كان يفترض بشهر نيسان/إبريل الفائت أن يكون موعد نشر تركيا لمنظومة S400 الدفاعية الروسية، وبالتالي أن يكون محطة توتر جديدة بين أنقرة وواشنطن، بيد أن وباء كورونا المستجد قد حال دون ذلك حتى اللحظة.
فقد مر الشهر كاملاً دون التطرق للموضوع بما أوحى بإمكانية التأجيل، وهو ما أتى تأكيده على لسان الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين. ففي لقاء للمجلس الأطلسي شارك به عن بُعد قبل أيام، قال كالين إن بلاده “أجلت نشر المنظومة الروسية بسبب وباء كورونا”، دون أن يعني ذلك “تغييراً جذرياً على المسألة برمتها”.
من جهته، قال السفير الأمريكي في أنقرة ديفيد ساترفيلد المشارك في نفس الاجتماع، إن بلاده قد أوضحت موقفها بهذا الخصوص “بلغة شديدة الوضوح للرئيس اردوغان ولكافة المسؤولين”، مؤكداً أن الصفقة قد تعرّض تركيا لعقوبات من الكونغرس مثل قانون مكافحة أعداء الولايات المتحدة من خلال العقوبات CAATSA فضلاً عن “عقوبات إضافية”، وأن الإدارة الأمريكية “لا تملك ضمانات تطمئن مخاوف الحكومة التركية”.
ترفض أنقرة الضغوط الأمريكية لإلغاء الصفقة من باب أنها قرار سيادي وكذلك حاجة استراتيجية بعد مماطلة الولايات المتحدة وبعض حلفائها الأطلسيين في بيعها منظومة دفاعية، رغم أنها ألغت عام 2015 صفقة من الصين بضغوط من حلف الناتو دون جدوى، بل وقد سَحَبَ الحلف بطاريات باتريوت التي كان نشرها على الأراضي التركية على عكس رغبة الأخيرة.
في المقابل، تؤكد واشنطن بأن المنظومة الروسية تشكل خطراً على أسلحتها الهجومية لا سيما مقاتلات F35، من باب انكشاف أسرارها واستهدافها على حد سواء، وهو ما تنفيه أنقرة وتدعو للتحقق منه فنياً عبر لجنة تركية – أمريكية مشتركة، الأمر الذي لم توافق عليه واشنطن حتى اللحظة.
أبرمت تركيا الصفقة مع روسيا عام 2017 وكان يفترض أن تستلمها في العام الحالي، إلا أن عوامل عدة من بينها تحسن العلاقات التركية – الروسية ساهمت في تبكير الاستلام إلى 2019 على أن يكون النشر والتفعيل في نيسان/أبريل 2020، ما عرّضها لضغوط أمريكية غير مسبوقة ويراها الكثيرون متناقضة مع علاقة الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين.
ففي تشرين الأول/أكتبور الفائت، أقر مجلس النواب الأمريكي وبأغلبية ساحقة قراراً بالاعتراف بأحداث عام 2015 على أنها “إبادة للأرمن” في إشارة رمزية واضحة، كما أقر قانوناً يتضمن فرض عقوبات على أنقرة بنسبة مشابهة، لدرجة أن لجنة الصداقة التركية في المجلس والمكونة من 106 أعضاء صوت 3 منها فقط ضد قانون العقوبات و4 فقط ضد قرار الاعتراف.
أكثر من ذلك، فقد قدم السيناتوران الجمهوري ليندسي غراهام والديمقراطي كريس فانهوللين في حينه مشروع قرار لمجلس الشيوخ لفرض عقوبات على شخصيات ومؤسسات تركية إضافة لتفعيل قانون CAATSA. يضاف كل ذلك لقرار الولايات المتحدة تجميد مشاركة تركيا في مشروع مقاتلات F35 رغم أنها شريك في المشروع وليست مجرد زبون راغب في الشراء.
محاولات أنقرة تجنب العقوبات الأمريكية شملت التواصل المباشر مع ترمب الذي تتضمن تصريحاته في العادة لوماً لإدارة أوباما وتفهماً لحاجة تركيا لصفقة إس400، إضافة لإبداء رغبتها في شراء صواريخ باتريوت الأمريكية، فضلاً عن طلبها من واشنطن نشر بعضها على الحدود السورية – التركية قبيل عملية درع الربيع الأخيرة، وهو الطلب الذي ماطلت الولايات المتحدة في التجاوب معه.
ولذلك فقرار تركيا تأجيل نشر المنظومة الروسية يحمل أخباراً سارة للعلاقات التركية – الأمريكية التي كانت تنتظر هزة محتملة لدى حصول ذلك. للقرار مسوغات اقتصادية، حيث أدت جائحة كورونا لتباطئ عجلة الإنتاج والاقتصاد من جهة وتستنزف موارد حولتها الحكومة لدعم القطاعات والشرائح المتضررة ضمن خطة “درع الاستقرار الاقتصادي” بقيمة 15 مليار دولار من جهة أخرى. لكن ذلك لا يلغي البعد المترتبط بالعلاقات مع الولايات المتحدة التي تعد سبباً رئيساً في التأجيل، خصوصاً وأن أي تصعيد جديد معها قد يفاقم من التداعيات الاقتصادية سالفة الذكر كما حصل سابقاً.
حرص أنقرة على تجنب التوتر مع واشنطن تبدى كذلك في المساعدات الطبية التي قدمتها الأولى للثانية في ظلال الوباء، ضمن عدة دول استقبلت المساعدات التركية. فقد أرسلت تركيا طارئتي شحن محملتين بمستلزمات طبية من منظفات ومعقّمات وقفازات وكمامات طبية ومستلزمات وقاية.
طبعت على المساعدات، إضافة للعلمَيْن التركي والأمريكي، عبارة “ثمة آمال كثيرة بعد اليأس، وشموس عديدة بعد الظلام” المنسوبة لجلال الدين الرومي في رمزية لم تفت المتابعين، كما أرفقت برسالة من اردوغان لترمب بدت واضحة الدلالات.
تبدأ الرسالة بعبارة “صديقي العزيز” وتركز على أهمية “التعاون بين الطرفين في مواجهة الاختبار الصعب الذي وضع كورونا البلدين والعالم أجمع إزاءه”، وتؤكد على أن تركيا “شريك موثوق وقوي للولايات المتحدة” على صعيد تأمين ما يلزم لمكافحة المرض، وتختتم بالتطلع بأن يدرك الكونغرس والإعلام الأمريكي “الأهمية الاستراتيجية لعلاقاتنا” وأن يتحركا “وفق ما يتطلبه فهم المكافحة المشتركة للبلدين” متأثرَيْن بالتضامن الذي أبدته تركيا خلال الوباء.
السياق الثالث المرتبط بمسار العلاقات الثنائية هو طلب تركيا من الولايات المتحدة وأعضاء آخرين في مجموعة العشرين ضمها لاتفاق تبادل العملات في ظل التبعات الاقتصادية لكورونا، خصوصاً وأن تركيا تعتمد مجانية الفحوص والعلاج من المرض لجميع مواطنيها فضلاً عن خطة “درع الاستقرار الاقتصادي”، ما أفقد احتياطي البنك المركزي التركي قريباً من 17 مليار دولار منذ بداية العام إضافة لتراجع احتياطي العملات الأجنبية إلى حدود 26.4 مليار دولار وفق بعض التقارير.
وفي ظل رفض تركيا القاطع اللجوء للاقتراض من صندوق النقد الدولي الذي يؤكد الرئيس اردوغان أن تركيا “قد أغلقت صفحته للأبد”، يبدو هذا النوع من الاتفاقات خياراً ممكناً ومرغوباً بالنسبة لأنقرة.
في الخلاصة، فإن وباء كورونا المستجد، ورغم تداعياته السلبية على تركيا والعالم، قد حمل بعض التطورات الإيجابية لمسار العلاقات التركية – الأمريكية التي تسير في حقل ألغام في السنوات القليلة الأخيرة ومرَّت بأكثر من محطة توتر خلالها. وفي ظل حرص أنقرة على علاقات مستقرة وإيجابية مع واشنطن، سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً، لا يبدو أنها ستستعجل في قرار نشر بطاريات S400. إن قراراً كهذا بتبعاته المحتملة قد ينتظر شهوراً قبل أن يرى النور، ولعله سينتظر انشغال الإدارة الأمريكية بالانتخابات الرئاسية نهاية العام، بل وربما نتائجها.
حققت ولاية أنطاليا، عاصمة السياحة التركية المطلة على البحر المتوسط، نجاحًا ملحوظًا في استقطاب السياح،…
أعلنت وزارة الداخلية التركية عن إقالة رئيس بلدية أسنيورت بإسطنبول، أحمد أوزار، المنتمي لحزب…
أعلن الجيش الأميركي عن وفاة جندي كان في حالة حرجة بعد إصابته خلال مهمة غير…
أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الثلاثاء، على ضرورة مواصلة الجهود في العالم التركي…
انطلقت في إسطنبول أمس فعاليات "ملتقى الأعمال السعودي- التركي"، الذي ينظمه اتحاد الغرف السعودية بالتعاون…
في عملية لمكافحة الدعارة نظمتها الشرطة في كوتاهيا، استهدفت 12 موقعًا، من بينها 3 صالات…
هذا الموقع يستعمل ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) لتحسين تجربة استخدامك.