مع تزايد حدة الأزمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن جائحة كورونا، يتبادر تساؤل حول سبب عدم لجوء الدول إلى طباعة النقود، من أجل الوفاء بالتزاماتها والخلاص من المشاكل الاقتصادية التي تواجهها.
ويعد هذا الاقتراح أحد الحلول التي ينادي بها عدد من الاقتصاديين الغربيين، منهم أوليفييه بلانشارد كبير اقتصادي صندوق النقد الدولي (2008- 2015)، في سبيل تجاوز مشكلة عجز الميزانية في منطقة اليورو، وجرى مناقشة هذا المقترح في تقرير نشره موقع “فوكسيو” (voxeu).
ويعرض التقرير الاعتراضات على هذا الحل، منها: الخوف من التضخم المفرط، ومخالفته قوانين الاتحاد الأوروبي، واعتباره هروبا من الدين الحكومي إلى الاستدانة من البنك المركزي، إضافة لمخاوف من أن يؤدي ذلك لتقليل استقلالية البنك المركزي الأوروبي.
وقال الباحث الاقتصادي محمد أبو عليان: “ربما تكون طباعة النقود مقبولة من دول كأمريكا أو الاتحاد الأوروبي، لأنهم يطبعون عملات (الدولار أو اليورو) المقبول تداولها في التعامل الدولي”.
ويوضح أبو عليان أن الاقتصاد يتركب من كفتين، الأولى: السلع والخدمات، والثانية: المعروض النقدي، و”يجب التوازن بينهما، وهو ما تعمل على تحقيقه كل السياسات الاقتصادية سواء النقدية أو المالية”.
ماذا عن طباعة النقود بالدول العربية؟
وفق ما يراه أبو عليان، فإن طباعة حكومات الدول العربية للنقود وضخها بالاقتصاد “سينتج عنه تضخم (غلاء بالأسعار) وانخفاض في قيمة العملة المحلية”، ويعود ذلك إلى أن هيكل الإنتاج في الاقتصاديات العربية بشكل عام “غير مرن”، وهي أحد أبرز مشاكل الاقتصاديات العربية.
ويضيف: “لا يمكن طباعة النقود وضخها في الاقتصاد إلى ما لا نهاية، فلا بد أن تكون كمية النقود متوافقة مع حجم السلع والخدمات (الناتج المحلي)”. وبالتالي فإن أبرز محددات طباعة النقود هي: نسب التضخم ومعدلات النمو المتوقعة.
ويوضح “في حال كانت كمية النقود أكبر من حجم الاقتصاد سينتج لدينا تضخم يصل ليكون جامحا، وفي حال كانت كمية النقود أقل من الاقتصاد سينتج لدينا ركود”.
وتعاني الاقتصاديات العربية والإسلامية كذلك من عجز كبير في الميزان التجاري (الواردات أكبر من الصادرات)، وهذه المشكلة، وفق ما قاله أبو عليان، نابعة من أن هذه الدول “تابعة للعالم الخارجي”.
ويضرب مثالا بأن “قيمة الصادرات والواردات في بلد كتركيا تمثل 50 بالمئة من حجم الناتج المحلي، وكذلك في مصر والسعودية” وتكون كفة الواردات أكبر من الصادرات ما يخلق هذا العجز.
وفي ظل هذا العجز تبقى الدولة طوال الوقت بحاجة إلى العملات الصعبة مثل (الدولار واليورو والين الياباني)، على حد قوله.
ويرى أنه “يجب أن يكون عجز الميزان التجاري في حدود معينة لا تتجاوز 5 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي للدولة، كما هو متعارف عليه اقتصاديا”.
ويضرب مثالا على لبنان وهو بلد “هش اقتصاديا” و”حجم النقد الأجنبي الداخل إليه ضعيف جدا مقارنة بحجم الالتزامات المفروض عليه، في ظل اعتماده كبير على الاستيراد”، و”من أجل أن يلبي لبنان احتياجاته من النقد الأجنبي لجأ إلى “مصيدة المديونية”.
لماذا لا نطبع النقد الأجنبي؟
لا تستطيع الدول طباعة العملات الأجنبية، لأن “طباعة العملات مرتبط بسيادة الدول، والحصول على عملة دولة أخرى يتم من خلال مبادلتها بسلع وخدمات أو ذهب أو عملات أو نحو ذلك”، كما أوضح أبو عليان.
ولا تمتلك الدول حق طباعة الدولار، على سبيل المثال، ولا يوجد دولة في العالم تستطيع القيام بذلك، وأي دولة تقدم على هذه الخطوة “ستعرض نفسها إلى عقوبات اقتصادية”.
العملات الإقليمية هل تكون حلا؟
وعند سؤاله عن الحلول الواجب اتباعها من قبل الاقتصاديات بالدول العربية لمواجهة هذه المشاكل، قال أبو عليان: “لا بد أولا من العمل على علاج المشاكل الهيكلية بالاقتصاد، وتخفيف عجز الميزان التجاري، والعمل على سياسة إحلال الواردات ودعم الصناعة الوطنية”.
ويشير إلى أن “فكرة العملات الإقليمية” تعتبر “حلا مناسبا للعديد من الدول، كأن تلجأ الدول العربية إلى عملة موحدة على غرار اليورو المتعامل به بين دول الاتحاد الأوروبي”.
ويضيف: “إن اختيار عملة إقليمية للتداول التجاري بين الدول العربية أو بين عدة دول تشترك في التبادل التجاري سيعطي قوة لهذه العملة الإقليمية تفوق العملة المحلية، وسينتج زيادة في الطلب على هذه العملة، وسيرفع قيمة الصادرات بين الدول، ويخفف من عجز الميزان التجاري”.
وللوصول لمثل هذا الحل، يقول الباحث الاقتصادي: “لا بد أن تتمتع الدول باستقلال وتوافق سياسي، ولا بد من تخفيف حدة التبعية الاقتصادية للغرب، لأنها ربما تواجه ضغوطات واعتراض من النظام الدولي القائم على التعامل بالدولار الأمريكي واليورو”.
ماذا عن طباعة الدول المتقدمة للنقود؟
يجيب أبو عليان عن ذلك بالقول: “الاقتصاديات المتقدمة لديها مرونة في الجهاز الإنتاجي، ولديهم إمكانية لمواجهة النتائج المترتبة على طباعة العملة من خلال زيادة الإنتاج”.
وينبه بأن “عملات الاقتصاديات المتقدمة مستخدمة عالميا، وجزء منها يتم تصديره للخارج إلى الدول النامية أو المقترضة، وذلك يجعل معدلات التضخم لديهم في حدود المستهدف، أو تبقى في مستوى معقول من الارتفاع”.
.
المصدر/ arabi21