تساءلت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية عن سبب انخفاض حالات الإصابة بفيروس كورونا في جنوب آسيا؟
وقال مدير تحرير المجلة رافي أغراوال، إن الجميع كان يتوقع الأسوأ هناك، لكن بعد أكثر من ثلاثة أشهر من تسجيل أول حالة في جنوب آسيا لا يوجد في المنطقة سوى 60000 حالة مؤكدة، في حين يوجد في أمريكا أكثر من مليون حالة، بينما أكدت كل من إسبانيا وإيطاليا أكثر من 200000 حالة. أي إن جنوب آسيا التي يعيش فيها ربع سكان العالم، ليس فيها سوى 2% من حالات الإصابة بفيروس كورونا. لماذا؟
ويضيف أغراوال أنه لو تفحصنا الأرقام، سنجد أن هناك لغزا في عدد الحالات القليل، وخاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار الكثافة السكانية العالية والأنظم الصحية الضعيفة هناك.
قد يكون السبب هو قلة الفحوصات، حيث قامت الهند بإجراء 830201 فحص أو ما يعادل 614 من كل مليون وهو من بين أدنى معدلات الفحص في العالم. لكن أغراوال يستدرك قائلا؛ “إن كان المعدل المتدني للفحص في الهند يخفي تفشيا ضخما، فإن ذلك سيظهر بطرق أخرى، فقد كانت 4% فقط من فحوص فيروس كورونا إيجابية، مقارنة مع 17% في أمريكا، مما يشير إلى أن انتشار الفيروس في الهند أقل منه في أمريكا.
ومؤشر آخر يمكن استخدامه هو عدد الوفيات، ولكن البيانات هنا أيضا تظهر أن جنوب آسيا في صورة أفضل، فبينما سجلت أمريكا أكثر من 60000 وفاة بسبب مرض كوفيد-19، لم يمت في الهند من المرض سوى 1079. تلك الأرقام في الغالب أكثر، فحوالي خمس الوفيات فقط في الهند يتم فيها إصدار شهادة طبية، ومع ذلك فليس هناك ارتفاع شديد في عدد الحالات التي تدخل المستشفيات.
وباستخدام البيانات من الهند كتمثيل للمنطقة، فالاحتمال هو أن دول جنوب آسيا نجحت في تسطيح المنحنى إلى الآن، أو أنها لا تزال في بدايات التفشي. وإن كان هو الأخير، فإن الإغلاق يضمن بألا ينتشر المرض بشكل سريع.
فهل كان هناك مقاربة ناجحة؟ هل نجحت دول جنوب آسيا حيث فشلت الدول الغربية؟ إن الدول مثل الهند وبنغلاديش قامتا بفرض إغلاق أكثر صرامة من الغرب، وفي وقت أبكر من بداية التفشي. ومن هذه الناحية يجب الثناء على هذا التحرك السريع. وما عدا باكستان التي استمرت بالسماح للرحلات من وإلى الصين، قامت معظم الدول في المنطقة بوضع قيود حازمة على السفر المحلي والدولي.
لكن حتى هذا، وفق المجلة، لا يمكنه أن يفسر تماما العدد المتدني من الحالات. فحتى بعد إغلاق الحدود، زادت عدد الحالات داخليا، كما أن العديد من دول جنوب آسيا قامت بأخطاء خطيرة.
فالهند أعلنت عن الإغلاق على مستوى البلد دون تحذير، مما ترك ملايين العمال المهاجرين نازحين ومعرضين للإصابة.
وفي كل أنحاء المنطقة، تم عقد مؤتمرات دينية في أوائل شهر تموز/ مارس، مما أدى إلى كثير من الإصابات بالفيروس.
ويحسب للسلطات أنها كما يبدو حققت نجاحا في التتبع وفرض الحجر.
وأحد النظريات، هي أن المجتمعات الشابة للمنطقة تمنحها أفضلية؛ فمتوسط الأعمار في الهند مثلا، هو 28 عاما، مقارنة مع 38 في أمريكا. (متوسط العمر في كل من أفغانستان وبنغلادش وباكستان هي 18 و26 و24 بالترتيب). ولكن حتى مع ذلك لو كان هناك العديد من المصابين بالفيروس، الذين لا تبدو عليهم أعراض بين الشباب، فإن هذه ستظهر على كبار السن، وهو ما لم يسجل بعد.
وتتناول المجلة نظريات أخرى تصفها بـ”الضعيفة”. مثلا تقول منظمة الصحة العالمية بأنه لا دليل بأن لقاح Bacillus Calmette-Guérin المضاد للسل والمستخدم على نطاق واسع في بلدان جنوب آسيا يوفر حماية من فيروس كورونا.
كما أنه لا يوجد دليل على أن الأجواء الأكثر دفئا تبطئ انتشار الفيروس.
استراتيجية الصيف، لا يبدو أن هناك نهاية للجائحة ما لم يطور العالم لقاحا. وهو ما يعني أن من المبكر الإعلان عن أن مقاربة أي دولة كانت ناجحة. وهنا تكمن المشكلة لجنوب آسيا. فقد بدأت البلدان فعلا بالتخفيف من القيود التي فرضتها؛ فسمحت الحكومة الهندية بفتح المتاجر الصغيرة إضافة إلى بعض العمل في البناء والزراعة والتصنيع. وسمحت باكستان للمساجد أن تفتح لصلوات رمضان. وتعيد بنغلادش فتح بعض مصانع الملابس، التي تشكل جزءا مهما من الاقتصاد. وهذا قد يؤدي إلى ارتفاع مفاجئ في معدلات العدوى.
وعلى أعضاء البرلمانات في تلك البلدان أن يوازنو بين مخاطر تفشٍّ مستقبلي والتململ المتزايد بين شعوبهم. ففي سورات في الهند تحول عدد من العمال المهاجرين إلى العنف بإلقاء الحجارة على زجاج الشبابيك في موقع بناء وتسببوا بأضرار لعدد من السيارات. يريدون العمل أو العودة إلى قراهم، ويبدو أنه لا يوجد خيارات مثالية.
.
وكالات