لقاء أردوغان/ميتسوتاكيس: هل تنزل أثينا أشرعتها في مواجهة أنقرة؟     

‎هل يمكن القول إن لغة التفاوض بدأت تحل محل لغة التهديد؟

لو نظرنا إلى جملة من التصريحات والتطورات التي شهدناها خلال الأيام القليلة الماضية يمكن الرد بنعم. فنحن نتحدث هنا عن موقف اليونان إزاء تركيا.

ولا يخفى على أحد أن أثينا انزعجت كثيرا من سعي أنقرة لحفظ حقوقها السيادية في البحر المتوسط وإقدامها على اتخاذ خطوات جادة متتالية في هذا الصدد. بل إن المسؤولين في اليونان بالغوا في الأمر لدرجة أنهم اعتبروا في وقت من الأوقات ما يحدث “سببا لإعلان الحرب”.

ولنذكّركم قرائي الأعزاء بتصريحات وزير الدفاع اليوناني نيكوس باناجيوتوبولوس، الذي يجد المرء مشقة في كتابة لقبه، التي قال فيها “نستعد لكل السيناريوهات التي من بينها بالتأكيد التدخل العسكري. لا نريد الإقدام على هذه الخطوة، لكن نود أن يفهم الجميع أننا سنفعل كل ما بوسعنا لحماية حقوقنا السيادية لأقصى درجة”.

ولقد قال باناجيوتوبولوس هذه الكلمات مطلع شهر يونيو/حزيران الجاري الذي لم ينته بعد، أي لم يقلها قبل وقت طويل.

وعندما سأل الرئيس أردوغان عن هذه التصريحات المليئة بالتهديدات، رد بالكلمات التالية التي وجدت لنفسها أصداء في الإعلام اليوناني أكثر من الإعلام التركي:

“اليونان لا تتورع عن التبجح. فهل يمكن لأحد الحديث عن تركيا بهذه الطريقة؟ عليه أن يلزم حدوده، وإن لم يلزمها فلا يخفى على أحد ما ستفعله تركيا”.

لقد كان أردوغان وكأنه ينذر اليونان عن طريق توبيخ وزير دفاعها بقوله “هيا اذهب من هنا أيها الصبي!”

ولأعيد تذكيركم بأن هذه العبارات وجدت لنفسها أصداء في الإعلام اليوناني أكثر من الإعلام التركي، أي أنه يبدو أنهم أخذوها على محمل الجد بما يكفي وزيادة.

ولقد شهدت الأيام التالية لهذه التصريحات قدوم إشارات من أثينا تشير إلى أنها لن تجرؤ على الدخول في مناخ صراع مع تركيا.

وفي البداية أطلق رئيس الوزراء اليوناني السابق تشبراس دعوة إلى خلفه ميتسوتاكيس يقول فيها “افعل كما فعلت عندما كنت رئيسا للوزراء وبادر بلقاء الرئيس التركي أردوغان”.

وعقب ذلك بفترة قصيرة غيرت أثينا موقفها 180 درجة، فتغير أسلوبها بالكامل.

وقد قال ميتسوتاكيس ما يلي في التصريح الذي أدلى به على هامش أحد المعارض التي استضافتها أثينا في الأسبوع الثاني من الشهر الجاري:

“إن اليونان منفتحة للحوار دائما مع تركيا بشأن ترسيم الحدود البحرية. فيمكننا الحديث معهم بصدق. ولو توصلنا نحن الاثنان إلى أننا لن نتفق في نهاية المطاف، فدائما سيكون أمامنا طرق أخرى لنقل هذه المسألة إلى المحكمة الدولية في لاهاي بعد الاتفاق سويا حول طريقة حل هذه القضية، ودائما ما سنحترم القانون الدولي. فنحن لسنا في عهد دبلوماسية مدافع الأسطول التي يرجع تاريخها لقرون مضت”.

لقد كان ملخص تصريحات ميتسوتاكيس هو أن قال “فلنجلس لنتحاور، وإن لم نتفق فلننقل الملف إلى المحكمة التي تصدر حكمها”.

وهي الكلمات التي كانت تشير إلى أن اليونان تخلت، على الأقل في الوقت الراهن، عن موقفها التصادمي الذي تبنته في السابق.

ولقد حدث أمس تطور يمكن تفسيره على أنه انعكاس فعلي لهذا الموقف الجديد لأثينا؛ إذ جمعت مكالمة هاتفية أردوغان بميتسوتاكيس. ولعلنا نفكر فيما يمكن أن تحققه مكالمة هاتفية، لكن هذه المكالمة تحمل على الأقل أهمية من حيث أنها تبرهن على أن اليونان اضطرت لتغيير موقفها المتعنت (حتى وإن كان ذلك بموجب بعض التكتيكات) الذي اتخذته إزاء تركيا بسبب مسألة شرق المتوسط.

ويمكننا القول إن اليونان أدركت أن المناوشات الكلامية التي ترفع من مستوى الصراع مع تركيا سيكون لها ثمن باهظ، وإنهم رأوا أن أنقرة لن تتخذ موقفا خجولا أبدا في حالة حدوث أمر كهذا، (راجعوا العبارات التي نقلناها عن أردوغان آنفا)، وإن اتخاذ موقف هجومي ضد اليونان سيكون مفيدا أكثر من اتخاذ موقف دفاعي.

ولدق سمعت العبارة التالية من أكاديمي خبير في الشأن اليوناني كان يعمل قبل سنوات في تركيا:

“إذا كنا هنا في تركيا لا نهتم لهذا الأمر كثيرا، فإن اليونانيين، من رئيس جمهوريتهم حتى أصغر عامل نظافة بينهم، يحملون مشاعر لن تتغير تجاه تركيا، وهي المشاعر التي نطلق عليها اسم فوبيا تركيا”.

ولقد كان اليونانيون في بعض الأوقات، وهو ما حدث في الفترة الأخيرة كذلك، لا يفكرون بشيء سوى تركيا. فهل يمكن أن تكون المشاعر المذكورة لاعبا محوريا في هذا الأمر، أعتقد ذلك.

إن هذه التطورات تجعل لزاما علينا أن نفكر بشكل أعمق في الظروف التي تطور خلالها الموقف اليوناني تجاه تركيا وكيفية تطوره. ويمكن أن نقول ما يلي بالاستفادة من المعلومات التي يقدمها لنا التاريخ:

إن اليونانيين يخافون من تركيا ومن الأناضول في الأوقات العادية، فهذا واضح للعيان. كما أنهم لا يجدون لدى أنفسهم بسهولة شجاعة الوقوف لمواجهة تركيا عندما تكون في حالة هجوم، كما هو الحال في قضية شرق المتوسط.

كان ميتسوتاكيس قد التقى هاتفيا قبل يومين برئيس فرنسا ماكرون. وهذا يعني أن الاثنين حددا سويا أجندة المكالمة التي جمعت ميتسوتاكيس بأردوغان. وفي الواقع فإن تلك التصريحات الواثقة التي أطلقوها فإنما كانت نابعة بعض الشيء من الشجاعة التي زودتهم بها فرنسا.

ومن جانبنا سننتظر كيف ستتطور هذه الأمور في المستقبل القريب.

.

محمد آجات بواسطة / محمد آجات  

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.