لقد ودّعنا أسبوعًا كان شبيهًا بالعاصفة بالنسبة للملف الليبي.
كان من المقرر أن يتوجه وزيري الدفاع والخارجية الروسيين إلى تركيا، مطلع الأسبوع، عقب الاتصال الهاتفي الذي دار بين الرئيسين أردوغان وبوتين.
إلا أن هذه الزيارة لم تتحقق بسبب؛
1- قدوم نائب وزير روسي إلى أنقرة بمقترح يدعم “إعلان القاهرة” الذي أُذيع يوم 6 حزيران/ يونيو، ومن وراءه يدعم حفتر.
2- رفض أنقرة لهذا المقترح.
لم يتسبب هذا الوضع بحدوث أزمة أو قطع قنوات الاتصال بين البلدين بالطبع، إلا أنه كان مثالًا حديثًا ومثيرًا للغاية يوضح إلى أي درجة هو اختلاف المواقف والرؤى ما بين تركيا وروسيا إزاء الملف الليبي.
بعد ذلك وتحديدًا الأربعاء الماضي رأينا الزيارة المفاجئة التي تكونت من وفد تركي رفيع المستوى توجه نحو العاصمة الليبية طرابلس.
ونصف الزيارة بـ “المفاجئة” لأنه لم يسبقها إعلان رسمي قبل انعقادها.
سرعان ما انطلقت المصادر الإخبارية في ليبيا ليعلم بهذه الزيارة العالم العربي، ومن ثم التركي، مع المشاهد التي تم التقاطها لحظة دخول الوفد التركي إلى مبنى رئاسة الوزراء في طرابلس.
كان الوفد رفيع المستوى يضم أسماء بارزة مثل؛ وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، ووزير المالية براءت ألبيرق، ورئيس جهاز الاستخبارات التركي حاكان فيدان، والمتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن وغير ذلك من أسماء.
وعندما تواصلنا مع الدوائر ذات الصلة وحاولنا معرفة تقييم هذه الزيارة المفاجئة، تحصلنا على هذه الإجابة:
“كانت هذه الزيارة مهمة بهذا الشكل. نحن نريد بشكل تام أن يعود الوضع في ليبيا إلى طبيعته، وأن تقوم حالة استقرار على أنقاض الحرب الداخلية الجارية هناك. ونحن كدولة نقوم بما يتوجب علينا في هذا الصدد”.
“احتمال كبير لمواصلة العمليات”
يستحق الشعب الليبي الذي يعيش مصيرًا مجهولًا ووضعًا غير آمن أن يحصل على حقه الطبيعي من الاستقرار والهدوء بعد سنوات عديدة من عدم الوضوح، وأن ينعم بإعادة إعمار ما تهدم، وإنعاش اقتصاده، وتحقيق استقراره.
يمكننا من خلال هذه الكلمات أن نفهم ماذا يعنيه إذن الكلام السابق أعلاه.
ومن المحتمل أن تلعب تركيا في هذه المرحلة دورًا هامًّا للغاية، وربما الدور الأهم أيضًا.
لقد وردت الأخبار بالأمس حول أن إدارة السراج طلبت من الوفد التركي ما يعين على التخلص من أزمة الكهرباء التي تتسبب بانقطاع التيار الكهربائي ما بين 8 إلى 10 ساعات يوميًّا في ليبيا.
وهذا يعني أنه سيتم إنشاء بيئة تعاون مشتركة تبدأ بالتخلص من أزمة انقطاع التيار الكهربائي، لتتدرج نحو مجالات أخرى أكثر عمقًا.
وإن الأصوات المزعجة الصاخبة ضد تركيا، الأصوات القادمة من فرنسا واليونان وبعض العواصم العربية، يبدو أنها منزعجة للغاية من هذا الوضع،و تشير بدورها إلى حالة نفسية حقيقية.
أنقرة مصرة على بقاء حفتر خارج المعادلة
ماذا سيكون بعد ذلك إذن؟
لقد نجحت قوات حكومة الوفاق المعترف بها رسميًّا من قبل الأمم المتحدة والمدعومة من تركيا، في طرد الميليشيا التابعة للانقلابي حفتر خارج طرابلس. ليدفع ذلك روسيا إلى نقل طائرات لها من قاعدتها حميميم في سوريا، إلى ليبيا بهدف التبجح في دعم حفتر.
هذا الوضع ربما أبطأ من عجلة التقدم السريع لقوات الوفاق ضد حفتر، إلا أن وزير الداخلية ورئيس الأركان في حكومة الوفاق أكدا على مواصلة العمليات العسكرية، والعزم على السيطرة على سرت والجفرة.
لكن ما هو نوع الاتجاه الذي تتبناه أنقرة في هذا الصدد؟
لو كان من الممكن تلخيص الفكرة التي خرجت بها بعد حديثي مع الأسماء المعنية حول هذا الموضوع، بجملة واحدة لقلت؛ لا يوجد لحليف أنقرة في ليبيا وضع خطوة نحو الوراء في خضم هذا التقدم السريع الحاصل، أو إيقاف عملية عسكرية محتملة بهذا الخصوص.
هناك أيضًا أشياء تتردد في بعض الدوائر التي استمعنا إليها:
“نعلم أن الغاية من مقترح وقف إطلاق النار هو كسب الوقت واستعادة الأماكن التي خسروها. ولذلك السبب لا نتوقع توقف العمليات العسكرية. وإننا ندعم فكرة مواصلة العمليات حتى إخراج حفتر تمامًا من المعادلة”.
على الرغم من كل معاهدات واتفاقات وقف إطلاق النار السابقة، فإن الانقلابي حفتر ومن يقف وراءه لم يلتزموا مرة واحدة بتلك الاتفاقات، ولم يظهروا أي صدق حقيقي إزاءها. وبناء على ذلك لا يوجد أي ضمان حقيقي لاحتمالية حدوث اتفاق ما.
إن حفتر بالنسبة لأنقرة، هو شخص لا يمكن الوثوق به، حيث لا يلجأ لوقف إطلاق النار إلا حينما يكون محاصرًا وعالقًا، وحينما يشعر بالأمان سرعان ما يعاود هجومه دون تردد، بكل بجاحة.
ولذلك السبب فإن أنقرة مصرة على أن لا تعتبر شخصًا من هذا النوع مخاطَبًا لها، وأن لا يكون له أي مجال بالتالي ضمن أي حوار أو مفاوضات حول مستقبل ليبيا.