“إعادة تموضع” مليشيا حفتر بطرابلس.. انهيار أم انسحاب إجباري؟

تصريحات كاشفة أدلى بها أحمد المسماري، المتحدث باسم مليشيا الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، بشأن “إعادة التموضع” في محاور بالعاصمة الليبية طرابلس، والذي يعني ذلك “انسحابا” في العرف العسكري.

ويأتي هذا التصريح بعد يوم من السيطرة على قاعدة الوطية الجوية الاستراتيجية (غرب) من قبل القوات الحكومية، بالإضافة إلى بلدتين في الجبل الغربي.

وواضح أن السقوط المدوي لأكبر قاعدة جوية في المنطقة الغربية، بدأ يجد صداه في الجبل الغربي والأحياء الجنوبية لطرابلس، وكذلك في مدينة ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس وما تزال تسيطر عليها مليشيا حفتر)، لذلك من المتوقع أن تكون الساعات المقبلة حافلة بالأحداث.

– ضغط دولي

ورغم نفي المسماري، الانسحاب الكلي من محاور القتال بطرابلس، لكنه قال بصوت مرتبك إن هذا الانسحاب مجرد “إعادة توزيع قوات وتموضع في المحاور القتالية، مع فك الاشتباك ببعض الأحياء السكنية المكتظة، بمناسبة عيد الفطر”.

وهذا الكلام يذكرنا بتصريحات سابقة لقيادات موالية لحفتر، بوصف سقوط قاعدة الوطية (140 كلم جنوب غرب طرابلس) بأنه “انسحاب تكتيكي”، بعد أن سبق وأن نفت صفحات تابعة لهم بالوطية، وجود أي انسحابات في صفوفهم بالقاعدة، قبل أن يتبين عدم صحة ذلك.

فلم يسبق لحفتر أن انسحب طيلة أكثر من سنة من أي حي في العاصمة سيطر عليه، إلا بالقوة، لذلك من المستغرب أن ينسحب من أحياء بسبب العيد أو اكتضاضها بالسكان، وهو الذي لم يتوان في قصف أهالي طرابلس ومستشفياتهم طيلة رمضان.

فقرار الانسحاب من أحياء في جنوبي طرابلس، جاء بعد ساعات فقط من سقوط قاعدة الوطية، وسبق ذلك إدانات دولية وأممية، بما فيها حليفة حفتر فرنسا، لاستهدافه أحياء شعبية والمستشفى المركزي بطرابلس، ما أوقع قتلى وجرحى في صفوف المدنيين، وأثار غضبا داخليا ودوليا.

كما أنه جاء بعد إدانة واسعة لقصف مقرات دبلوماسية تركية وإيطالية، مما زاد الضغوط الدولية على مليشيا حفتر، التي حاولت التنصل من هذه الجرائم باتهام القوات الحكومية، دون أن تقنع أحدا.

– الصراع في الشرق يخفف الضغط على طرابلس

لكن تحليلات أخرى تتحدث عن سحب وحدات عسكرية باتجاه شرق ليبيا من المحاور الجنوبية لطرابلس، مما أثار غضب مليشيا اللواء التاسع ترهونة، التابعة لحفتر، الذي يرفض قرارات الانسحاب.

كما أن الصراع بين حفتر ورئيس مجلس نواب طبرق (شرق) عقيلة صالح، وصل إلى درجة تفكيك المليشيات التي أعلنت دعمها لصالح، ومصادرة أسلحتها، على غرار الكتيبة 102 بمنطقة مرتوبة غرب مدينة درنة (شرق)، والتي تضم مسلحين غالبيتهم من قبيلة العبيدات، التي ينتمي إليها صالح، وكتيبة أبناء الزاوية بمدينة بنغازي (شرق)، واقتحام بيت قائد الكتيبة 128 حسن الزادمة ببنغازي (من قبيلة المغاربة)، بحسب وسائل إعلام محلية وعربية.

والجدير بالذكر أن أغلب قبائل الشرق الليبي اجتمعت مع صالح، وأيدت مبادرته السياسية، ولم تبد تأييدا لدعوة حفتر لتفويضه بحكم ليبيا، على غرار قبائل: العبيدات والمرابطين، والعواقير، والحاسة، والمغاربة، وشحات، والجبارنة، والعرفة، والفوايد والزوية، والعبيد، والجوازي، والعريبات، واجلالات.

ورغم أن الأمر لم يصل بعد إلى المواجهة العسكرية بين القبائل المؤيدة لصالح والمليشيات المؤيدة لحفتر، لكن الوضع مشحون في إقليم برقة، وقد يضطر الجنرال الانقلابي لسحب بعض مليشياته من طرابلس لتثبيت معاقله في الشرق.

كما أن قبائل الشرق من المتوقع أن تطلب من أبنائها الذين يقاتلون في طرابلس والمنطقة الغربية، استعدادا لأي مواجهة محتملة مع حفتر.

– بلدات الجبل الغربي.. الاستسلام أو التحييد

رغم تحرير القوات الحكومية لجميع مدن الساحل الغربي، ثم قاعدة الوطية الاستراتيجية، إلا أنه مازالت هناك بعض البلدات في الجبل الغربي تتمركز فيها مليشيا حفتر.

حيث تمكنت القوات الحكومية، الثلاثاء، من السيطرة على بلدتي تيجي وبدر، اللتان تقطنهما قبيلة الصيعان، الموالية لنظام القذافي والمتحالفة مع حفتر.

حيث تعتبر البلدتان مهمتان، لأنهما تقعان جنوب غرب قاعدة الوطية المحررة، وبقاؤهما في يد حفتر يعني استمرار التهديد على القوات الحكومية المتواجدة بها، وصعوبة استخدام الطيران بها.

كما أن قبيلة الصيعان تعتبر خزانا بشريا لحفتر، وتيجي وبدر منطقتا عبور سابقة من الوطية إلى مدينة الزنتان (170 كلم جنوب غرب طرابلس) ومن ثم إلى قاعدة الجفرة الجوية (650 كلم جنوب شرق طرابلس) أو إلى مدينة ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس) وجنوبي العاصمة.

كما أن هناك بلدتي الأصابعة والعربان، المواليتين لحفتر، فالأولى تقع جنوب غرب مدينة غريان (100 كلم جنوب طرابلس)، والثانية شرق غريان، ويمثل السيطرة عليهما تأمين عاصمة الجبل الغربي (غريان) التي حررتها القوات الحكومية في 26 يونيو/حزيران 2019.

وعلى الأغلب ستدخل القوات الحكومية، العربان والأصابعة بدون قتال، فليستا بلدتين كبيرتين ولكنهما تقعان على خطوط الإمداد بين قاعدتي الجفرة والوطية.

لكن أخطر مدينة في الجبل الغربي هي الزنتان، ومعها بلدة الرجبان، المجاورة لها في باطن الجبل، ولكنهما منقسمتان.

حيث تعتبر الزنتان أكبر قوة عسكرية في الجبل الغربي، إذ يدعم مجلسها العسكري الحكومة الشرعية، وكذلك مجلسها البلدي ومعظم نوابها وأعضائها في مجلسي النواب والدولة ومكوناتها الاجتماعية.

واللواء أسامة الجويلي، قائد المنطقة الغربية في الجيش الحكومي ينحدر من الزنتان وأحد قادة المدينة العسكريين.

لكن بالمقابل أكثر من نصف مسلحي الزنتان، موالون لحفتر، بقيادة إدريس مادي، قائد المنطقة الغربية في مليشيات حفتر، ومعهم أنصار نظام القذافي، والموالين للمدخلي طارق درمان.

كما أن مطار الزنتان يخضع لنفوذهم، وتم استخدامه من قبل في نقل الأسلحة والأفراد، وليس معروفا إن كانت مليشيات حفتر استخدمته أيضا في قصف أهداف للقوات الحكومية.

فالوضع في الزنتان حساس جدا، وهناك تعايش صعب بين الموالين لحفتر والداعمين للحكومة الشرعية داخل المدينة، وأحيانا في البيت الواحد.

والأمر ينطبق على الرجبان وأيضا بلدة الرياينة المجاورة، لكن من المتوقع أن تعالج هذه المسألة عبر الحوار المجتمعي داخل القبيلة الواحدة، من خلال تحييد مسلحي حفتر عن القتال مقابل عدم مهاجمتهم.

لكن مادي، أعلن عبر إذاعة الزنتان، أنهم سيواصلون القتال، خاصة وأن معظم المليشيات التي انسحبت من قاعدة الوطية بأسلحتها الثقيلة تتحدر من الزنتان، ما يعني أن المعركة في الجبل الغربي لم تضع أوزارها بعد.

– ترهونة.. الخيار الصعب

يواجه مسلحو اللواء التاسع ترهونة، الملقب بـ”الكانيات”، وضعا صعبا، بعد أن لاحت تباشير انهيار مليشيات حفتر في المنطقة الغربية، خاصة مع سقوط أكبر قاعدة عسكرية له في المنطقة، وانحسار الموالين له من قبيلة الزنتان والمداخلة في الجبل الغربي، وإمكانية انسحاب مسلحي الشرق من محاور القتال جنوبي طرابلس.

فاللواء التاسع مرشح أن يبقى وحيدا في معركة طرابلس، مثلما دخلها وحيدا في 2018، قبل أن يضطر للانسحاب منها ويعود إلى معاقله السابقة بخُفي حنين.

وقد يضطر هذه المرة إلى التفاوض مجددا من أجل الانسحاب، لكن كلما تأخر الوقت ضيع فرصا للخروج بأقل الخسائر من المستنقع الذي رمته فيه عائلة الكاني.

فمشروع حفتر في كامل البلاد يتداعى سواء في طرابلس أو بالجبل الغربي أو في برقة أو حتى في الجنوب بإقليم فزان، مثلما وقع للزعيم الراحل معمر القذافي، في 2011، عندما صمد 8 أشهر قبل أن تنهار كتائبه الأمنية بسرعة رهيبة وغير متوقعة، ولم يعد السؤال اليوم: هل يسقط حفتر ومشروعه الانقلابي؟ بل متى؟.

.

المصدر/ A.A

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.