لا تقولوا؛ ما الذي سيخرج من جدل لا فائدة منه على مواقع التواصل، حيث أن العديد من الخطوات التي سيتم اتخاذها في العالم العربي ولا سيما في السعودية، تبدأ أولًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي. يبدو الأمر بمثابة تدعيم من قبل الرأي العام، أو ربما من أجل تحذير أو تهديد. ومن ثمّ يتم النظر بردود الفعل على ذلك، ليتم الانتقال إلى الخطوة التي بعدها على ضوء ردود الفعل تلك. ولذلك السبب تبدو متابعة النقاشات التي تُدار عبر مواقع التواصل في العالم العربي مهمة. وفي السياق ذاته نجد أن الصحف السعودية هي الأخرى قد دخلت على الخط، وبدأت تطرح نقاشات حول “التاريخ الحقيقي للرواق العثماني”.
حسب الادعاءات التي ساقتها بعض المشاركات، فإن أعمال الترميم للمسجد الحرام في عهد الإمبراطورية العثمانية لم تكن ذات حجم كبير ومهم. وأن الأعمدة التي أمر ببنائها سيدنا عثمان بن عفان، جاء العباسيون وأضافوا لها قببًا خشبية مع ترميمها، ما يعني أن الرواق الموجود الآن حول الكعبة يعود إلى ما قبل العصر العثماني، ولذلك يجب نسب لفظة “عثماني” إلى عثمان بن عفان لا إلى العثمانيين.
في الحقيقة إن هذا الادعاء المضحك ينسف بالحقائق التاريخية ويضرب بها، والذي يحاول تلوية ذراع حقيقة عمرها مئات السنين لتوافق عبث سياسة جديدة؛ بل حتى الموقع الرسمي للمسجد الحرام يدحض هذا الادعاء ويكذبه. والحق يقال أن السلطان سليم الثاني هو من أمر بعملية ترميم واسعة للمسجد الحرام، إثر أعمال تخريب طالت محيط الكعبة، ومن ثم أكمل الترميم من بعده ابنه مراد الثالث، وما الرواق العثماني الموجود اليوم إلا نسبة لذلك الترميم الذي تم في العهد العثماني.
إن العداوة التي باتت تكنها الإدارة السعودية اليوم لتركيا قد وصلت حد الهيستيريا والجنون، لدرجة أنهم قرروا تغيير المناهج من جديد من أجل لصق الافتراءات الباطلة بالدولة العثمانية. ومن الممكن أن يسفر هذا الجدل العبثي الذي بدأ مع شهر رمضان المبارك حول الرواق المحيط بالكعبة، إلى خطوة رسمية في هذا الصدد. لقد قاموا بالفعل في تغيير الرواق العثماني خلال السنوات الماضية، واليوم يريدون حتى تغيير الاسم، يمكنهم فعل ذلك، إلا أن السؤال الأهم هو هل سيتمكنون من محوه من أذهنة ولغة المسلمين؟ هنا تكمن الصعوبة.
إن الإدارة السعودية التي بدأت حربًا ضد تركيا والإرث العثماني، تحت ذريعة مكافحة الإسلام السياسي، بالتأكيد تريد أن تستثمر في مواقع التواصل أيضًا وتجعل منها أذرعة لها. وفي هذا السياق، يأتي المسلسل الرمضاني الذي يبث على قناة إم بي سي السعودية ومقرها الإمارات، “ام هارون” والذي تم تصويره بشكل كامل في الإمارات، حيث تدور أحداثه حول امرأة يهودية في العام 1940 هي أم هارون، تحكي حالة استبعاد وصراع مع الوجود في العالم العربي.
على الرغم من مزاعم العداء السعودي لليهود والصهاينة، الذي يحاول أن يروج له الذباب الإلكتروني السعودية من خلال الهجوم على تركيا؛ “أنتم لديكم سفارة إسرائيلية (أي في تركيا ولا يحق لكم التحدث)؛ على الرغم من ذلك، فإن مسلسل أم هارون يأتي محاولة لتصوير أن العيش المشترك مع الصهاينة شيء جديد وهو نموذج مثالي، لا سيما في عقول الجيل الشاب الجديد.
إن المسلسل في أولى حلقاته يبدو مستعجلًا لهذا الطرح، حيث يجسد إحدى المشاهد الحديث عن قيام إسرائيل بالقول “تأسست دولة إسرائيل عام 1948 على أرض إسرائيل”. بالطبع بما أن الشباب العربي ليس قارئًا نهمًا، فإنه بالتالي يتلقف أي شيء يمر عليه. ولذلك تجد من وراء صناعة هذه المسلسلات، لا يفترون عن ترديد أقول مثل “الفلسطينيون ليسوا عربًا، الفلسطينيون راديكاليون، بلاء فوق رؤوسنا، أو نحن واليهود أبناء عمومة، أو ما الداعي للصراع والنزاع؟، ليكتمل الطبق جاهزًا بكل سمومه ليتم تقديمه للجيل الجديد من الشباب.
إن بث الفرقة والشقاق في الجسد الإسلامي من الداخل لا من أعداء الخارج، في هذه المرحلة الصعبة التي نحتاج فيها إلى وحدة وتكاتف أكثر من أي وقت مضى، لهو لعمري أكبر دافع على التأمل وأخذ العبرة. قلت أن التفرقة تأتي من الداخل، على الرغم من علمنا بأن آذان الحكام العرب مرهونة للخارج. ولو لم تكن تلك الآذان مقتنعة بل وجاهزة أيضًا لصراع الإخوة فيما بينهم لما أعطوا آذانهم للخارج. ما يعني أنهم على أهبة الاستعداد لتطبيق خطط الخارج بحذافيرها.
.