أعلنت إثيوبيا، السبت، أنها تنوي بدء ملء سدّها العملاق على نهر النيل في “الأسبوعين المقبلين”، متعهدة في الوقت نفسه بمحاولة التوصل إلى اتفاق نهائي مع مصر والسودان خلال هذه الفترة، برعاية الاتحاد الأفريقي.
ويناقض البيان الذي صدر صباح السبت عن مكتب رئيس الوزراء أبيي أحمد جزئيا تصريحات أدلى بها مسؤولون مصريون وسودانيون مساء الجمعة، وأكدوا فيها التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث خلال قمة افتراضية جمعتها مع ثلاث دول أفريقية أخرى، على وقف ملء السد، إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق نهائي حول الموضوع.
وسدّ النهضة، الذي بدأت أديس أبابا ببنائه في 2011، سيصبح عند إنجازه أكبر سدّ كهرمائي في أفريقيا، مع قدرة إنتاج بقوة ستة آلاف ميغاواط. لكنّ هذا المشروع الحيوي لإثيوبيا، والذي أقيم بارتفاع 145 مترا، يثير توترات حادّة بينها وبين كلّ من السودان ومصر، اللتين تتقاسمان مع إثيوبيا مياه النيل، وتخشيان أن يحد السد من كمية المياه التي تصل إليهما.
وتعتبر مصر هذا المشروع تهديدا “وجوديا”. ودعت الأسبوع الماضي مجلس الأمن الدولي إلى التدخل. ويفترض أن يعقد المجلس اجتماعا حول القضية الإثنين.
وأعلنت القاهرة والخرطوم في بيانين رسميين، الجمعة، عن اتفاق خلال قمّة أفريقية مصغّرة عقدت عبر الفيديو برئاسة رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، على تأجيل البدء بملء خزّان سدّ النهضة الكهرمائي لحين إبرام اتّفاق بين الدول الثلاث.
وجاء في بيان الرئاسة المصرية أنّ الاتّفاق ينصّ على “الامتناع عن القيام بأي إجراءات أحادية، بما في ذلك ملء السدّ، قبل التوصّل إلى هذا الاتّفاق، وإرسال خطاب بهذا المضمون إلى مجلس الأمن”.
وقالت الحكومة السودانية في بيان: “تم الاتّفاق على أن يتمّ تأجيل ملء الخزّان إلى ما بعد التوقيع على اتّفاق”، مشيرة إلى أنّه تمّ أيضا الاتفاق على أن “تبدأ مفاوضات على مستوى اللجان الفنية فورا؛ بغية الوصول إلى اتفاق في غضون أسبوعين”.
لكن أديس أبابا لم تأت على ذكر الإرجاء في بيانها السبت. بل بدت متمسكة بالجدول الزمني الذي أعلنته من قبل، وينص على بدء تعبئة خزان السد في تموز/ يوليو.
وجاء في البيان: “خطّطت إثيوبيا لبدء ملء السدّ في غضون أسبوعين، ستتواصل خلالهما أعمال البناء. واتفقت الدول الثلاث على أن يتمّ التوصل إلى اتفاق نهائي على النقاط القليلة التي لا تزال عالقة خلال هذه الفترة”.
وكانت مفاوضات ثلاثية حول تشغيل السد وإدارته استؤنفت في وقت سابق في حزيران/ يونيو، وتعثرت حول عمل السد خلال فترة الجفاف، وآليات حلّ الخلافات المحتملة.
وتقول إثيوبيا إنّ الكهرباء المتوقّع توليدها من سدّ النهضة لها أهمية حيوية من أجل الدفع بمشاريع تنموية في البلد الفقير، البالغ عدد سكانه أكثر من 100 مليون نسمة.
وتقول مصر إنّ السد يهدّد تدفّق مياه النيل التي ينبع معظمها من النيل الأزرق، حيث بني السد، وقد تكون تداعياته مدمّرة على اقتصادها ومواردها المائية والغذائية. وتستقي مصر 97 في المئة من حاجتها من المياه من النيل.
ويمدّ النيل، الذي يمتد على حوالي ستة آلاف كيلومتر، حوالي عشر دول أفريقية بالمياه.
دور الاتحاد الأفريقي
وعقدت القمة الأفريقية المصغّرة بدعوة من رئيس جنوب أفريقيا، وشارك فيها كلّ من رئيس الانقلاب المصري عبد الفتّاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبيي أحمد، ورئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، والرئيس الكيني أوهورو كينياتا، ورئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي، ورئيس مالي إبراهيم بوبكر كيتا، ورئيس مفوضية الاتّحاد الأفريقي موسى فكي.
ومساء السبت، أعلن الاتحاد الأفريقي في بيان أنّ “90% من القضايا المتعلّقة بالمفاوضات ثلاثية الأطراف (…) سبق أن تمّ حلّها”، مطالبا الدول المعنية بالامتناع عن أيّ تصريح أو فعل من شأنه أن يعقّد أو يقوّض العملية التي يقودها الاتحاد الأفريقي، والرامية إلى إيجاد حلّ مقبول للقضايا العالقة”.
وشدّد الاتحاد الأفريقي في بيانه على أنّ هذا الملف بات في عهدته، وأنّه سيتمّ إعداد تقرير مرحلي، ورفعه “في غضون أسبوع” إلى الرئيس رامافوزا، مشيرا إلى أنّ المجلس التنفيذي للاتحاد سينعقد مجدّدا خلال أسبوعين للبحث في هذا الملف.
وكانت إثيوبيا تحفظت سابقا على تدخل أطراف أخرى في النزاع، لا سيما بعد محاولة وساطة قامت بها الولايات المتحدة، بناء على طلب مصر، وانتهت في شباط/ فبراير بالفشل. واتهمت أديس أبابا في حينه واشنطن بالتحيّز لمصر.
ورحبّت أديس أبابا السبت بمبادرة الاتحاد الأفريقي، مؤكدة أن “القضايا الأفريقية يجب أن تجد حلولا أفريقية”.
ورأى وليام ديفيسيون من مجموعة “إنترناشونال كرايزيس غروب” (مجموعة الأزمات الدولية)، أن “استئناف المحادثات الثلاثية التقنية حول تعبئة وقواعد إدارة سد النهضة، بالإضافة إلى تدخل الاتحاد الأفريقي، تطورات أكثر من مرحبّ بها”.واعتبر أنه من المناسب “أن يسهّل الاتحاد الأفريقي من الآن فصاعدا المحادثات”، وألا تتدخل الأمم المتحدة إلا كملاذ أخير.
عربي٢١