على مدار الأسبوع الماضي خرج على الملأ رامي مخلوف ابن خالة الأسد، بفيديوهات ينتقد خلالها بعض تصرفات النظام السوري. كان مخلوف الذي يبدو من طريقه حديثه وأسلوبه أنه لم يتمكن من الوصول للأسد، ينتقد أو يشكو من الضرائب الإضافية التي لحقت بشركاته، كما يشتكي من حملات الاعتقال التي طالت موظفين لديه.
ما قاله مخلوف في الفيديو الثاني الذي نشره يوم 3 مايو/أيار، تضمن تصريحات غاية في الأهمية بالنظر إلى الهيكل المقيد والمغلق الذي يقوم عليه النظام السوري، حيث قال “سيادة الرئيس، الأجهزة الأمنية تتعدى على الموالين لك، والله لو استمرينا على ذلك سيكون وضع بلادنا أكثر صعوبة”. علامات الثقة والقلق والتحذير في كلماته كانت تفوق مشاعر الاستعطاف.
يشتهر رامي مخلوف ابن خالة الأسد، بسيطرته على القطاعات الهامة التي تمثل شريان الحياة الاقتصادية في سوريا، لا سميا في مجال الاتصالات والبناء والطيران المدني والمصارف. ووفقًا للتقديرات، فإن أكثر من 60% من الأنشطة الاقتصادية في سوريا، تتدفق بشكل مباشر أو غير مباشر إلى خزينة رامي مخلوف. وبفضل هذه الثروة الهائلة التي يملكها ويديرها، استطاع تمويل عصابات وميليشيات تقاتل إلى جانب قوات النظام السوري، على مدار سنوات عديدة من أجل القتال ضد المعارضة. ومن ناحية أخرى، يعتبر مخلوف شخصية طالما كانت ولا زالت محل كراهية ومقت من غالبية الشعب السوري، وذلك لأن حيازة هذا القدر من الأموال في بلد مثل سوريا، لا يمكن إلا أن يأتي من وراء الفساد فحسب.
حين التأمل في ذلك والنظر إلى الفيديوهات الجديدة التي يشن فيها هجماته منتقدًا النظام السوري، فإن ذلك يبدو غريبًا وصادمًا.
كانت أولى إشارات العمليات الحالية ضد مخلوف قد بدأت في أغسطس/آب العام الماضي. حيث أشيع أن الأسد شخصيًا أمر بوضع مخلوف في ما يشبه الحجر، وذلك بعد انتشار صور الحياة الفاخرة التي يتمتع بها أولاد مخلوف في دبي. كما أن بعض التحليلات في وسائل الإعلام تحدثت عن أن الأسد يريد وضع يده على ممتلكات ابن خالته، من أجل تسديد الديون المستحقة لروسيا، حتى أن بعض المحللين السياسيين شبه ما يجري، بما فعله محمد بن سلمان في السعودية، حينما سجن أنباء عمومته من رجال الأعمال في فندق الريتز كارلتون بالرياض.
هذا التوتر القائم في عائلة الأسد التي تحكم سوريا منذ العام 1970 أي منذ خمسين عامًا كاملًا، يشابه إلى حد كبير ما جرى بين حافظ الأسد وأخيه رفعت عام 1984، حينما تمكن رفعت من تغيير موازين داخل البلد بعد ارتكابه مجازر حماة، مما جعله يرى نفسه متفوقًا على أخيه ليقف ندًّا له محاولًا عمل انقلاب عليه، إلا أنه باء بالفشل. اضطر بعد ذلك رفعت لمغادرة سوريا متجهًا نحو باريس للإقامة فيها، وليبقى حافظ الأسد الحاكم المطلق بلا منازع حتى وفاته عام 2000. حينما كان حافظ في صراع مع أخيه لم يكن هناك روسيا وإيران تتصدران المشهد كما اليوم. كما لم يكن هناك معارضة أصلًا بعد السيطرة على الانتفاضة الشعبية التي جرت في الثمانينات. ومن ناحية أخرى، كان هناك العديد من العوامل الخارجية التي ساعدته على التغلب على رفعت، في ظل ظروف الشرق الأوسط بتلك الفترة. وبالتالي لا يبدو من الصعب فهم الخيوط التي لعب عليها حافظ الأسد في التغلب على أخيه.
بشار الأسد اليوم يبدو محرومًا من جميع تلك المزايا التي كان يتمتع بها والده في السابق. على صعيد آخر، اليوم سوريا أمام قوتين خارجيتين هما روسيا وإيران تتنافسان على الأرض السورية. وما يجري من تحركات حول الأسد هي بالدرجة الأولى تنبع من الطموحات السياسية والاقتصادية لزوجته أسماء، والأساليب الوحشية التي يتصف بها أخوه ماهر.
لا يمكن القول أن بشار الأسد هو حاكم سوريا أو رئيسها، حينما نتحدث عن بلد مدمر تحول إلى أنقاض، نظامه السياسي والاقتصادي يعاني من انهيار، مدنه وبلداته تنتظر إعادة الإعمار، عدا ألف مشكلة ومشكلة. ما يعني أن الأسد على الرغم من أنه يجلس على الكرسي، إلا أن الكلمة الفصل في كل شيء هي لروسيا وإيران.
في ظل كل هذه الاضطرابات، لا يمكن لرامي مخلوف أن يتحدث بكل هذه الجرأة وهو لا يزال في دمشق. هناك البعض يتحدث عن احتمالية أن مخلوف يتحرك بضوء أخضر روسي، والجرأة التي يتحدث بها إنما مصدرها روسيا. وهذا الرأي يعني أن مخلوف حينما يمارس ما يشبه الضغط على ابن خالته بشار، فإن ذلك إشارة من روسيا لإجبار الأسد ومحطيه على الإذعان لحل سياسي، ورسم ملامح المرحلة الجديدة التي ستضمن حفظ وحماية المصالح الروسية في شكل سوريا بعد الحرب.
وفي هذه الحالة يبدو مخلوف وكأنه ناطق باسم إحدى العصابات الروسية، او بمثابة فرع جديد لها في دمشق.
إذن هذه آخر أخبار جبهة المقاومة والممانعة ضد “إسرائيل”، والتي فضّلت قتل أكثر من نصف مليون من الشعب السوري كي يبقى الأسد في السلطة.
.