في مثل هذا اليوم قبل أربع سنوات تمامًا عاشت تركيا يومًا استثنائيًّا في تاريخها، ولقد دخل التاريخ بهذا الشكل. إنه حدث لا يمكن اختصاره بأنه مجرد محاولة انقلابية فاشلة فحسب، بل كان حربًا حقيقية اشتبكت فيها عناصر الخيانة والظلم والكذب والشر، مع الخير والوفاء وحب الوطن، لتتجلى فيها غلبة الخير والوفاء وحب الوطن في أبرز صورها.
على مدار 4 سنوات خلت يحتفل المواطنون كل عام يوم 15 تموز، بهذا النصر الجلي الواضح بعواطف جياشة وسعادة غامرة، بالنصر على الانقلابيين الذين استهدفوا إرادة الشعب، وتجار الدين الذين حاولوا تزويره، والخونة الذين أرادوا استباحة حدود الوطن أمام المحتلين.
مع كل عام خلا نجد الدولة والشعب يضعان خطوات ثابتة أكثر قوة ووحدة وثقة، ضد النظام الذي حاول الانقلابيون فرضه عنوة في تركيا. وبينما كان البعض يظن بأن الجيش التركي خرج ضعيفًا عقب هذه المحاولة إثر تجريد أكثر من نصف قياداته، قام هذا الجيش بعملية درع الفرات، وحقق فيها نجاحًا باهرًا. حتى اثبت الجيش التركي للعالم كله بأنه عقب تخليصه من الخونة بات بحال أقوى بكثير من ذي قبل.
أما قضية مكافحة الإرهاب التي لم تكن تحقق تقدمًا واضحًا في الماضي، فإنها عقب محاولة الانقلاب وحتى اليوم تسير صاعدة بشكل متسارع وسط نجاح منقطع النظير، وصل بتركيا اليوم إلى نقطة قريبة نحو تخليصها من تهديدات الإرهاب. واليوم وفي الذكرى الرابعة لمحاولة الانقلاب الفاشلة تنطلق عملية “الصاعقة” في “جودي” بهدف تطهيرها من الإرهاب.
لو أن محاولة الانقلاب قد نجحت بالفعل -لا قدّر الله- لكان الإرهابيون وأصحابهم قد حصدوا نتيجة تخطيطهم وتنسيقهم المشترك وطربوا على تقسيم تركيا. كانت هناك قوى جاهزة عند الحدود السورية تتأهب للتسلل نحو تركيا، لا سيما وأن هناك ما يعادلهم من إرهابيين كانوا في الداخل التركي فعلًا. إن أفضل جواب على محاولة الانقلاب الفاشلة 15 تموز، هو النتيجة التي تحققت اليوم من تقليص خطر وتهديد الإرهاب لحالة الوهن التي وصل لها اليوم.
وفي السياق ذاته، لا شك ان النظام الرئاسي الذي تم الانتقال إليه تزامنًا مع الذكرى الثانية لمحاولة الانقلاب، كان أيضًا من بين أبرز الردود على محاولة الانقلاب الفاشلة. لا سيما العمليات التي نجحت تركيا في تحقيقها خارج الحدود، كانت بمثابة هجمات مضادة أبادت أهداف منظمة غولن الإرهابية ومحقتها. ومع مرور الوقت انتقلت تركيا من وضعية الدفاع، إلى التوجه نحو نقاط الخطر والتهديد للقضاء عليها من مصدرها.
لم تكن محاولة انقلاب منظمة غولن الإرهابية موجهة ضد شخص أردوغان فحسب، بل كانت أيضًا ضد السياسة التركية الجديدة التي كان يمثلها أردوغان. وفي الحقيقة كانت منظمة غولن الإرهابية تلتقي مع كل أعداء تركيا في صف متوازٍ لمواجهة هذه السياسة. مثلًا في قضية فلسطين والقدس، لا نجد منظمة غولن في صف تركيا والمسلمين، بل مع الصهاينة. كذلك الأمر في ليبيا، لم نجد منظمة غولن مع تركيا، بل وقفت بصف الإمارات والانقلابيين. كانت تقوم تلك المنظمة الإرهابية صباح مساء على خدمة أعداء تركيا وتقديم الفكر والدعم والمواد والحجج لهم.
لم يعد من الصعب علينا أبدًا تمييز من يقف وراء مع الخيانة وراء صف منظمة غولن الإرهابية. ولا يفتأ أعداء تركيا من استخدام تلك المنظمة، حيث يجدون فيها المادة الخام الجاهزة تمامًا والأكثر ملاءمة لهذا الغرض.
وفي المقابل، لا تفتأ تركيا عن تلقينهم الدروس الناجعة وإلحاق الهزائم تلو الهزائم بهم. وإن الحسابات الناجحة التي فرضتها تركيا بعد الاتفاقية التي عقدتها مع ليبيا، وطردت خلالها الانقلابيين من الأماكن التي احتلوها وألحق بهم الهزائم، تبين للجميع أنها حسابات قلبت الطاولة على من كان يظن حصر تركيا داخل حدودها.
وعلى صعيد آخر، كان قرار إلغاء قرار تحويل آيا صوفيا إلى متحف، وإعادته مسجدًا من جديد، تزامنًا مع الذكرى الرابعة لمحاولة الانقلاب الفاشلة 15 تموز؛ يعتبر من أقوى وأفضل الردود على تلك القوى المعادية. إن هذا القرار هو استقلال تركيا الحقيقي، وغنه أقوى مؤشر على أن الشعب والدولة متحدتين ضمن روح مشتركة ومثالية فريدة.
15 تموز مظهر من مظاهر الإرادة القوية التي تم استهدافها ومحاولة إخضاعها.
15 تموز، هو يوم صحوة الأمة وقيامتها، وظهورها بأجلى الصور وأبرزها على مسرح التاريخ.
15 تموز، ملحمة اتحدت خلالها إرادة الشعب والدولة معًا.
15 تموز، يوم جميل يليق بهذا الشعب وقائده.
15 تموز، هو يوم ألغيت فيه جميع القواعد الاجتماعية، ولبى الشعب النداء من أجل حماية حكومة أرادها طوعًا لا كرهًا. وعلى الرغم من أن الحركات الاجتماعية لطالما يتم تصنيفها على أنها ضد الحكومة، فإنه في ليلة 15 تموز صار الشعب قلبًا واحدًا، وشهد تعبئة عامة لا مثيل لها، حينما رأى أن التهديد يداهم حكومته المنتخبة. لقد عشنا حدثًا حقيقيًّا في تلك الأثناء، لا يمكن تصديقه في العادة، وربما هذه الاستثنائيات بحد ذاتها جعلت البعض لا يتصور إمكانية حدوث ذلك مثيرًا الشكوك:
لو سأل أحدنا قبل أن نشهد ما شهدناه تلك الليلة؛ هل يمكن أن تحصل جميع تلك الأحداث؟ لقلنا بسرعة: لا يمكن حدوث ذلك. إلا أنه قد حدث حقًّا، ورأيناه بأعيننا، وأحسننا به لآخر درجات الإحساس والشعور. لقد سار أناس عزل فوق ظهور الدبابات دون أي سلاح تحمله.
لقد أشارت عظمة الحدث وملحميته وآثاره إلى أن أي شيء لن يكون كما السابق في تركيا، أن عهد الانقلابات قد أفل دون رجعة. إلا أنه مع ذلك ينبغي القول بأن هذا الاستنباط ربما يكون مستعجلًا تحت تأثير الحدث.
إن الانقلابات ليست بالضرورة أن تأتي بالطرق ذاتها في كل مرة. ربما لن يكون هناك انقلاب بشكل التقليدي الكلاسيكي في تركيا، نعم؛ إلا أن المهوسين وراء الانقلابات وإن كانوا لا يفكرون بانقلاب من هذا النوع، إلا أنهم لا يمتنعون عن التفكير في إضعاف تركيا، وإعاقتها عبر ضرب إرادتها وقرارها، والقضاء على جميع إمكانيات نجاحها على طريق الصعود والقوة. وبالتالي لا نعرف من أي صوب سيقترب منا الشيطان.
السياسة لا تقوم على فراغ، لذلك يجب رص الصفوف وسد الفراغات، كي لا يدخل شيطان ما أو انقلابي ما .
.