إن الدور الهدّام الذي ترتكبه دولة الإمارات في الساحة الدولية شيء يعرفه جميع من يتابع التطورات على صعيد العالم الإسلامي. والتصريح بذلك وتكراره على العلن يعتبر خطوة ذات معنى. لكن على الرغم من ذلك لم تسرد الخارجية جميع ما تقوم به الإمارات بهذا الصدد، حيث أن بيانها الرسمي لم يخلُ من أناقة دبلوماسية، وما تفعله الإمارات على الساحة يفوق بكثير ما أورده البيان. نحن نواجه “بؤرة شر” حقيقية، مراكز تعذيب للاستخبارات الأمريكية، واستخدام الاغتصاب كسلاح كما جرى في حرب البوسنة تمامًا، وهجمات القصف التي تستهدف المدنيين بشكل مباشر، والاغتيالات أو التصفيات السياسية، والانقلابات الموجودة أو التي يتم طبخها وتحضيرها.
حينما ننظر إلى جوهر الأمر يدفعنا كي نسأل “ما هي الإمارات أصلًا؟”، إنها لا شيء في الحقيقة، بل إنّ اقتصادها هو من جعلها تبرز بين دول العالم العربي، دون أي هوية تاريخية أو ثقافية، بل كانت تُعتبر مجرد لعبة احتياطية في الماضي القريب لا البعيد.
ربما يبدو الدور الهدّام الذي تقوم به الإمارات في المنطقة، شيئًا من قبيل نظريات المؤامرة، إلا أن ذلك ليس صحيحًا، بل هي لا يمكنها التحرك بمفردها. كما هو معلوم فإن الشيخ زايد بن سلطان مؤسس دولة الإمارات ترك إدارة الأمور بعد رحيله عام 2004، لابنه خليفة والذي تعرض لجلطة دماغية حسبما أذيع، ليسلم زمام الأمور كلها لأخيه غير الشقيق محمد بن زايد في العام 2014. وهذه النقطة تحديدًا كانت نقطة تحول تاريخي لدولة الإمارات. حيث حصل محمد بن زايد الذي بات ولي العهد على مطلق الصلاحيات، علمًا أنه كان يتمتع ببعضها في حكم أخيه خليفه. لقد قام محمد بن زايد بتطوير العلاقات في الوقت نفسه مع الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وإسرائيل وإيران ومصر، كما كان حاضرًا في جميع العمليات المتعلقة بهذه الدول في الشرق الأوسط. لقد كان ابن زايد حاضرًا ومساهمًا وداعمًا سواء في الانقلاب على مرسي 2013، أو محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا 2016. كذلك الأمر ينطبق على تنصيب محمد بن سلمان وليًّا للعهد عام 2017، ومن ثم الحصار ضد قطر.
إن القاسم المشترك الذي يجمع بين ابن زايد ومن يلتقي معهم على مائدة الخطط والعمليات، هو الخوف حتى الموت من تركيا التي تتواجد على الساحة في كل مكان يتربصون به شرًّا، وتتخذ قرارها بنفسها وتعتمد تحقيق العدالة والاستقرار كهدف استراتيجي لها.
هناك مهمة أو عملية أخرى على عاتق ابن زايد والإمارات ويتم تنفيذها من ألفها إلى يائها، ألا وهي تأسيس لغة وذهنية جديدتين للدين. ولو سألتموني عن أخطر المشاريع التي تخوضها الإمارات، لأخبرتكم أنها القضاء على أي حضور إسلامي على الساحة السياسية، باسم ما يعرف بـ “محاربة الإسلام”. لأن ذلك يهدف مباشرة إلى قتل عامل التفكير والبحث عن بديل في المجتمع الإسلامي، وكذا القضاء على أي مواجهة ضد النظام العالمي.
هذه القضية التي هي غاية في الخطوة والأهمية، طالما قد تحدثت عنها في مناسبات مختلفة، وإنها لتحتاج إلى مقال خاص بها.
إن المروءة كانت من الخصال العربية التي تحمل أبعادًا كبيرة في القيمة لدى الفرد والمجتمع العربي، وحينما نترجمها إلى التركية يمكن أن تكتسب معنى “الرجولة”. المهم هو أن من بين خصلها وقيمها؛ أن على الإنسان أن يكون عادلًا ومنصفًا حتى مع عدوه، أن يحميه في حال اللجوء إليه، واحترام الأوقات والأماكن التي يُحظر فيها سفك الدماء، والوفاء بالوعد، وكرم الضيافة.
لقد كانت المروءة شيئًا شائعًا حتى ما قبل الإسلام في المجتمع العربي الجاهلي، ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك، ما تم الاتفاق عليه قبل الإسلام ضمن حلف عُرف باسم “حلف الفضول”، ولقد اشترك فيه النبيّ محمد والذي قال عنه بعد دخوله المدينة عقب سنوات من ذلك الحلف “ولو دعيت له لأجبت”. وبالمناسبة فإن حلف الفضول تم عقده كآلية تسعى نحو إقامة العدل من قبل أهل مكة ردًّا على عدم دفع أبي جهل حقوق تاجر جلب بضائع إلى مكة.
وحين النظر إلى محمد بن زايد والعقلية الجاهلية التي يحاول فرضها في العالم العربي، نجد أنه لا مفر من سؤال، أين أهل المروءة؟
.
بواسطة / طه كلينتش