لا شك بأن انهيار أسعار النفط الذي بلغ ذروته يوم الاثنين الماضي سيترك آثارا كبيرة على أسعار هذه السلعة الاستراتيجية للأسابيع وربما الأشهر القادمة، كما أنه سيؤثر بشكل جذري على صناعة النفط عموما، إلا إذا حصلت أحداث غير روتينية أو غير متوقعة في المستقبل القريب، مثل وقوع حرب أو زيادة الطلب لأي سبب طارئ بشكل غير اعتيادي.
وفي حال عدم وقوع حرب كبيرة في منطقة الخليج أو حرب عالمية كبرى، فإن من المتوقع أن يبقى الطلب على البترول في حدود منخفضة، لأن معظم خبراء الاقتصاد يتوقعون ركودا أو كسادا بعد انتهاء أزمة كورونا، ما يعني أن مأزق الاقتصادات القائمة على النفط سيبقى قائما، وربما يزداد تعقيدا.
هل تتضرر دول الخليج وحدها؟
قد يعتقد البعض أن دول الخليج هي وحدها المتضررة من هذه الأزمة، وهذا اعتقاد يخالف الواقع تماما. وإذا تجاوزنا الآثار العالمية لأزمة انهيار النفط، وخصوصا على روسيا وأمريكا، فإن ما يهمنا كعرب بشكل مباشر هو تأثير الأزمة على المنطقة العربية، حيث ستعاني كل الدول العربية منها، وليس فقط دول الخليج العربي.
ستكون دول الخليج بلا شك هي المتضرر الأكبر، بسبب اعتمادها في التصدير على منتجات النفط والغاز وخصوصا السعودية وقطر والكويت وعمان
حيث تتراوح نسبة البترول وتوابعه من صادرات هذه الدول بين 78% و90% بحسب الإحصائيات المختلفة، فيما تصل صادرات الإمارات من البترول إلى نسبة 30% تقريبا، والبحرين حوالي 52% مع الأخذ بعين الاعتبار أن صادرات البحرين منخفضة أصلا مقارنة بدول الخليج الأخرى.
ولكن التأثيرات السلبية لتراجع سوق النفط أو انهياره لا قدر الله، ستصل إلى كل الدول العربية، لأن هذه الدول استفادت من الرفاه الذي صنعه النفط، سواء من خلال التحويلات التي تدخل هذه الدول من عمالتها الكبيرة التي تعمل في دول الخليج، أو من خلال المساعدات والاستثمارات أو المشاريع التي تدعمها دول الخليج في العالم العربي. صحيح أن تأثر الدول العربية غير النفطية سيكون أقل، لأنها دول لم تتعود على الرفاه الاقتصادي مقارنة بالخليج، ولأن لها إنتاجها المحلي غير المعتمد على النفط، ولكن يبقى أنها ستعاني بصورة غير مباشرة من تراجع عائدات النفط في الدول الخليجية.
كيف يمكن أن يتحول تراجع النفط إلى نعمة؟
على الرغم من انهيار أسعار النفط يوم الاثنين الماضي، إلا أن المتوقع هو حدوث تراجع في الأسعار خلال الأشهر القادمة
وليس انهيارا كاملا كالذي حصل بسبب مضاربات ذلك اليوم، وبالتالي فإن دخول الدول المنتجة للنفط من عوائد هذا الخام ستتقلص، ولكنها لن تنضب نهائيا، فيما يبدو أن منتجي الغاز مثل قطر حتى الآن استفادوا من الأزمة بسبب عدم تأثر الطلب على الغاز كما حدث مع النفط كنتيجة لتداعيات فيروس كورونا، بل إن أسعار الغاز ارتفعت خلال الأسبوعين الماضيين بعد تراجعها في شهر آذار/ مارس الماضي.
ويمكن لهذه الأزمة أن تتحول إلى نعمة إذا أحسنت الدول المنتجة للنفط والغاز التعامل معها، وإذا استطاعت تعلم الدرس الذي كان خبراء خليجيون وعرب وغربيون يحذرون من وقوعه منذ عقود، ولكن انهيار يوم الاثنين الماضي ربما يمثل هزة كبيرة تفيد في تغيير السلوك الاقتصادي والتنموي لدول الخليج العربي، بما يعود بالخير عليها وعلى المنطقة ككل.
ويحتاج هذا التغيير لاتخاذ استراتيجيات مختلفة تماما عن الماضي، تقلب النمط الاقتصادي والسياسي رأسا على عقب، وهذه بعض الأمثلة:
أولا: تنويع الإنتاج بدلا من الاعتماد على تصدير النفط والغاز فقط، ويمكن أن تكون قطاعات الصحة والتقنية مجالات مهمة لتنويع الدخل، ولكن هذا يحتاج لرصد ميزانيات ضخمة للبحث العلمي، وربط هذا البحث بالصناعات والإنتاج ومتطلبات السوق المحلية والإقليمية والعالمية، كما يحدث في دول العالم المنتجة للتقنية.
ثانيا: تنويع الاستثمارات وتركيزها على الاستثمار المنتج في الدول العربية، بدلا من اقتصار استثمار أموال الصناديق السيادية على المضاربات وإنقاذ المشاريع الفاشلة في الغرب، وشركات البترول (التي ستتأثر هي أيضا بانهيار أسعار النفط ولذلك فهي لا تعتبر تنويعا في الدخل). وتعد الزراعة ومشاريع البنى التحتية مثل الطرق السيارة والمطارات أمثلة جيدة على استثمارات الصين في إفريقيا مثلا، ويمكن لدول الخليج أن تنحو هذا المنحى أيضا.
يمكن أن تمثل أموال الصناديق السيادية الخليجية التي تتجاوز مجموع موجوداتها تريليونين و166 مليار دولار أساسا مهما لانطلاقة جديدة في بناء استثمارات حقيقية في المنطقة العربية لدول الخليج، تعود عليها وعلى المنطقة العربية بالخير والرفاه. (مجموع صناديق الإمارات أكثر من تريليون دولار، صندوق السعودية 320 مليار، صندوق قطر 295 مليار دولار، مجموع صناديق عمان حوالي 18 مليار دولار، صندوق الكويت 533 مليار دولار).
ثالثا: تغيير السياسة التدخلية لدول النفط في الصراعات العربية، وإنهاء الحروب المدمرة خصوصا الحرب في اليمن والتي تكلف ميزانية السعودية أموالا طائلة، والعودة للسياسة الخليجية التقليدية المحافظة، بدلا من صرف المليارات في إذكاء الصراعات والانقلابات، كما حصل في مصر ويحصل في ليبيا واليمن.
إن الابتعاد عن الانغماس في الصراعات وإذكائها والصرف عليها، سيؤدي إلى مكاسب متعددة لدول الخليج ودول الوطن العربي عموما
إذ أنها ستخفف من الهدر المالي في هذه الصراعات أولا، كما أنها ستساهم في الوصول إلى مصالحات تاريخية في الدول غير المستقرة بسبب الصراعات التي ساهمت في تأجيجها دول الخليج وخصوصا الإمارات والسعودية (اليمن/ مصر/ ليبيا)، ولا شك بأن تحقيق مصالحات تاريخية سيؤدي لاستقرار الدول العربية الملتهبة، وهو ما يعود على دول الخليج والعرب بالخير، ويجعل هذه الدول سوقا خصبا للاستثمارات الخليجية، يستفيد منها جميع الأطراف.
يمكن أن يؤدي انهيار النفط لاختلالات كبيرة في دول الخليج وغيرها من الدول العربية، ولكنه يمكن أن يمثل هزة تؤدي لصحوة أو نعمة، إذا أحسنت دول الخليج قراءتها وغيرت استراتيجياتها الاقتصادية والتنموية والسياسية.
توفيت طفلة تبلغ من العمر 3 سنوات في أنقرة بعد ادعاء سقوطها من السرير، في…
في تصريحات هامة حول الوضع في الشرق الأوسط، أكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، على…
أعلن رئيس منصة تجار التبغ في تركيا، أوزغور أيباش، عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن زيادة…
شهد افتتاح مطعم جديد في منطقة إيفديك الصناعية في أنقرة إقبالاً كبيراً، حيث قدم المطعم…
تركيا الآن بعد التعادل السلبي مع يوفنتوس على ملعب سان سيرو، يعود الفريق للعمل…
تستعد الحكومة اللبنانية لعقد اجتماع لإقرار اتفاق لوقف إطلاق النار، في حين أشار وزراء في…
هذا الموقع يستعمل ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) لتحسين تجربة استخدامك.
عرض التعليقات
المفروض كل مسلم يشكر الله لهذه الفترة المباركة بانهيار أسعار النفط. لانها رحمة من الله على الدول الاسلامية . على الاقل لفترة من الزمن سيقلل من المعارك على المسلمين و تقسيم البلاد الاسلامية من قبل صهاينة العرب السعودية و الامارات و ايران. الدول الثلاث هم يد اسرائيل بقتل المسلمين و تشريدهم. نسال الله اما ان يصلح حالهم ويردهم الى رشدهم او يبقى النفط بادنى الاسعار حتى لا تكفي ميزانيتهم لشراء اسلحة لتقل المسلمين .