لقد حظيت مقالتي عن الأطفال اللاجئين والمهاجرين المفقودين في أوروبا، باهتمام أكبر مما توقعت. إن الدول الأوروبية التي تحسب ألف حساب في مسألة قبول اللاجئين، تعاملت وفق مبدأ اللامبالاة إزاء أطفال المهاجرين، وهذه النقطة هي أبرز انعكاس على قضية الأطفال اللاجئين المفقودين.
إحدى الأسئلة التي جاءتني تعليقًا على المقال؛ هي ماذا يتحدث التقرير عن الوضع في تركيا حيال هذه القضية. بالنسبة للتقرير الذي أعدته النائبة البرلمانية والعضو في الجمعية البرلمانية بمجلس أوروبا، سراب يشار، لم يتضمن إحصائية حول أطفال لاجئين مفقودين في تركيا، وذلك إما لأنه لا يوجد رقم محدد حول ذلك، أو لأن الأرقام في تركيا ليست بشكل يلفت النظر.
إن قيام نائبة برلمانية تركية بعمل هذا التقرير الذي أعاد للأذهان من جديد قضية اللاجئين الأطفال المفقودين في أوروبا، يليق في الحقيقة ببلد مثل تركيا جسّد النهج الأكثر إنسانية حول العالم إزاء اللاجئين. وفي النهاية فإنه من الشروط الأساسية التي تجعلنا أناسًا، هي أن نفكر على الأقل بهموم هؤلاء اللاجئين الذين لا يمكنهم الدفاع عن أنفسهم، وتراهم معرّضين للظلم والاضطهاد والتهجير. ومن الواجب على الذين لا يعبؤون لهؤلاء اللاجئين أن لا يعتبروا أنفسهم أناسًا، لكن للأسف يبدو أن العالم مليء بأمثال هؤلاء.
يكشف التقرير في الواقع عن مشهد مأساوي ومؤلم حول الأطفال اللاجئين المفقودين في أوروبا. حينما نقول بشكل عابر كلمة “لاجئ” لا يعبأ له أحد، ربما لا نستشعر معنى هذه الكلمة إلا حينما نضع أنفسنا مكان هذا اللاجئ، وعندها سندرك حساسية هذا الأمر ومأساته.
أحد الأصدقاء ممن قرأ المقال قال “إنها كارثة كبيرة، إنها حالة مريرة بدرجة كورونا، وضع مأساوي”، ثم تساءل قائلًا “في نتيجة هذا التقرير هل هناك مسؤولية ما تحتّم الجزاء والمساءلة إزاء الدول التي فُقد فيها الأطفال اللاجئون؟ أم أنه تقرير لتحديد أعداد المفقودين فحسب؟ هل من المعلوم عدد الفتيان أو الفتيات المفقودين؟ أليس من الضروري تقفي آثارهم؟ كيف ستكون النتيجة في المحصّلة يا ترى؟”.
في الواقع إن هذا التقرير الذي صادقت عليه الجمعية البرلمانية لمجلس لأوروبا بالتصويت، سيتم تحويله إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان من أجل اتخاذ قرار في التوصيات المقدّمة بهذا الصدد، يكون بمثابة مصدر تشريعي. ولذلك السبب، يعتبر هذا التقرير مهمًّا للغاية من حيث كونه أعاد تسليط الضوء على القضية وخلق شعورًا خاصًّا تجاهها. وحتى ولو كان من الأفضل أن تقوم النائبة البرلمانية سراب يشار بنقل هذا الموضوع خطوة للأمام، وعمل تقرير أعم في الجمعية البرلمانية الأوروبية؛ إلا أنها مع هذا الجهد الحالي قد حققت الغاية المرجوّة.
إضافة لما سبق، فإن التقرير يتقدم بتوصيات لجميع حكومات الدول الأوروبية، لاتخاذ تدابير وإجراءات بهذا الصدد. وفقًا للتقرير؛ يعتمد الأطفال على مهّربي البشر من أجل الوصول نحو مناطق أكثر أمنًا، كما يحتاجون إلى مبلغ كبير لفعل ذلك، وغالبًا ما يحاول الأطفال جمع هذه الأموال من خلال العمل خارج القانون أو البغاء أو بيع المخدرات. ويقدّر التقرير أن عدد الأطفال المفقودين أو المنفصلين عن ذويهم في أوروبا، يبلغ حوالي 100 ألف. يواجه هؤلاء الأطفال مخاطر الاعتداء الجنسي والاغتصاب، والاتجار بالبشر والعنف والاستعباد وتجارة الأعضاء. كما أن هناك إجراءات يوصي بها التقرير بهدف الحفاظ على أرواح هؤلاء الأطفال، ولمّ شملهم مع ذويهم من خلال تسجيلهم، وبعض الإجراءات تلك على الشكل التالي:
1- تلبية الاحتياجات والحقوق الأساسية مع مراعاة المتطلبات الخاصة المتعلقة بحماية الأطفال.
2- عند اختفاء طفل لاجئ أو مهاجر ما، يجب تقديم المعلومات اللازمة للأبوين وأفراد العائلة والأصدقاء، كما يجب إبلاغ الشرطة والهيئات المعنية بالأطفال.
3- ينبغي دعم وتطوير الأبحاث والدراسات المتعلقة باختفاء الأطفال اللاجئين والمهاجرين.
4- يجب تطوير حجم التعاون الدولي بين الشرطة والسلطات القضائية، من أجل منع اختفاء الأطفال اللاجئين.
5- يجب دعم عمل المنظمات المدنية التي تساعد في العثور على الأطفال المفقودين وتقفي آثارهم.
6- يجب إدراج أسماء الأطفال المفقودين من اللاجئين والمهاجرين في النشرات الصفراء في الإنتربول، كما يجب تقديم إخطار يدخل نظام المعلومات في شنغن.
7- يجب توفير إمكانية بقاء الأطفال اللاجئين والمهاجرين مع ذويهم وعائلاتهم قدر المستطاع.
8- يجب أن تعمل وسائل الإعلام المحلية والإقليمية بما في ذلك وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ووسائل التواصل الاجتماعي؛ على دراية بهذا الوضع، وأن تزيد من وعي الناس بقضية اختفاء الأطفال اللاجئين والمهاجرين.
9- يحتاج الأطفال المسجلون إلى حماية خاصة. وفي المقابل يعتبر الأطفال غير المسجلين بشكل رسمي خالين الوفاض من أي حماية أو قانون. كما يجب على البرلمانات والحكومات المحلية الوفاء بمسؤوليتها من أجل منع اختفاء الأطفال وضياعهم بيد المنظمات الإجرامية، وتوفير سبل الحماية والاهتمام والرعاية بهؤلاء الأطفال.
10- يعتبر الأطفال اللاجئين والمهاجرين الذين ليس لديهم مرافق، فاقدين للحماية بشكل تام لأنهم بعيدون عن ذويهم وآبائهم، لا سيما وأنهم في موضع لا يمكنهم الدفاع عن أنفسهم، ولذا نوصي الدول الأعضاء بما يلي:
أ. إجراء بحث وافٍ من أجل العثور على آباء الأطفال المفقودين، بهدف لم شملهم مع ذويهم.
ب. توفير آليات فعالة تسهل من عملية الاتصال بمراكز الشرطة والهيئات المعنية بخدمة الأطفال، كي يقوم بذلك الأوصياء على الأطفال اللاجئين والمهاجرين الذين لا يملكون مرافقًا خاصًّا.
من المهم للغاية توجيه هذه الاقتراحات للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من خلال هذا التقرير.
.
بواسطة / ياسين اكتاي