زيادة ملحوظة في تأييد السياسة الخارجية لدى الشريحة المستطلعة مقارنة مع العام الفائت، إذ ارتفعت نسبة المؤيدين بنسبة 8.4% وتراجعت نسبة المعترضين بنسبة 8.8%.
مؤخراً، نشرت جامعة قدير هاس في إسطنبول تقريرها السنوي عن انطباعات الرأي العام التركي حول السياسة الخارجية للبلاد، والذي تعدُّه بشكل دوري منذ سنوات طويلة.
التفاصيل الفنية
أُجري الاستطلاع بين 3 و17 من أبريل/نيسان الفائت، على 1000 شخص ممن هم فوق 18 من عمرهم في 26 محافظة، عن طريق طرح الأسئلة المعدة مسبقاً عبر مقابلة شخصية مرئية عبر الإنترنت.
يتكون الاستطلاع من ثمانية أقسام رئيسة، ويتكون من 9 أسئلة عن معلومات حول السياسة الخارجية، و12 عن السياسة الخارجية العامة، و19 عن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، و5 حول المسألة القبرصية واليونان، والعلاقات مع روسيا وفيه 4 أسئلة، والعلاقات مع الولايات المتحدة وفيه 5 أسئلة، والعلاقات مع حلف الناتو ويتضمن 5 أسئلة، وأخيراً العلاقات مع منطقة الشرق الأوسط ويشمل 21 سؤالاً.
للمزيد حول الموضوع يمكنك قراءة أيضا:
النهضة التركية … مؤشرات النمو الصاعدة
معظم الأسئلة ترصد رأي المشارك في الاستطلاع بخصوص سياقات عامة وأحياناً تفصيلية حول ملف مطروح، ثم تقارن الأجوبة بين أنصار الأحزاب السياسية المختلفة، وفي بعض الأسئلة المهمة تعقد مقارنة مع نتائج السنوات السابقة.
ومن البدهي أن المقال لن يستطيع تقييم الأسئلة والنتائج كافة بشكل تفصيلي، ولذلك سنكتفي برصد وتحليل بعض أهم الأسئلة ودلالات إجاباتها.
أهم النتائج
وفق الاستطلاع، يؤيد 38.1% من المشاركين السياسة الخارجية لبلادهم في العموم مقابل عدم تأييد 32%.
ورأى 20% من المشاركين أن المشكلة الكبرى التي تواجهها السياسة الخارجية التركية في السنوات الأخيرة هي “مكافحة الإرهاب خارج البلاد”، مقابل 18.3% لصالح “الحرب الأهلية في سوريا”، و10.4% لصالح وجود وحدات PYD في سوريا.
للمزيد حول الموضوع يمكنك قراءة أيضا:
محاربة تنظيم غولن الإرهابي على رأس السياسة الخارجية التركية
كما تصدرت إجابتا “الإرهاب العابر للحدود” و”الحرب في سوريا” إجابات سؤال “أهم المشاكل التي ستواجهها السياسة الخارجية في العقد القادم”، بنسبتَيْ 46.6% و46.1% على التوالي.
في سياق آخر، بلغت نسبة تأييد القواعد العسكرية في دول أخرى 36.8%، بينما دعم العمليات العسكرية خارج البلاد 41.2%.
تصدَّرت أذربيجان قائمة “الدول الصديقة” لتركيا، إذ رآها 65.2% من المشاركين كذلك، تليها جمهورية شمال قبرص التركية بنسبة 51.4%، ثم أوزبكستان بنسبة 34%. وكانت قطر الأولى عربياً والخامسة في هذه القائمة بنسبة 24.6%، ثم السعودية في المركز 12 بنسبة 9.2%.
في المقابل، رأى 70% من المشاركين الولايات المتحدة الأمريكية ضمن الدول “التي تشكل تهديداً” لتركيا، ما وضعها في رأس القائمة، تليها “إسرائيل” بنسبة 66%، ثم سوريا بنسبة 65.4%. ثم حلت في المراكز التالية على التوالي كل من إيران واليونان وأرمينيا والعراق وروسيا وإنجلترا وفرنسا، وكلها وِفْقَ أكثر من 50% من المستطلعة آراؤهم، كما اقتربت ألمانيا والصين من هذه النسبة.
أيد 53% من المشاركين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، فيما بدت الثقة بحصول تركيا على عضويته أقل بكثير، إذ قال 33.4% إنها ستكسبها، بينما رأى 55.6% وجود محاولات لعرقلتها، ورأى 48% أن الاتحاد الأوروبي لا يريد تركيا بسبب “اختلاف الدين والهوية”، وعلى الرغم من ذلك يدعم 44.9% استمرار مفاوضات الانضمام.
للمزيد حول الموضوع يمكنك قراءة أيضا:
وبخصوص توصيف العلاقة مع روسيا، رأى 17.1% أنها شراكة استراتيجية، و4.4% أنها تعاون وثيق، و15.1% أنها تعاون، و21.6% أنها “لا تعاونية ولا إشكالية”، و18.9% أنها إشكالية، و4.4% أنها علاقة عداء. أي أن 36.7% يرونها علاقة إيجابية مقابل 23.3% يرونها سلبية و21.6% لم يرجحوا أياً منهما.
وصف 31.5% الولايات المتحدة كدولة غير موثوقة، و28% كشريك استراتيجي، و14.9% كدولة استعمارية، و11.4% كقوة عالمية، و9.1% كدولة عدوة، و4.8% كدولة صديقة وحليفة. وهكذا يوجد تقييم سلبي بنسبة 55.4% مقابل 44.2% للتقييم الإيجابي لها.
بخصوص العلاقة مع حلف شمال الأطلسي، أيد 55.2% استمرار عضوية تركيا فيه، و18.8% إنهاءَها، و15.8% تعليقَ المشاركة في جناحه العسكري، و10.2% لصالح وقف كل العلاقات معه.
فيما يتعلق بالشرق الأوسط، رأى 33.9% أن سياسات بلادهم تجاهها ناجحة و42.9% أنها غير ذلك. كما دعم 31.7% سياسات بلادهم في المسألة السورية، وقال 38.8% إنهم مع بقاء بلادهم على الحياد في القضية السورية. وفي حين أيد 7.4% “تحسين العلاقات” مع النظام، أيد 35.8% “إجراء لقاء مع الحكومة” السورية ورفضه 32.2%.
قراءة في الأرقام
قبل الخوض في التفاصيل، لعل من المهم الإشارة إلى بعض النتائج التي توحي بمدى مواكبة المستطلعة آراؤهم للسياسة الخارجية، فقد بلغت نسب من “لم يسمعوا من قبل” بمصطلحات مثل S-400 نسبة 47.5%، وباتريوت 68.8%، وF-35 %48.8، وإدلب 27.2%، والاتحاد الجمركي 78.8%، والمنطقة الاقتصادية الخالصة 95.8%، مع أنها كلمات مفتاحية لملفات السياسة الخارجية مؤخراً مع مختلف الدول والقضايا الأكثر حضوراً.
توجد زيادة ملحوظة في تأييد السياسة الخارجية لدى الشريحة المستطلعة مقارنة مع العام الفائت، إذ ارتفعت نسبة المؤيدين بنسبة 8.4% وتراجعت نسبة المعترضين بنسبة 8.8%. وانسحب ذلك على نسبة تأييد سياسات تركيا المتعلقة بالشرق الأوسط فارتفعت النسبة بأكثر من 11% وتراجع المعارضون نحو 9%.
في الموضوع السوري، الذي رأته الشريحة المشكلة الكبرى التي تواجه تركيا، كانت نسبة التصويت الأكبر لصالح بقاء تركيا على الحياد. ولعل الفارق الكبير بين تأييد “تحسين العلاقات” مع النظام وبين “عقد لقاءات” معه تحيل إلى أن الهدف الأهم هو حماية تركيا من ارتدادات الأزمة السورية وليس الاصطفاف إلى جانب المعارضة السورية مثلاً.
يوجد ثبات ملحوظ في المراتب الثلاث الأولى للدول الصديقة وكذلك الدول التي تشكل تهديداً لتركيا. في المقابل، ومع ثبات الولايات المتحدة في مقدمة المهددات، فإن النسبة تحسنت عن العام الفائت بشكل ملحوظ، فتراجع التقييم السلبي من 75% إلى 55.5% وارتفع التقييم الإيجابي من 24.1% إلى 44.2%.
وفي الإجمال، يمكن رصد تراجع نسبي واضح للولايات المتحدة والدول الأوروبية كمصدر تهديد لتركيا، مقابل ارتفاع نسبة الدول المجاورة مثل سوريا وإيران والعراق وكذلك “دول الشرق” أي روسيا والصين.
من الملحوظات المهمة كذلك التراجع النسبي لتأييد العمليات العسكرية خارج البلاد، وكذلك إقامة قواعد عسكرية في دول أخرى، وأن التمايز الحزبي بخصوصها أتى وفق المتوقع، إذ كان التأييد الأكبر بين أنصار الحركة القومية والاعتراض الأكبر بين أنصار الشعوب الديمقراطي.
فيما يتعلق بالعلاقة مع الاتحاد الأوروبي، تراجعت النظرة الإيجابية إليها عن العام المنصرم بنحو 8%، بينما بدا التشاؤم بخصوص الانضمام إلى الاتحاد مستقراً، وكان أنصار الحزب الجيد الأكثر دعماً للعلاقات مع الاتحاد يليهم أنصار الشعب الجمهوري.
نسبة دعم استمرار مفاوضات الانضمام تراجعت عن العام الفائت على صعيد أنصار كل الأحزاب الخمسة الكبيرة، كما رجح جميعهم باستثناء أنصار الشعوب الديمقراطي أن يكون البديل عن الاتحاد الأوروبي “الاتحاد التركي”.
وفيما تراجعت نسبة النظرة الإيجابية للعلاقات مع روسيا عن العام الفائت بنسبة 17.2% وارتفعت النظرة السلبية بنسبة 12.2%، تراجع التقييم السلبي للولايات المتحدة نحو 20% وارتفع التقييم الإيجابي لها بالنسبة نفسها تقريباً. وعلى صعيد أنصار الأحزاب المختلفة، يقدم العدالة والتنمية خيار “دولة غير موثوقة” ويقدم الشعوب الديمقراطي خيار “شريك استراتيجي” بينما يقدم الحركة القومية خيار “دول عدو” بخصوص الولايات المتحدة.
بنتيجة كل ذلك، يمكن تسجيل الملحوظات الأساسية التالية:
الأولى، تَقدم ملفَّي العلاقات مع الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي على سلم الأولويات، أولاً في الأسئلة من خلال عدد الأسئلة الأعلى من باقي الملفات والدول، وثانياً في الإجابات إذ تصدَّرتا قائمة المناطق التي ينبغي التركيز عليها مستقبلاً. ولعل ذلك ينبع من كون الأولى هي منطقة الانخراط التركي اليوم سياسياً وعسكرياً، بينما تمثل الأخرى الشريك الاقتصادي الأول والهدف المستقبلي المفترض.
الثانية، وجود تقارب واضح بين مختلف الأحزاب التركية حين يتعلق الأمر بالأمن القومي، باستثناء حزب الشعوب الديمقراطي، وهو أمر متوقع ومنطقي. بل ويمتد التقارب أحياناً إلى تعريف الدولة التركية وهويتها والتوقعات بشأن عضوية الاتحاد الأوروبي وغير ذلك.
الثالثة، بمجموع الحرب الأهلية والمليشيات الإرهايبة ومكافحة الإرهاب التي تشمل بالأساس سوريا والعراق، فإن نسبة تقترب من النصف ترى أن الأزمة السورية هي المشكلة الأكبر لتركيا خارجياً، وبارتفاع بسيط عن السنة السابقة. كذلك فإن هذا الانطباع يبدو مستقراً ومستمراً، بالنظر إلى نتيجة سؤال مشاكل العقد القادم المتوقعة.
الرابعة، تتصدر دول من “العالم التركي” قائمة الدول الصديقة لتركيا وليس أعضاء حلف الناتو أو الجيران في الإقليم، وبشكل ثابت ومتكرر عبر السنوات، ولعله أحد تمظهرات القول التركي المأثور “لا صديق للتركي إلا التركي”.
الخامسة، أن في تقييم العلاقات مع مختلف الدول بين العامين الفائت والحالي تغيراً ملحوظاً لصالح الغرب، أي الولايات المتحدة والدول الأوروبية، على حساب دول الجوار والصين وروسيا، وخصوصاً الأخيرة.
السادسة، ولعلها الأهم، ترتبط بأسباب هذه التغيرات ومدى علاقتها بالقرار السياسي أو توجهات الدولة/الحكومة. يتضح من مقارنة نتائج السنوات الأخيرة أن الرأي العام يتأثر بالتطورات السياسية وكذلك بالخطاب الحكومي الرسمي أكثر من تأثيره فيهما، كما يتضح من مثال العلاقات مع القوى العظمى والتكتلات الدولية.
فمثلاً، كان عام توقيع اتفاقية إعادة اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي -2016- الأعلى في السنوات الأخيرة على صعيد دعم عضويتها فيه. بينما كان 2017 الأدنى على الإطلاق، إذ كان العام الأكثر توتراً بين الطرفين، بسبب تزامن انتخابات عدد من الدول الأوروبية مع الاستفتاء الشعبي في تركيا بشكل رئيس. وبينما ارتفعت النسبة خلال السنتين الماضيتين بعد تراجع التوتر، عادت وانخفضت نسبياً مع أزمة اللاجئين الأخيرة على الحدود.
بشكل مشابه، واضح أن الاختلافات مع روسيا التي أدت إلى توتر نسبي مؤخراً في إدلب ثم في ليبيا، قد ألقت بظلالها على تقييم العلاقات معها ومع الولايات المتحدة، بخلاف السنوات القليلة الماضية التي كان فيها الخلاف مع الولايات المتحدة بخصوص دعمها للمليشيات الكردية يُقابَلُ بتنسيق متزايد مع روسيا في سوريا