جدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عقب لقائه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل هجومه الحاد على تركيا بسبب ” تدخلها ” في ليبيا وقال إن أنقرة تتصرف بطريقة غير مقبولة عبر استغلال حلف شمال الأطلسي، وإنه يعمل على توضيح فكرة خاطئة عن موقف بلاده من خليفة حفتر. فجاءه الرد بعد أيام من قبل واشنطن التي كشفت النقاب بالأدلة عن تمركز مجموعات ” فاغنر” أمام الخطوط الأولى على محور سرت – الجفرة وأن أميركا تتابع عن قرب ما يجري في ليبيا في محاولة فرنسية للعب الورقة الروسية ضد تركيا بالتنسيق مع مصر والإمارات .
باريس كانت تستعد لمطالبة الإدارة الأميركية بالتخلي عن دعمها لتركيا ” التي تواصل نقل المقاتلين والجهاديين إلى ليبيا ” فذكرتها قيادة ” أفريكوم” بشكل مفاجىء وبالأدلة القاطعة أن مكانها هو إلى جانبها وليس باتجاه لعب أوراق المتناقضات والاصطفاف مع أبو ظبي والقاهرة ضد تركيا، بل في خط المواجهة الأول ضد روسيا وسياستها في ليبيا التي تقود مرتزقة ينبغي إخراجها من غرب البلاد كما تقول حكومة الوفاق التي تملك الحق المشروع في التدخل العسكري لاستعادة سيطرتها على هذه المنطقة .
الخارجية الفرنسية حاولت منذ سنوات عزل تركيا وتهميش دورها في شرق المتوسط والإمساك بملف الطاقة إقليميا ولعب ملفات قبرص وبحر إيجه والتوتر التركي اليوناني لتعزيز نفوذها على حساب شركائها الغربيين فذكرتها أميركا بحدود دورها عبر الاتحاد الأوروبي نفسه بعدما دخل الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، على الخط ليعلن أن المجموعة الأوروبية تنسق مع أنقرة وأنهما يعملان سويا من أجل إعلان وقف إطلاق النار في ليبيا في إطار مسار برلين والقرارات الدولية.
حاولت باريس لعب ورقة ألمانيا ضد الحكومة التركية في ليبيا والمنطقة بهدف تشتيت انتباه الأتراك من خلال إشعال جبهات أخرى في المتوسط وإيجه ، فكان رد برلين عبر تحرك مباشر على خط الأزمات بين تركيا واليونان والتوسط السريع للحؤول دون تفجير الوضع بينهما .
وجاء كلام هايكو ماس وزير الخارجية الألماني صادما وهو يركز على أهمية الحفاظ على قنوات الحوار مفتوحة مع تركيا، البلد “المهم استراتيجيا” بالنسبة لحلف الأطلسي .
يسرد الإعلام الفرنسي منذ فترة تفاصيل الهزيمة التي منيت بها فرنسا أمام تركيا في ليبيا والمنطقة وهو يتحدث عن خسارة ” الإليزيه ” في عملية ” إيريني ” الأوروبية التي لم يعد لها أي دور. ثم فشلت في تحريض حلف شمال الأطلسي ضد أنقرة في ما وصف بحادثة التحرش المزعومة التي قيل إنها تمثلت في “إطلاق ومضات رادارات ضوئية” على الفرقاطة الفرنسية كوربيه من قبل 3 زوارق تركية ترافق سفينة شحن تركية في المياه الدولية للمتوسط. وبعدها أن خيب الاتحاد الأوروبي آمالها في الاصطفاف وراء رغبتها بموقف موحد يعطيها ما تريده في ليبيا فوجدنا وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي تشتكي الأوروبيين الذين “من المفترض أن نكون حلفاء ” بعدما خذلوا فرنسا في الكشف عن لعبتها المزدوجة .
باريس تريد دعما أوروبيا لمواقفها لكنها تتمسك بدعم المشير حفتر وتنسق مع القاهرة والإمارات لتحصل على ما تريده فجاء الجواب من نائب رئيس المفوضية الأوروبية ماغاريتس شيناس، الذي سحب البساط من تحت قدمي ” كي دورسيه ” بقوله إن دول الاتحاد الأوروبي تعمل بشكل جدي من أجل تهدئة التوتر وخفض التصعيد في شرق المتوسط وإن الاتحاد الأوروبي لن يوكل أمنه وسيادة دوله إلى أي طرف آخر.
سعت باريس للاستفادة من دعم دول أفريقيا الشمالية مثل تونس والجزائر والمغرب عبر عروض تجارية وصفقات سلاح مغرية لكن التواصل التركي مع هذه البلدان أيقظ فرنسا باكرا من الحلم، خصوصا وأن الجزائر تمسكت بمبادرتها المدعومة تونسياً وتركياً وألمانياً وأميركياً حتى اليوم ، ووجدنا أنقرة تعلن عن رغبتها برفع مستوى الاستثمارات في شمال أفريقيا وسط ترحيب أفريقي بدأ يرفض الأسلوب الاستعلائي الفرنسي و”الأبوية الفرنسية” على شعوب المنطقة هناك.
آخر ما خيب آمال فرنسا كان إعلان المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن عن وصول أنقرة وموسكو إلى تفاهمات جديدة باتجاه دعم وقف إطلاق النار في ليبيا وقرار تشكيل مجموعة عمل ثنائية تركية روسية، للدفع باتجاه تشجيع الفرقاء الليبيين على الحوار، وأن نقطة الانطلاق و”حتى يكون وقف إطلاق النار مستداما يتعين أن تكون إخلاء الجفرة وسرت من قوات حفتر ” .
ماكرون لا يريد التنازل عن الملف الليبي وشمال أفريقيا بمثل هذه السهولة وهو الذي كان يراهن على حفتر والإمارات والقاهرة ليحقق أهدافه. لكن كثيرا من اللاعبين العرب والأوروبيين وأميركا تركوه وحيدا في مواجهة تركيا حتى لا نقول إنهم انحازوا إلى جانبها بسبب ازدواجية مواقفه ومحاولة الاستقواء بأطراف هامشية الدور راهن عليها فخيبت آماله.
التفاهمات الثلاثية بين تركيا وحكومة الوفاق ومالطا قد تشكل الصفعة الأقوى لباريس عند الإعلان عن المفاجأة التي تحدث عنها أردوغان قبل أيام حول الملف الليبي والتي قد تكون تسويات بحرية بين الدول الثلاث هذه المرة .
ورطة فرنسا في ليبيا هي وصول كل عمليات الحشد والتعبئة الإقليمية التي قادتها ضد تركيا إلى طريق مسدود. ورطتها الأكبر ستكون عند ارتكابها مزيدا من الأخطاء وهي تحاول مواصلة الرد على الضربات التركية . كل ما تبقى لباريس هو البحث عن مخرج لأزمتها الدولية التي بدأت تتفاعل بسبب ما فعله شريكها خليفة حفتر في مدن غرب ليبيا والذي بدأت حكومة الوفاق والشرعية الدولية عبر المنظمات الحقوقية والإنسانية تطارده لمحاكمته على جرائم القتل الجماعي والإبادة وزرع الألغام في الأماكن السكنية في ترهونة.
وأنا أقرأ مقال ” ما الذي أغضب ماكرون هذه المرة ” شدني فيه أكثر ما شدني هو اصراره الحاقد على احباط عمل تركيا ولما انهيت قراءتي لم استغرب مشاعر الحقد في نفسه فهو سليل أكثر الصليبيين شراسة وتطرفا وحقدا ويبدو انه وبعد قرون لا يزال يعيش ويستوحي ذلك الصراع