فتوتر العلاقات بين أذربيجان وأرمينيا مستمر على مدى السنوات الست الماضية، ويتركز حول إقليم “ناغورنو قره باغ” الذي يشكل أساساً لصراعٍ جديد لا ينتهي إلا بحل النزاعات المجمدة. وكانت الاشتباكات الخطيرة والمحدودة بين القوات العسكرية للبلدين تحدث بشكل شبه يومي منذ صيف 2014، لكنها أصبحت جزءاً من جدول الأعمال الدولي عندما وقعت إصابات في صفوف الطرفين.
واتخذت الأطراف المتنازعة حالة تأهب دائم بعد حرب الأيام الأربعة عام 2016، عندما قتل 94 أذربيجانياً بينهم مدنيان، و84 جندياً أرمنياً.
لكن التوتر تصاعد في المنطقة مرة أخرى عندما قامت أرمينيا في 12 يوليو بمهاجمة أذربيجان بشكل مفاجئ. وجاء الهجوم مختلفاً هذه المرة لأنه استهدف الأراضي الأذربيجانية، ولم يأت كجزءٍ من النزاع في قره باغ. إن عدوان إدارة يريفان الذي وقع في منطقة غير متنازع عليها واعتراف أرمينيا به، هو إجراء يتعارض مع القانون الدولي ويكشف بوضوح عن سياسة حكومة أرمينيا المعادية للسلام.
وبالرغم من تصريح رئيس الوزراء الأرميني الجديد “نيكول باشينيان” بأنهم يخططون لتطبيع العلاقات مع أذربيجان وتركيا، نجده يتخذ نهجاً عدوانياً يتعارض مع خطابه. وفي زيارة سابقة له إلى قره باغ، قال باشينيان: “هذه أرض أرمينيا”. ما يدل على أن تصريحاته المزعومة حول السلام كانت مجرد تلميعٍ لصورته.
ومن غير المؤكد حتى الآن وجود دولة أو عدة دول تدعم أو حتى تشجع أرمينيا على عدوانها. فالمكان الذي وقع فيه الهجوم مريب للغاية لأن مدينة “توفوز” تقع بالقرب من ممر يصل بين أذربيجان وجورجيا وتركيا، كما تقع بجوار طرق النقل والشحن والطاقة حيث يتم نقل النفط والغاز من بحر قزوين إلى تركيا عبر هذا الممر. ومن المحتمل أن يؤثر النزاع بشكل مباشر في هذه المنطقة التي تتربع في قلب الاقتصاد الأذربيجاني، على خط أنابيب النفط باكو – تبليسي – جيهان، وممر الغاز الجنوبي وخط السكك الحديدية باكو – تبليسي – قارص.
ولم تنجح مجموعة “مينسك” التي أسستها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا منذ 24 عاماً في حل هذه المشكلة، وفشلت في التوصل إلى حل عادل بين البلدين. وتتولى رئاسة مجموعة “مينسك” كلا من فرنسا والولايات المتحدة وروسيا، إلى جانب أعضائها تركيا وألمانيا وهولندا وإيطاليا والبرتغال وبيلاروسيا والسويد وفنلندا. ومن المعروف أن فرنسا تنهج نهجاً لا يتصف بالحيادية أبداً تجاه القضية الأرمينية على وجه الخصوص، في حين أنه من غير المرجح أن تسفر إدارة هذا الأمر المشتركة بين الولايات المتحدة وروسيا عن نتائج جيدة. ومن هنا يتضح جلياً السبب في عدم إحراز المجموعة تقدماً يذكر. كما أن “مينسك” لا تحمل أية نية لدعوة أرمينيا للانسحاب من الأراضي التي تحتلها.
ويسعى كلا البلدين منذ سنوات للتسلح والاستعداد لخوض صراع محتمل واسع النطاق. فبفضل عائداتها المرتفعة من النفط والغاز قامت أذربيجان بتطوير صناعاتها الدفاعية ولا تزال تستثمر في هذا القطاع بشكل متزايد، كما تستطيع أرمينيا شراء معدات خاصة مقابل قروض من موسكو، كذلك يمكن لأذربيجان بسهولة الحصول على عتاد كبير من الأسلحة من روسيا وبلدان أخرى. وتمتلك أذربيجان القدرة على ضرب أي هدف في أرمينيا بعد أن اشترت باكو أسلحة من تركيا مثل دبابات “ألطاي” وطائرات هليكوبتر “T129 ATAK” وطائرات استطلاع بدون طيار، وأخرى مسلحة بالإضافة إلى طائرات بدون طيار وصواريخ باليستية شبه بعيدة المدى تم شراؤها من إسرائيل. في حين تفتقر يريفان إلى بعض الأسلحة التي تمتلكها أذربيجان، مثل الصواريخ الإسرائيلية والكورية الجنوبية المضادة للدبابات، وتمتلك بدلا عنها دبابات من الحقبة السوفيتية وأسلحة ثقيلة مماثلة بإمكانها ضرب المناطق الحساسة مثل منشآت النفط والغاز الأذربيجانية بصواريخ سكود والصواريخ شبه الباليستية الجديدة. لكنها إن فعلت ذلك يمكن أن تتلقى رداً بقصف محطة “ميتسامور” للطاقة النووية التي تقع على بعد 40 كيلومتراً غرب العاصمة الأرمينية يريفان. لذلك، فإن موقفها أضعف من موقف أذربيجان.
ومن الطبيعي أن تؤدي الصراعات الإقليمية الجارية إلى وضع لاعبين عالميين في مواجهة بعضهم البعض، حيث تدار الخطط الجديدة وفقاً لخطوط الإمداد بالطاقة والتطورات الأخيرة في ليبيا وشرق البحر المتوسط مما يعيد اسم روسيا إلى الذهن كلاعب خفي في التوتر بين أرمينيا وأذربيجان. ومع سعي روسيا إلى الحفاظ على علاقات وثيقة مع البلدين إلا أنها تبيع الأسلحة لكل منهما.
وتعتبر روسيا “باشينيان” الذي تولى منصبه قبل عامين نتيجة للمظاهرات المناهضة للنظام “ثورياً” مدعوماً من الغرب، وبالتالي فهي تراقبه وتدرس أوضاع بلاده.
من ناحية أخرى، لا تريد روسيا تصعيد التوتر بين أرمينيا وأذربيجان الغنية بالنفط والغاز الطبيعي، كما أنها لا تسمح لـ”باكو” بالتحول إلى لاعب كبير في القوقاز يتحرك خارج سيطرتها. ويمكن القول إن روسيا التي تقيم علاقات جيدة مع الرئيس الأذربيجاني “إلهام علييف”، تهدف إلى السيطرة على المنطقة من خلال الحفاظ على قربها الاستراتيجي ليس فقط مع يريفان ولكن مع باكو وتبليسي أيضاً، ولذا لا تريد موسكو الدخول في توترات مع أذربيجان. وعندما أعلنت تركيا ردها الحازم على الهجوم الأخير، دعت يريفان منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تشارك مع روسيا في عضويتها، إلى تقديم الدعم والتضامن ضد أذربيجان وضد “أي تدخل تركي محتمل”، لكنها لم تنل من حلفائها أكثر من دعوة إلى الهدنة.
علاوة على ذلك، فإن روسيا لا تغفل عن التقارب المستمر بين أذربيجان وإسرائيل بسبب النفط والغاز، بغض النظر عن مبيعات الأسلحة. كما تسعى إسرائيل إلى دحض حجة وقوع “الإبادة الجماعية” في أرمينيا لأنها تريد أن تكون هي “الدولة الوحيدة التي عانت من الإبادة الجماعية”.
ومن ناحيتها تعد إيران الشريك التجاري الرائد لأرمينيا. فإلى جانب الأتراك الأذربيجانيين، توجد جالية أرمنية كبيرة وذات نفوذ كبير في إيران. لذلك تقف روسيا أقرب إلى الجانب الإيراني الأرميني ضد تحالف تركيا -أذربيجان- جورجيا في المنطقة.
يظهر من عرض كل ما سبق أن روسيا لا تريد أن تخسر أرمينيا ولا أذربيجان. لكن موسكو مع ذلك، قد ترسل رسائل مضللة بسبب قوة تركيا التي بدأت تتسع وتمتد من القوقاز إلى البحر المتوسط. وبالرغم من أن أنقرة طورت علاقات وثيقة مع موسكو على مدى السنوات الأربع الماضية، فمن الواضح أن روسيا لا تريد تركيا القوية، التي أعلنت أنها ستقدم الدعم العسكري لأذربيجان ضد عدوان أرمينيا. وتمتلك روسيا عدة آلاف من القوات والطائرات المقاتلة والعربات المدرعة والصواريخ المضادة للطائرات في قاعدتها العسكرية في أرمينيا. وليس الغرض الحقيقي من وجودها هو محاربة أذربيجان، ولكن موسكو تهدف من وجودها إلى وضع رادع في أرمينيا ضد تركيا. لكن موقف أنقرة أقوى في حالة اقتضى الأمر للتدخل العسكري لأن روسيا لا يمكنها إرسال الدعم العسكري لأرمينيا إلا عبر جورجيا وهذا بحد ذاته مشكلة كبيرة. كما أننا يجب ألا ننسى أيضاً أن روسيا هددت بقوتها النووية أماكن لا تستطيع الوصول إليها، مثل دول أوروبا الشرقية.
ونتيجة لذلك، من غير المرجح أن يؤدي التوتر الذي بدأ بهجوم أرمينيا إلى نتائج أكثر سوءاً، ووفقاً لواقع الأمر على الأرض سيستأنف وقف إطلاق النار. وكما يبدو أن الصراعات المتجمدة سوف تغفو لفترة قصيرة إلى أن تستيقظ مرة أخرى، وسيستمر التوتر علواً وانخفاضاً إلى أن ينفجر في مرحلة ما.
.
رفعت وكالة التصنيف الائتماني الدولية ستاندرد آند بورز، تصنيف تركيا الائتماني من "B+" إلى "BB-"،…
بلغت قيمة التجارة الخارجية لتركيا بالعملية المحلية 24.8 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من…
ارتفع تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى تركيا بنسبة 31.5 بالمئة في الربع الثاني من العام…
قال وزير الدفاع التركي يشار غولر، إن قوات بلاده البحرية تتبوأ مكانة متميزة ومرموقة في…
وقعت شركتا "أسيلسان" للصناعات الدفاعية، و"هافلسان" التركيتان صفقة مشتركة لبيع معدات عسكرية لإحدى الدول بقيمة…
شاركت سفينة "تي جي غي أناضولو" التركية، في تدريبات "مجموعة المهام البحرية الدائمة 2"، التابعة…
هذا الموقع يستعمل ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) لتحسين تجربة استخدامك.
عرض التعليقات
هو هجوم روسي ,محاولة لقطع إنبوب النفط الاذري المنافس