يتم تعريف كلمة “الحكمة” في القواميس على أنها “فهم حقيقة الأشياء بعمق، وإنشاء علاقة ما بين السبب والنتيجة بطريقة متوازنة، أو الدراية بخلفية الأمور وفعل الشيء كما ينبغي”، ولطالما كانت هذه المفردة “الحكمة” إحدى التعبيرات الرئيسية في عالم المفاهيم الإسلامية. وإن صفة “الحكيم” وجمعها حكماء، تطلق على الإنسان الذي يمتلك الصفات التي ذكرناها في الأعلى والتي هي تعريف كلمة “الحكمة”.
تحدث القرآن الكريم عن لقمان كشخصية حكيمة، والآية القرآنية كانت صريحة في ذكر أنه مُنح الحكمة.
بعد هذه المقدمة الدلالية دعونا نذهب إلى 6 سنوات قبل الآن:
في 19 يوليو/تموز 2014 والموافق لـ 21 رمضان 1435 هجري، أعلنت مجموعة من رجال الدين والسياسة عن تأسيس “مجلس حكماء المسلمين” من عاصمة الإمارات أبو ظبي. هذا المجلس الذي تم تأسيسه تحت رعاية محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، أطلق صفة “حكيم العرب” على الشيخ زايد والد ولي العهد. في بيان التأسيس، كان المجلس قد أوضح أن الغرض من تأسيسه هو تنظيم وترتيب البيت الداخلي للمسلمين، وتعزيز ثقافة التعايش والسلام في المجتمعات الإسلامية، لإنهاء حالة الصراع السياسي والديني والعرقي، والوقوف أمام ما يدفع لتلك الصراعات.
أما كادر مجلس الحكماء هذا فلقد كان ملفتًا للانتباه. حيث تم تعيين شيخ الأزهر والذي يطلق عليه الإمام الأكبر، أحمد الطبيب، على رأس المجلس. أما أعضاء هيئة التأسيس فهم: رئيس المجلس الأعلى للفتوى في الإمارات، الشيخ عبد بن بيه، والشيخ حسن الشافعي الذي يعتبر اليد اليمنى لأحمد الطيب، وإمام مسجد الفاتح في البحرين، عدنان عبد الله القطان، ووزير الأوقاف المصري السابق/ محمود حمدي زقزوق، وشارمن عبد الحكيم جاكسون أحد علماء المسلمين الأمريكيين، ورئيس مجلس فتح النيجري الشيخ شريف إبراهيم صالح الحسيني، وأحمد عبد العزيز حداد أحد مسؤولي وزارة الأوقاف بدبي، وعبد الله عمر نصيف وهو أكاديمي سعودي، ورئيس الشؤون الدينية السابق في إندونيسيا محمد قريش شهاب، ورجل الديني الشيعي اللبناني سيد علي أمين، ورجل الدين المغربي الشيخ مصطفى بن حمزة، ورجل الدين التونسي أبو لبابة طاهر حسين، وابن عم ملك الأردن، غازي بن محمد، ورئيس اتحاد علماء الجزائر عبد الرزاق قسوم، ورجل الدين الباكستاني محمد تقي العثماني. لكن يجدر بالذكر أن آخر اسمين اعترضا على ضم اسميهما لقائمة هيئة التأسيس دون إذن منهما، مما دفعهما للانسحاب من المجلس.
في الحقيقة إن المجلس الذي تم تسميته بمجلس حكماء المسلمين والذي تأسس عقب الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي، ما هو إلا محاولة سلكها التيار السعودي-الإماراتي-المصري من أجل تدراك الأمور إلى جانب تدعيم تصميم الطراز السياسي الجديد الذي يريدون تأسيسه.
كان هذا المجلس محاولة تقليد لمجلس اتحاد علماء المسلمين الذي يتخذ من قطر مقرًّا له والذي كان آنذاك يترأسه يوسف القرضاوي. كان محمد بن زايد وشركاؤه واضحين في محاولاتهم التي تقوم على تطويع الدين وعلمائه لخدمة التصميم الجديد الذي يجرون وراءه، ولسان حالهم يقول “حينما يدخل الدين على الساحة، فنحن سنقوم بتنظيمه أيضًا”.
وبالطبع حاولوا خلال ذلك تحييد دور تركيا وقطر واستبعادهما، مستخدمين اسم الأزهر ومكانته بين المسلمين. هذا العقل الذي كان يروج للإسلام المعتدل بهذه الطريقة كان ولا يزال يحظى بدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل.
إذن باختصار هذا هو مشروع الإمارات وشركائها، هذا المشروع الذي لا يمت إلى الحكمة بصلة، يسعى بشكل واضح إلى تأسيس لغة دينية جديدة لا يمكن لها أن تقف أمام النظام الدولي.
مجلس الحكماء هذا وأشباهه من مؤسسات ومنظمات تدعمها الإمارات هنا وهناك، يعملون في شتى المناطق لإنتاج تلك الإيديولوجية. جميعهم وجود لعملة واحدة؛ سواء السلفية الذين يفتون بوجوب الجهاد ضد قوات الوفاق الليبية، أو الذين ليس لديهم عمل سوى شتم الإخوان المسلمين أو الإسلام السياسي، أو الصحفيون والكتاب والأكاديميون المشغولون بمهاجمة التراث العثماني وتاريخه.
بما أن العالم الإسلامي يحمل تأثيرًا لا بد أن ينعكس على الأجيال القادمة ويغيرها، فيجب المتابعة عن قرب لهذه الهياكل من مجلس الحكماء وغيره، كما أنني أقترح إنشاء قسم خاص في رئاسة الشؤون الدينية يتابع ذلك.
.
عرض التعليقات
من العيب أن تضع تركيا نفسها في كفة واحدة مع دويلة (قطر)،
يجب مراعاة تاريخ الدولة العثمانية قبل ذلك...
المجلس كله لدعم الإسلام السياسي الممالئ لإسرائيل و أمريكا، لكن هذا لا يعني أن قطر (عفواً دويلة قطر) لا تمارس هذا النوع من العمل و منذ عقود...