التركي.
وتقليدياً، كان النواب لديهم تواصل كبير وقريب مع الوزراء والمسؤولين لتلبية طلبات ورغبات مواطنيهم في الدوائر الانتخابية التي انتخبوا فيها، وهو ما كان يتيح لهم بشكل دائم تواصلاً أوسع مع مؤيدي الحزب والمواطنين بشكل عام، الأمر الذي يعزز ثقة الشارع بالبرلمان ويساهم في زيادة شعبية النواب والحزب الحاكم بشكل عام، ولكن وفي ظل التغييرات التي جلبها النظام الرئاسي وتعيين وزراء من التكنوقراط والبيروقراط من خارج البرلمان وتراجع التواصل والاستجابة لطلبات النواب، أدى ذلك إلى تراجع سلطة النواب على الوزراء بشكل كبير جداً، وبالتالي تراجع التواصل بين النواب والناخبين وتراجع ثقة الناخبين بالنواب.
هذا المشهد أدى، وفق تقديرات داخلية، إلى تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية في السنوات الأخيرة، وسط تحذيرات من استمرار التراجع ومطالبات خجولة بضرورة إعادة النظر وإعادة الاعتبار لسلطة النواب على الوزراء في نظام الحكم الجديد، ومنح النواب للتعبير أكثر عن رؤيتهم للقوانين والقرارات التي يتم تمريرها في البرلمان، وليس فقط الطلب منهم التصويت أو رفض القرارات التي تطلبها رئاسة الحزب.
.
المصدر/ القدس العربي