بعد سوريا.. هل سنكون وجهًا لوجه مع الروس أيضًا في ليبيا؟
لقد نقلت في مقالي السابق الذي تم نشره الأربعاء الماضي، تصريح المسؤول الرفيع الذي له مركز في دوائر صنع القرار بأنقرة، أن “الروس قد أسسوا خطًّا جويًّا يمتد من قاعدتهم حميميم في سوريا إلى ليبيا”.
بعد يوم فقط من هذا التصريح فهمنا تمامًا ماذا يعني هذا الكلام من خلال الأخبار التي وصلت من ليبيا. حيث تحدثت عن إرسال الروس 8 مقاتلات انطلقت من قاعدة حميميم الجوية بسوريا، لتحط في قواعد جوية تابعة لميليشيا حفتر في طبرق والجوفة بليبيا.
إلى ماذا تشير هذه الأخبار؟
الاجتماعات الأمنية لا تعقد في العادة وفق تواريخ مسبقة تعينها، بل حينما يكون هناك تطور هام ما، أو على أعتاب اتخاذ قرار مهم. ومن هذا المنطلق يجب أن تتم قراءة الاجتماع الأمني الذي عقده الرئيس أردوغان يوم الأربعاء الماضي في قصر هوبر بإسطنبول. لا سيما وأن هذا الاجتماع تم عقده وجهًا لوجه، على غير العادة في الاجتماعات التي يتم عقدها عبر عبر تقنية مؤتمرات الفيديو في ظل أزمة كورونا.
من المحتمل أن يكون هذا الاجتماع الأمني الذي تم عقده بهذا الشكل يتعلق بأخبار ليبيا.
من الملاحظ أن حفتر الذي يعاني من حالة غضب جراء المناطق التي فقدها طيلة الأيام السابقة، وجد الجرأة من خلال المقاتلات التي أرسلتها له روسيا، كي يبعث بتصريحات تحمل تهديدات لأنقرة. حيث قال قائد القوات الجوية التابعة للانقلابي حفتر، صقر الجروشي، أنّ “الساعات المقبلة ستشهد أكبر حملة جوية في التاريخ الليبي”، مضيفًا “أن جميع المواقع والمصالح التركية في جميع المدن ستكون أهدافًا مشروعة لطائراتنا الجوية”.
الجواب من أنقرة لم يتأخر، حيث صرح مسؤول تركي رفيع المستوى، بأنّ “أي استهداف للأفراد الأتراك يمكن أن يقابل بشن هجمات انتقامية، بما في ذلك هجمات ضد مقر حفتر”.
المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، كان قد صرح أيضًا خلال حديثه إلى صحيفة بلومبرج، “أن أي استهداف لبعثاتنا أو مصالحنا في ليبيا، فسنعتبر ميليشيا حفتر هدفًا مشروعًا لنا، وسنرد على أي هجوم بهجوم أشد”.
يمكن لطائرات إف-16 ضرب مقرات حفتر والعودة بأمان
في الحقيقة لقد تم طرح سؤال “كيف يمكن أن يكون الرد على ميليشيا حفتر” قبل الآن حتى، وتحديدًا في نهاية يونيو/حزيران العام الماضي، حيث استمعنا لبعض المسؤولين يقيّمون احتمالية وقوع تهديدات من طرف حفتر. ومنذ ذلك الوقت كان المسؤولون الأتراك يؤكدون على أن استهداف الأفراد أو المصالح التركية في ليبيا، سيجعل من ميليشيا حفتر هدفًا مشروعًا بالنسبة لتركيا.
وحينما سألنا؛ حسنًا، كيف سيكون شكل هذا الرد على تلك التهديدات لو وقعت بالفعل؟، جاءنا الجواب أنّ “المقاتلات التركية يمكن أن تنطلق من إزمير أو أنطاليا في تركيا وتتجه نحو ليبيا مستخدمة المجال الجوي الدولي، لتقوم بضرب الأهداف المحددة ومن ثم تعود إلى قواعدها بأمان”.
ولو تذكرون في العام الماضي حينما صرحت أنقرة بأن ميليشيا حفتر ستكون هدفًا مشروعًا لها، سارع ذلك الانقلابي على الفور إلى إطلاق سراح المواطنين الأتراك الذي كان قد اعتقلهم. ما يعني أنه حصل حينها على الجواب بشكل دقيق.
وفي الحقيقة لا يختلف اليوم عن الأمس في هذا الصدد. إلا أن المشكلة التي تبرز الآن في هذه المعادلة الجديدة، هي أن الروس يظهرون في ليبيا بنوع جديد من التحدي إضافة إلى تهديدات حفتر.
قد تعود ليبيا إلى حالة سوريا فيما لو دخلت المقالات الروسية على الخط
حينما يتحدث المسؤولون الأتراك عن إنشاء روسيا لخط جوي بين قاعدة حميميم بسوريا وبين ليبيا، فإن هذا سرعان ما يعيد لأذهانهم الحالة السورية. تمامًا كما حدث في سبتمبر/أيلول 2015 عندما دخلت روسيا بعتادها الجوي بطريقة وحشية متجاهلة كل قوانين الحرب كي تدعم نظام الأسد، ولتستطيع تغيير المعادلة في سوريا في النهاية.
هل يمكن أن نواجه وضعًا مشابهًا لذلك في ليبيا؟
الإشارة التي تردنا من أنقرة تتحدث عن وجود قلق حقيقي في هذا الخصوص.
كما تحدثنا في المقال السابق، هناك غرابة في الواقع من سر التدخل الروسي في ليبيا ووقوفها إلى جانب حفتر الذي نشأ وترعرع في أحضان الـ “سي آي إيه”، وفي المقابل هناك إشارة واضحة حول عدم نية موسكو الانسحاب من ليبيا بسهولة.
ربما لا يشعر الأمريكيون بأي ضير حيال “دعم” بوتين لحفتر الذي نشأ في أحضانهم، تمامًا كما دعموا دخول بوتين لدعم نظام الأسد في سبتمبر 2015، ولربما أيضًا الآن يسهلون له الطريق لذلك.
لم يعد هذا الأمر غريبًا في الواقع، أليس العالم أصلًا يعيش حالة من الغرابة طيلة السنوات السابقة لدرجة أنك لا تعلم من يده بيد من أو ضد من؟.
في خضم هذه التطورات الخطيرة والجدية التي حدثت خلال الأيام السابقة، دعونا لا ننسى الاتصال الهاتفي الذي جرى بين وزيري الخارجية التركي والروسي، حيث تناولا الملف الليبي وآخر تطوراته.
الأخبار التي تناولت الاتصال تحدثت عن اتفاق في وجهات النظر بين الطرفين حول ضرورة تطبيق وقف عاجل وفوري لإطلاق النار.
إلا أن النقطة الأهم هنا، هي أن الروس بالفعل يريدون وقفًا لإطلاق النار، أم هناك نية أخرى مبيتة؛ هذا ليس واضحًا بعد.
لكن الشيء الواضح الآن، هو أن تركيا وروسيا كما الحال في سوريا، ليسا على أرضية مشتركة في ليبيا كذلك، وبالتالي هذا الوضع يجلب معه مخاطر عديدة.
.
بواسطة / محمد آجات