هل أجبرت تركيا دول أوروبا على إعادة حساباتها بليبيا؟

نشرت مجلة ”فورميكي” الإيطالية تقريرا سلطت من خلاله الضوء على الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو لتركيا، التي تتركز بشكل رئيس على الفرص المتاحة أمام إيطاليا لتعزيز مكانتها في السياسة الدولية؛ من العلاقات الثنائية (خاصة في قطاع السياحة والتجارة) وملف العضوية في الاتحاد الأوروبي، إلى الجغرافيا السياسية المتوسطية والحرب الليبية.

وقالت المجلة، في تقريرها ، إن تركيا أحرزت تقدما على جميع الجهات الخارجية المتدخلة في الأزمة الليبية منذ إبرام اتفاق تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وذلك بنشر جنود ومركبات لدعم حكومة الوفاق الوطني. وقد سمح الدعم التركي لقوات الوفاق بالتصدي للهجوم الذي شنه أمير الحرب خليفة حفتر قبل 14 شهرا، في محاولة للاستيلاء على العاصمة.

وذكرت أن تركيا تعد الآن اللاعب الرئيسي على الساحل الغربي للمتوسط، بعد أن تجاوزت الدول الأخرى (مثل إيطاليا). وتخطط لترسيخ وجودها العسكري في طرابلس، وهو ما يخدم المصالح التي دفعتها إلى التدخل في ليبيا في المقام الأول، التي تتمثل أساسا في إنشاء موقع استراتيجي في البحر الأبيض المتوسط، والدفاع عن حصتها من الثروات الطاقية في الساحل الليبي، وإثبات مكانتها كقوة مهيمنة في المنطقة. وبالنسبة لواشنطن، فإن الوجود التركي في ليبيا من شأنه أن يعيد التوازن الذي اختل بعد تدخل روسيا في برقة لدعم حفتر.

وبينت أن انتصار حكومة الوفاق الوطني مؤخرا والخسارة التي لحقت بحفتر دفع إيطاليا إلى مراجعة سياسة المساواة بي

طرفي النزاع التي تتبعها ولعب دور أكثر نشاطا في المرحلة الجديدة من مفاوضات السلام المعقدة، وهي مهمة لن تكون هينة دون توطيد العلاقات مع أنقرة.

وأضافت أن فرنسا مرغمة بدورها على مراجعة موقعها من الصراع، فهي تعترف بحكومة طرابلس علنا بحكم القانون (عن طريق الأمم المتحدة) بينما تدعم حفتر على أرض الواقع. وعلى عكس روما، تشهد العلاقات الثنائية بين باريس وأنقرة توترا سبب الخلاف حول السيطرة على ديناميكيات البحر الأبيض المتوسط.

اقرأ أيضا

انفجارات تستدعي استجابة عاجلة: النيران تلتهم الأحياء الفقيرة…

وأوضحت أن مصالح الدولتين تتضارب في شرق البحر الأبيض المتوسط، إذ تدعم فرنسا طلبات اليونان وقبرص ومصر بشأن احتياجات المنطقة من الطاقة وخط أنابيب الغاز المفترض إنجازه. وقد أدى ذلك إلى تكوين جبهة جيوسياسية تعتبرها تركيا معادية لمصالحها الاقتصادية والاستراتيجية وحتى الأيديولوجية التاريخية. أما إيطاليا، فمصالحها مباشرة وتتعلق أساسا بآبار النفط التابعة لشركة “إني” في عرض السواحل المصرية، والعلاقات التجارية العسكرية مع القاهرة، فضلا عن العلاقات الممتازة مع اليونان التي أسفرت عن اتفاقيات بحرية.

مع ذلك، لم يوقع دي مايو في كانون الثاني/ يناير على وثيقة مشتركة أعدها جميع المشاركين في منتدى “إيست ميد” الذي نظمته القاهرة. فقد دُعيت إيطاليا باعتبارها مراقبا خارجيا، لكن الموقف الذي اتخذه وزير الخارجية كان الموازنة بين جميع الأطراف لتجنب اتخاذ موقف معاد لتركيا. لكن الملف الليبي منذ نهاية سنة 2019، يتجه نحو التوسع في البحر الأبيض المتوسط.

وأشارت المجلة إلى أن التطورات على أرض الواقع في هذه الحالة المعقدة تخلق فرصة لإعادة التموضع، الذي يمكن أن يتيح لأوروبا فرصة العودة للعب دور في ليبيا. ويمكن لإيطاليا أن تعيد أوروبا إلى مقدمة المشهد الإقليمي من خلال التفاوض بشكل مباشر مع تركيا بما يتماشى مع مصالح كل من ألمانيا وباريس.

وأضافت، أن  التماسك الأوروبي قد يكون أيضًا قيمة مضافة للولايات المتحدة. فقد أكد دي مايو يوم الإثنين على قيمة العلاقات عبر الأطلسية في مؤتمر وزاري أوروبي بحضور وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عبر الفيديو. ويمكن للشراكة الأوروبية المتماسكة بالفعل أن تنظر إلى الولايات المتحدة على أنها عنصر فعال لإعادة التوازن إلى المنطقة في ظل التدخل الروسي في ليبيا وفي سوريا اللتين تمثلان محاور مهمة في اللعبة الجيوسياسية للبحر الأبيض المتوسط.

فعلى سبيل المثال، يمكن أن تشرف الولايات المتحدة على تنفيذ عملية إيريني من الخارج، التي أطلقتها أوروبا لمراقبة مدى الامتثال للحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على بيع السلاح إلى ليبيا. وهي مهمة تعارضها تركيا لأنها تحول دون تدفق الأسلحة إلى طرابلس. لكن الإشراف الأمريكي من المرجح أيضًا أن يمنع مرور الأسلحة إلى الجبهة الأخرى بعد أن أثبتت قيادة البنتاغون في أفريقيا أن لديها أدوات فعالة، خاصة بعد أن كشفت عن وصول مقاتلات روسية إلى ليبيا عبر سوريا.

وخلصت المجلة إلى أن وقف التسلح في كلتا الجبهتين، يعني تقليص اعتماد طرابلس على تركيا، والوجود الروسي في إقليم برقة، مما سيعرقل خطط إعادة إعمار البلاد وتقسيمها وفقًا للاتفاقيات الروسية التركية. وفي نهاية المطاف، سيساهم ذلك في إعادة إحياء العملية السياسية للاتحاد الأوروبي برعاية الأمم المتحدة. أما ملف عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي فقد كان الأقل أهمية مقارنة ببقية القضايا المدرجة في جدول الأعمال بين دي مايو وتشاووش أوغلو.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.