تركيا الآن

مسجد آيا صوفيا والعرب.. وبائع “السميت”!!

شهد العالم العربي “معارك” لفظية طاحنة إثر قرار المحكمة الإدارية العليا التركية بإعادة اعتبار “آيا صوفيا” مسجدا تقام فيه الصلاة، بعد تحويله إلى متحف لعدة عقود، وتحول الحدث من شأن تركي إلى شأن عربي خالص، كغيره من الأحداث المهمة في تركيا.

وفي هذه السطور بعض الملاحظات عن النقاش العربي حول هذا الحدث:

لماذا يهتم العرب؟

ثمة عوامل كثيرة لهذا الاهتمام بل الصراع العربي حول قرارات وأحداث تركيا، أولها القرب الجغرافي بين العرب وتركيا وتأثر الطرفين بسياسات بعضهما الآخر، وثانيها حالة الاستقطاب الكبيرة عربيا تجاه تركيا، وثالثها وربما أهمها تحول تركيا والرئيس أردوغان تحديدا “لمثال” بالنسبة للكثيرين من العرب الذين لم يجدوا نموذجا عربيا يحقق طموحاتهم وآمالهم القومية والدينية، وهو الأمر الذي جعل تركيا تحظى باهتمام غير مسبوق عربيا، لدرجة أن أحداثها صارت تهم المتابع العربي أحيانا أكثر من شؤون بعض الدول العربية!

بين قرار تركيا وإجراءات إسبانيا واليونان

لعل نظرة متفحصة على مواقع السوشيال ميديا في العالم العربي كفيلة بإظهار التأييد الشعبي المرتفع لقرار تركيا. هذه النتيجة بالطبع ليست بحثا علميا أو دراسة إحصائية، ولكنها مجرد ملاحظة يمكن لأي متابع برأينا أن يقرأها.

وبالمقابل ظهرت بعض الأصوات المعارضة للقرار. جزء كبير منها لا يهمنا لأنه ينطق ويكتب وفق أجندة الأنظمة التي يعمل لصالحها أو يخشاها على الأقل، والتي تشهد علاقاتها توترا مع تركيا في كافة الساحات والملفات الإقليمية. ولكن من يهمنا هم أصحاب الرأي الذي ينطلق من قناعات أو تحليلات شخصية، ويرى في القرار خطأ يتعارض مع سماحة الإسلام وتعامله التاريخي مع دور العبادة في البلاد المفتوحة.

يمتلك هذا الرأي وجاهة ومعقولية في الطرح، ويستند لسوابق تاريخية مثل فتح بيت المقدس في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبالتالي فمن حق من يؤمن بوجهة النظر هذه أن يطرحها دون اتهام أو تجريح لموقفه.

ولكن هناك مواقف أخرى تستحق الإدانة برأينا، وأهمها موقف الذين يهاجمون القرار ولكنهم بنفس الوقت لا ينبسون ببنت شفة تجاه ممارسات دول أوروبية تجاه المساجد في المدن التي شهدت صراعا تاريخيا، وخصوصا إسبانيا واليونان.

 

ولا نقصد هنا إدانة الحكومات الحالية في إسبانيا واليونان بسبب حدث تاريخي هم غير مسؤولين عنه كما يقول البعض، بل المقصود إدانة تعنت الدولتين في التعامل حاليا مع المساجد ومنعها تماما مثلا في اليونان (التي كانت صاحبة أكثر الأصوات المعارضة للقرار التركي)، ومظاهر التطرف في منع أي مظهر إسلامي في مدن إسبانيا التي كانت تحت حكم المسلمين إبان حقبة الأندلس.

الخلاصة في هذه النقطة: إذا كنت متسقا مع نفسك وترفض التلاعب بدور العبادة من جميع الأطراف فهذا رأيك الذي يستحق الاحترام، إما إذا كنت تنظر إلى القضية فقط من الجانب التركي، فأنت “مستشرق” بلهجة عربية!

آيا صوفيا وبائع “السميت”!

وبائع “السميت” هو ليس أردوغان الذي باعه صغيرا ليساعد أباه في تكاليف الحياة وأعلن اعتزازه بذلك أكثر من مرة، ولكنه أيّ بائع “للسميت” أو “الفلافل” أو “الآيسكريم”!

وأما علاقته بقضية آيا صوفيا فهي عبر ذلك السؤال “العبقري” عن دوافع أردوغان وحزبه السياسية من هذا القرار، والقول إنه قرار لتحقيق أهداف سياسية وانتخابية، وهي تهمة تشبه تماما اتهام بائع “السميت” بأنه يبيع “سميتا”! وكأن المفروض بالسياسي أن لا يمتلك دوافع سياسية وانتخابية لاتخاذ قراراته!

إن دور السياسي هو أن يمارس السياسة، وليس الأيدولوجيا، وإن وراء كل قرار من قراراته مصلحة سياسية لشخصه ولحزبه ولبلده، والغريب هنا ليس وجود دوافع مصلحية لأردوغان من اتخاذ مثل هذا القرار، بل الغريب هو التساؤل عن وجود أهداف سياسية وكأنه اكتشاف عبقري!

من المؤكد أن هناك دوافع أيدولوجية ودينية، ولكنها تبقى في الخلفية وراء الأهداف السياسية التي تدفع أي سياسي لاتخاذ قراراته.

شعب المحللين الاستراتيجيين!

يستغرب المحللون الاستراتيجيون – وما أكثرهم!- من الفرحة العفوية لغالبية عربية ومسلمة من قرار تركيا، ويتهمونهم بأنهم لا يأخذون بعين الاعتبار التداعيات المحتملة، والمخالفة التاريخية لسوابق إسلامية، والتناقض مع سماحة الإسلام، إلخ.. إلخ.

والحقيقة أن هذه الاعتبارات صحيحة ومهمة، ولا بد أن يحسبها السياسيون عند اتخاذهم قراراتهم، ولكن مشكلة “المحللين الاستراتيجيين” أنهم يريدون كل مواطن عربي أن يتصرف وكأنه “وزير نوايا حسنة” أو “وحدة تقدير موقف” في مركز تفكير عالمي، قبل أن يفرح!

هذا المواطن العربي المسحوق والمهان في بلده وفي العالم، والذي يبحث عن موقف يشعره بأن لديه قيادات تتحدى وتتخذ قرارات “شعبية” أو حتى “شعبوية” لن يحلل الاعتبارات الاستراتيجية قبل أن يفرح فرحا فطريا، ولن يفكر بردة الفعل الغربية حتى لو كان يفهمها أكثر من كل المحللين الاستراتيجيين قبل أن يبتهج للحظة يرى فيها بقلبه على الأقل أنها لحظة “عزة”، فارحموا بحث شعوبنا اليائسة عن لحظة انتصار!

وخلافا لما يعتقد “المحللون الاستراتيجيون”، يمكن القول إن غالبية الشعوب تعرف أن القرار فيه السياسي والديني، ونعتقد أنه لو أجري استطلاع لوجدنا أن تأييد الغالبية للقرار ينطلق من أبعاد سياسية أكثر منها دينية، لأنها وجدت دولة مسلمة تتخذ قرارا سياديا يخالف رغبة الغرب، وهذا بالضبط ما يريده الناس، يريدون من يقول لا، فقد سئموا كلمة “نعم”!

 

بواسطة/ فراس أبو هلال
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “تركياالآن”

عرض التعليقات

  • لماذا هذه الضجة على اعادة مسجد آيا صوفيا الى وضعه السابق الذي ظل عليه مسجدا لقرون عديدة يعبد فيه رب العالمين من المسلمين وكل الكتابيين , أم انهم يفضلون ان يبقى متحفا أصم لا روح تدب فيه ولا بركة ولا حياه ؟ أم انهم يريدون أن نعيده الى أيام بيزنطه !!!! أم انهم نسوا ما فعلوه بكثير من مساجدنا في اسبانيا وبلاد الصرب وغيرها ..

أحدث الأخبار

ماذا قال العالم عن زيارة فيدان والشرع لـ جبل قاسيون؟

أثار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ضجة كبيرة بعد لقائه مع قائد الحكومة الجديدة في…

23/12/2024

غرامات ضخمة لعام 2025: التجارة في تركيا تدخل حقبة جديدة من العقوبات!

اتخذت وزارة التجارة قرارًا جديدًا يتعلق بالغرامات الإدارية. وفقًا لهذا القرار، تم زيادة الغرامات المفروضة…

23/12/2024

داوود أوغلو يعلق على تعيين عزام غريب محافظًا لحلب

علق رئيس حزب المستقبل التركي، أحمد داوود أوغلو، الأحد، على تعيين عزام غريب محافظًا جديدًا…

23/12/2024

بدءًا من 2025.. بطاقة الهوية الذكية إلزامية في تركيا

  نشرت وسائل إعلام المحلية، الاثنين، تحذيرات بأنه سيتم حظر استخدام بطاقة الهوية القديمة في…

23/12/2024

بيان من الكرملين بشأن طلاق أسماء الأسد!

أكد المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف، الاثنين، أن الادعاءات القائلة بأن أسماء الأسد، زوجة…

23/12/2024

هذه هي كلمة العام في تركيا

أعلنت جمعية اللغة التركية (TDK) وجامعة أنقرة، الاثنين، عن كلمة العام لعام 2024. وقالت أنه…

23/12/2024