لقد نجحت حكومة الوفاق الوطنية الليبية المعترف بها من قبل المجتمع الدولي والمدعومة من قبل تركيا، في جعل حفتر بلا حكم ولا رسم تقريبًا. منذ أيام والحديث يدور حول عدم وجود حفتر في ليبيا ولا يُعلم أين هو. حتى اللحظة لا يوجد وضوح في هذا الأمر، إلا أن هناك أخبار تشير إلى أن حفتر على الرغم من عدم استخدام طائرته الخاصة، فإنه زار فنزويلا وعاد منها، ولقد تكررت هذه الزيارة مرات عديدة.
على الرغم من أن هذه المعلومات ليست مؤكدة بعد، إلا أن من بين تلك المعلومات ما يعكس فعلًا علاقة حفتر بليبيا بشكل جيد للغاية، حيث تشير تلك الرواية أو المعلومة إلى أن حفتر كان ينقل الذهب والأموال خلال رحلاته الغامضة لفنزويلا، وفي الحقيقة هذا يمكن أن يكون النقطة الوحيدة التي تميز أمير حرب لا تربطه بليبيا إلا هذه الأفعال.
هناك شيء كان معلومًا منذ البداية، هو أن حفتر في الأصل ليس مكترثًا لا بليبيا ولا بالشعب الليبي كذلك. إنه مجرد أمير حرب في ليبيا باسم الآخرين سواء من أجل المال أو القوة. وبعد الهزائم التي تلقاها على يد تركيا وقوات الوفاق علينا أن لا ننتظر منه صدمة أو صحوة تنبع عن هوية وشخصية. إنه ليس سوى مقاول حرب. من المحتمل أن يكون قد تلقى أجرة خدماته من أسياده الذين وظفوه، إلا أنه في النهاية لم ينهِ عمله كما هو المتفق، مما سيجعل أسياده يضطرون لإنهاء عقدهم وإلغاء الضمانات واعتباره مقاولًا سيئًا للغاية سرعان ما حاول أن يلوذ بالفرار.
ربما هذا السلوك ذاته قد أزعج أيضًا أولئك الذين أسدوا إليه المهمة وأغدقوا عليه بوعود الأمل. ولقد قلنا سابقًا أن حفتر في النهاية محتاج لأسياده، وذلك لأن الوظيفة التي تسلمها منها فيها حمل كبير ومخاطر أكبر، من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وإن تلك الجرائم تفرض أحيانًا بطريقة ما حالة التئام بين حفتر وداعميه.
إلا أن ذلك لا يعدو كونه مرحلة مؤقتة. لقد أذهلتهم الهجمات المضادة لقوات الوفاق. حيث أن العائق الأكبر لهؤلاء الذين على شاكلة حفتر ومن يقاتل في صفوفه هي أنهم في النهاية يقاتلون من أجل المال، وليس من أجل دين أو وطن أو أي قيمة إنسانية، وإن خطر الموت المرتفع في الميدان هو شيء لا يمكن أن يتحمله حفتر ومن معه بسهولة.
لكن في المقابل فإننا نجد قوات الوفاق تمتلك وطنًا وشرفًا ودينًا وقيمًا منوطة بحمايتها والدفاع عنها. ومن البديهي أن يكونوا مستعدين للموت من أجل ذلك.
إن روسيا تحاول الآن أن تلوح ببطاقة المفاوضات والحل السياسي، بعد أن فقد حفتر ومن في صفه قوتهم وحكمهم في ليبيا. وهذا يجعل الوضع أكثر غرابة مما هو عليه. بالنسبة لتركيا فقد انتهت جميع أوراق حفتر، وفي الواقع إن حفتر من الأصل لا يملك أي أوراق أو نفوذ، بل كان ولا يزال مجرد مقاول حرب يقوم بعمل محترف نيابة عن داعميه. وعلى الذين سلموه هذه الوظيفة أن يكشفوا عن هدفهم الحقيقي من ذلك في ليبيا، على الرغم من كونها مفضوحة ومعروفة، لكنهم الآن يحاولون اللجوء إلى شرعية التحدث باسم حفتر وكأنه يمتلك شرعية أصلًا، إنه فاقد لها وفاقد الشيء لا يعطيه.
لقد قال بوتين خلال اتصال هاتفي مع الرئيس أدروغان، أنه “ينبغي الالتزام بوقف إطلاق النار في أقرب وقت ممكن من أجل تهيئة الحوار بين الأطراف في ليبيا”، أما أردوغان فردّ بالقول “ليس السرّاج المعترَف بحكومته من قبل الأمم المتحدة من انتهك وقف إطلاق النار، بل حفتر. وإنه يستمد القوة والدعم منكم”، وإن هذا التصريح يحمل رسالة واضحة في وجه داعمي حفتر بشكل مباشر، مفادها أن هذه اللعبة يجب أن تنتهي.
على الرغم من تطبيق “حظر الأسلحة” في ليبيا، وعلى الرغم من اتفاق برلين بوقف إطلاق النار، فإننا نجد روسيا لا تنتهي عن إرسال الأسلحة إلى قوات الانقلابي حفتر، وفي المقابل لا تنتهي عن المطالبة بحظر الأسلحة عن حكومة الوفاق الشرعية. والآن تجدهم على الرغم من كل دعمهم، يطالبون بوقف إطلاق نار جديد من أجل إنقاذ حفتر ومشروعه الذي مات.
إن تركيا طالما أكدت بوضوح أنها لا تريد تضييع وقتها مع شخص لا يمتلك وجودًا حقيقيًّا على الأرض مثل حفتر. ولو كان لحفتر شيء من الوجود الحقيقي في نظر الشعب الليبي، لما كان سقط وانهار بهذه السرعة على الرغم من كل الدعم والإمدادات.
أعظم إكرام للميت هو دفنه، أما محاولة إنقاذ جسد ميت متهالك عبر الإمساك بقدميه، فهذا أكبر أذى له. فما بالك بالاختباء وراء ميت لا يمكن أن يقدّم شيئًا.
هناك حل حقيقي يقترب بسرعة في ليبيا، وهو ترك ليبيا للشعب الليبي. وينبغي على جميع الأطراف الذين سيدخلون في مفاوضات أن تتحدث عما تريده ليبيا لا ما يريدونه هم، وبخلاف ذلك فإن الأمر لا يعدو كونه محاولات نهب عبثية قذرة.
إن تركيا لا تريد سوء تأسيس نظام سياسي يقوم على وحدة الأراضي الليبية، وإعطاء الشعب الليبي حقه في تحديد المصير في البلاد، ومشاركة جميع الأطراف في ليبيا، واحترام الجميع وفق عملية سياسية تحترم القانون والحقوق.
ماذا تريد روسيا من ليبيا، بل أي مشروعية تستند عليها حتى تتواجد هناك؟
على مصر والإمارات وفرنسا والسعودية كل منها على حدة أن تكشف عن سبب وجودها في ليبيا، وما الذي يريدونه لأنفسهم هناك.
عليهم فضلًا لا أمرًا أن يتكرموا ويشرحوا للشعب الليبي ماذا يريدونه بالضبط وما الذي تعنيهم أهدافهم بالنسبة لهذا الشعب.
السبب المنطقي في الحقيقة حسب المشهد الآن، “نحن هنا لنأخذ نصيبنا من حالة النهب القائمة هناك” فألى أي مدى بعيدون عن هذا المنطق يا ترى، لنر.
,
عرض التعليقات
حفظ الله العظيم تركيا مدافعة عن الأسلام والمسلمين كما كانت الدولة العثمانية العظيمة