ها هو قد مضى عام كامل على رحيل الرئيس محمد مرسي الذي توفي في قاعة المحكمة يوم 17 حزيران/يونيو العام الماضي 2019. لقد كان عامًا مليئًا بخسائر المسلمين في خضم التحركات والفوضى التي تخيم على الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، حيث الكل في همومه وأزماته… وبينما نعايش الذكرى الأولى لرحيل مرسي، يبدو أن هناك فرصة لإجراء محاسبة إزاء الوضع بشكل عام. حيث في خضم هذه الذكرى نجد منصات تفرغت لكيل الشتائم والتُّهم والانتقادات لشخص مرسي، ولجماعة الإخوان المسلمين. لتتحول ذكرى رحيل مرسي إلى مناسبة تتجلى فيها الآراء بوضوح تام إزاء مرسي وجماعة الإخوان.
دعونا نستعرض هذه الآراء أو التعليقات ضمن سلسلة من 4 فئات رئيسية:
الفئة الأولى، تتكون من أولئك الذين لا يشعرون بالراحة تحت أي ظرف من الظروف لمجرد رؤية المسلمين يلعبون دورًا في الساحة السياسية، أولئك الذين يعانون من حساسية مفرطة تجاه ما يُسمّى الإسلام السياسي. ولا تنتهي نقاشاتهم التي يفتتحونها حول يسمونهم “السياسيين الإسلاميين”، إلا بالشتائم والافتراءات. ولا يشعرون إطلاقًا بضرورة سوق الأدلة على ما يقولون، بل يتحدثون ويثرثرون دون عناء. بعد رسالة التعزية التي نشرها الرئيس أردوغان على حسابه بمواقع التواصل بمناسبة رحيل مرسي، امتلأت التعليقات بهم سواء من تركيا أو خارجها.
أما الفئة الثانية، فهي ممن يقول بأن “الإخوان تأسسوا على يد بريطانيا، ونشؤوا تحت عين الولايات المتحدة، وأن مرسي كان يعمل للغرب دومًا”. أحد الأدلة بين قوسين التي تسوقها هذه الفئة التي تتحرك في إطار تقديرات غير متناسقة وأحكام مسبقة، هي خطاب مشهور للرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر ضد الإخوان. لقد وجدت هذه الفئة دليلها المزعوم في ما ساقه عبد الناصر في ذلك الوقت، من أنّ “زعماء الإخوان يعملون لصالح الإنجليز”، وبمجرد سماعهم ذلك يصابون بالذهول والتعجب وكأنهم وجدوا كنزًا ثمينًا يختصرون به المسألة. بالطبع لا حاجة للإشارة إلى أي درجة يمكن أن تكون “شهادة” عبد الناصر تمثل الحقيقة بحق الإخوان. إلا أن الشيء المثير هو وجود أشخاص ينظرون لتطورات الشرق الأوسط من الزاوية الإيرانية، يتبنون هذه الأفكار.
وأما الفئة الثالثة، فهي من التكفيريين الذين يقولون أن “مرسي والإخوان خرجوا عن الدين بينما كانوا يميلون نحو الديمقراطية، ولقد وقعوا ضحية الطاغوت الذي آمنوا به”. هذه الفئة تشوّه حديثًا للرئيس مرسي كان يجيب فيه على سؤال حول التوتر الداخلي في مصر بالقول؛ “لا يوجد هناك خلاف في الأصول الكلية للعقيدة بين المسلمين والمسيحيين في مصر، كلٌّ يعتقد بما يشاء، الاختلاف بين الطرفين هو ديناميكي”، وتأتي هذه الفئة لتخلط الأوراق بالقول “كيف يمكن أن يكون الإسلام والمسيحية في صف واحد؟ عقيدتنا مختلفة للغاية. الذي يقول ذلك الكلام يعتبر كافرًا”، منشئين فوضى من أخذ ورد على مواقع التواصل.
وأما الفئة الرابعة، فهي تتكون ممن يقول بأنّ “مرسي لم يكن رجلًا سيئًا، إلا أنه ارتكب العديد من الأخطاء الكبيرة”. تنتقد هذه الفئة بعض الأخطاء النابعة من عدم الخبرة والتجربة، ارتكبتها جماعة الإخوان خلال فترة حكمها القصيرة، وفي المقابل يحكمون على مرسي بأنه أضاع نفسه واستحق الإطاحة به بسبب ذلك. دون أن يقولوا كلمة “لا” في وجه الجيش والعسكر الذي كان يسحق المدنيين الأبرياء تحت وطأة الدبابات. إنهم لا يجيدون سوى الحديث عن أخطاء المسحوقين والمظلومين.
ربما لا تعجبكم شخصية ما أو حركة سياسية ما، ويمكنكم انتقادها بطرق مختلفة، إلا أن على تلك الانتقادات أن تعتمد على حقائق ملموسة وأن لا تناقض بعضها البعض. ومن البديهي للغاية أن نلاحظ بأن الأكثرية الساحقة لتلك الانتقادات ضد مرسي والإخوان تفتقر إلى شرف هذا المبدأ الرئيسي. وفي المقابل نجدها مليئة بالمعلومات المضللة والجهل الأعمى والأحكام المسبقة والعداوة والتعصب، والحقد السياسي وغير ذلك الكثير من العيوب التي ليس من وراءها طائل.
دعونا نترك الرئيس الراحل محمد مرسي يدافع عن نفسه بنفسه، ولنتذكر معًا خطابًا مشهورًا له بهذا الصدد:
“ثمن الحفاظ على حقوقنا وعلى الشرعية هو حياتي، حياتي أنا، أنا أريد الحفاظ على حياتكم كلكم، أنا أريد أن أحافظ على الأطفال، على أولادنا الذين سيأتون ويكبرون بعدنا، على البنات اللواتي سيكنّ أمهات المستقبل، اللواتي سيعلّمنّ أولادهن؛ أن آباءهم وأمهاتهم كانوا رجالًا، لا يقبلون الضيم، ولا ينزلون أبدًا على رأي الفسدة، ولا يعطون الدنية أبدًا في وطنهم أو شرعيتهم أو دينهم”.
حتى الكلمة الأخيرة في هذا المقال لندعها لمرسي:
“لا تقتلوا أسود بلادكم فتأكلكم كلاب أعدائكم”.