كانت الخارجية الروسية قد أعلنت قبل أمس، يوم السبت، أن وزير الخارجية سيرغي لافروف، والدفاع سيرغي شويغو، سيزوران تركيا رفقة وفد عسكري وأمني، لإجراء مشاورات حول بعض القضايا الإقليمية.
التصريح ذاته أشار إلى أن زيارة لافروف وشويغو المفترضة إلى تركيا، تم اتخاذ قرارها خلال الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيس التركي أردوغان، والروسي بوتين.
إلا أنه حدث أمس تطور مفاجئ جعل وزارة الخارجية الروسية تعلن عن إرجاء زيارة الوزيرين لافروق وشويغو إلى موعد لاحق.
عندما يطرق الروس باب أنقرة بمقترح داعم لحفتر
لماذا حدث هذا التأجيل إذن؟
وعلى الرغم من إعلان الوزيرين الروسيين ذلك، لكن لماذا تأجيل الزيارة.
سرعان ما توجهنا إلى مصادرنا، من أجل معرفة حقيقة ما وراء هذا الإعلان المفاجئ.
تحدثنا إلى اسم رفيع المستوى في أنقرة كان على علم بسبب تأجيل الزيارة، وقد قدّم لنا معلومتين مهمتين تلقيان الضوء بدورهما على خلفية هذه القضية:
1- كانت مقترحات وقف إطلاق النار الروسية مرفوضة بالنسبة لتركيا
2- جاء الروس بعرض لا يختلف عن الإعلان الداعم لحفتر والذي تم إعلانه في القاهرة
سألت المسؤول الرفيع في أنقرة؛ “إذن هل تم عرض المقترحات الروسية قبل مجيء الوزيرين؟”، ليقدم لنا معلومة جديدة عقب هذا السؤال. ألا وهي أن نائب وزير روسي قد قدم بالفعل إلى تركيا يوم السبت أي قبل يوم من زيارة لافروق وشويغو المؤجلة لتركيا، وعرض المقترحات الروسية أمام أنقرة.
لكن حينما فُهم أن طبيعة تلك المقترحات لا تمهد الطريق أمام توافق الآراء بشأن ليبيا، تم الإعلان عن تأجيل زيارة الوزيرين لافروف وشويغو، حيث لا يُتوقع إحراز أي تقدم عن طريق المفاوضات.
اسمحوا لي أن أذكّر بشيء بسيط لمن لم يتابع عن كثب التطورات الأخيرة حول ليبيا.
ما نسميه إعلان القاهرة هو هذا:
بعد تعرض ميليشيا الانقلابي حفتر لهزيمة كبيرة وطرده من طرابلس، جراء المعارك التي تخوضها قوات الوفاق المدعومة من تركيا، توجه حفتر إلى القاهرة ليأخذ أنفاسه هناك.
وبعد ذلك وفي يوم 6 يوينو:حزيران تم عقد مؤتمر صحفي في القاهرة تم الإعلان فيه عما يسمى بإعلان القاهرة، دعا لوقف إطلاق النار وهو ما أيدته روسيا.
بناء على الخبرة السابقة فإن دعواتهم لوقف إطلاق النار لم يكن إلا بهدف إنقاذ حفتر من السقوط وكسب مزيد من الوقت لصالحه.
الأمر عبارة عن هذا الشكل إذن، سواء بالنسبة لإدارة السراج المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، أو بالنسبة لتركيا.
ولذلك السبب تم رفض مقترح السيسي وحفتر بهذه الطريقة، من قبل إدارة السراج التي أطعمتهم هزيمة تلو هزيمة في الآونة الأخيرة.
والموقف ذاته تجلى في أنقرة.
لقد سلطت الضوء في المقال السابق على حديثي مع وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، والذي اعتبر أن الدعوة الأخيرة لوقف إطلاق النار ليست صادقة، وقد ولدت ميتة.
وبينما الحال كذلك، فإن وقوف روسيا إلى جانب حفتر وبيانها دعمَ إعلان القاهرة والجلوس من خلاله على الطاولة، يشير بشكل واضح إلى أنه لا يمكن إحراز أي تقدم في المحادثات.
وبناء على ذلك تبين أن زيارة الوزيرين الروسيين لن تتجاوز كونها رحلة سياحية لن تجلب أي تقدم.
يمكن أن يزداد الوضع على الساحة تأجيجًا
إذن إلى ماذا يشير هذا الوضع الجديد؟
كيف يمكن أن يؤثر الاتفاق بين تركيا وروسيا حول ليبيا، على الوضع في الساحة؟
لقد أعلنت إدارة طرابلس المدعومة من تركيا عن بدئها عملية عسكرية تنطلق من سرت وتتقدم نحو الجنوب.
هذه المدينة أي سرت التي تعتبر مسقط رأس القذافي، تم تكثيف الوجود العسكري حولها مؤخرًا.
وإن السيطرة على سرت تعني السيطرة على منطقة تمتلك هلالًا نفطيًّا بنسبة 70% من نفط ليبيا.
ولذلك السبب يريدون إيقاف العمليات العسكرية عند هذا الحد.
لقد رأينا كيف كان الروس ينقلون الطائرات من قاعدتهم حميميم في سوريا نحو ليبيا، بينما كانت قوات حكومة الوفاق تذيق ميليشيا حفتر الهزائم تلو الأخرى، من محيط طرابلس متقدمة نحو الجنوب.
بما أنه لا يوجد هناك تقدم على صعيد المفاوضات في هذه المرحلة، فعلينا توجيه أعيننا نحو الميدان في ليبيا.
هل يمكن لحكومة الوفاق المدعومة من تركيا أن تستمر في تقدمها نحو الجنوب؟
هل يمكن لروسيا التي كانت حتى اليوم تدعم قوات حفتر الانقلابي بطريقة خجولة بعض الشيء، عبر مجموعة فاغنر، أن تعلن اليوم عن دعم مكشوف وتدخل منطقة الصراع بموقف أوضح بهدف تغيير الوضع في الميدان لصالح حفتر؟
هذه أسئلة خطيرة للغاية.
المرحلة القادمة في ليبيا تتطلب منا مراقبتها عن كثب خلال الأيام القادمة.
.