سارعت قيادات عسكرية وسياسية ووسائل إعلام مصرية لنفي أنباء وكالة “الأناضول” التركية التي تحدثت عن إرسال جنود مصريين إلى شمالي سوريا بالتنسيق مع النظام و”الحرس الثوري” الإيراني وبموافقة روسية.
“المرصد السوري لحقوق الإنسان” تحرك لنفي الأنباء عبر “مصادر موثوقة” أكدت له، أنه لا صحة لما يتم ترويجه من قبل الإعلام التركي، لكن الرائد يوسف الحمود الناطق الرسمي باسم “الجيش الوطني السوري” في المعارضة أعطى تفاصيل جديدة حول وصول الجنود المصريين بقوله “إن 148 عنصراً من القوات الخاصة في الجيش المصري وصلوا إلى سوريا يوم الأحد 26 تموز قادمين من مدينة الإسماعيلية المصرية إلى مطار حماة العسكري وسط سوريا عبر ثلاث دفعات، وإن القوات المصرية جاءت بعد التنسيق مع الحرس الثوري الإيراني في مهمة تدريب لقوات النظام والمشاركة أيضاً معها في العمليات العسكرية التي تنوي شنها.
موضوع التقارب بين القاهرة ودمشق يناقش منذ سنوات وعلى أكثر من مستوى سياسي واستخباري واقتصادي فما الذي أغضب القيادة المصرية بدل أن تتبنى مثل هذه الأنباء طالما أنها تتواصل مع النظام في دمشق وطالما أنها لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية والسياسية به وطالما أنها تتحرك إقليميا لمحاصرة أنقرة بدعم عواصم عربية وغربية؟ احتمال أن تكون ردة الفعل سببها التشهير بالتنسيق المصري مع إيران وحزب الله وقيادات “حزب الاتحاد الديمقراطي” وبترحيب وتشجيع روسي.
منذ سنوات تتحرك مصر في سوريا بدعم وتنسيق من السعودية والإمارات وروسيا وإيران وفرنسا. القاهرة في سوريا تتحرك من خلال 3 مؤثرات أساسية: دعم مبادرة عودة العلاقات الدبلوماسية كاملة بين سوريا ومصر التي تشكل عصب العمل العربي المشترك، التنسيق التام مع سوريا في ما يوصف بـ”الحرب ضد الإرهاب”، إضافة إلى تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين.
القاهرة هي التي رعت اتفاقيتي “تخفيف التوتر” في كل من الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي، بدعم من روسيا، وهي لم تقطع العلاقة السياسية والأمنية مع النظام في دمشق وهي التي فتحت الأبواب على وسعها أمام “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي الذي ينسق مع “حزب العمال” واستقبلت صالح مسلم أكثر من مرة لتفعيل دورها في شرق الفرات تحديا للسياسة التركية. شخصيات سياسية وإعلامية وبرلمانية مصرية طالبت مرارا بعودة العلاقات كاملة بين القاهرة ودمشق “لأن مصر وسوريا تحاربان عدوا مشتركا يستخدم الإرهاب أداة في حربه” . فهل يحتاج الأمر للتفكير مطولا في من يكون هذا “العدو”؟
تقارير كثيرة أوردت أن دعماً عربياً وصل للنظام في معاركه الأخيرة في إدلب وأن عواصم عربية ترغب في تحويل نظام الأسد لرأس حربة في مواجهة تركيا . لكن الذي ستعجز القاهرة عن إقناع البعض به وهو تنسيقها مع طهران وموسكو وحزب الله في وقت واحد تحت مقولة توحيد الدول العربية للدفاع عن مصالح الأمة وتفعيل اتفاقيات الدفاع المشترك في العالم العربي. هل تقبل واشنطن بطبخة “اليخنة المصرية” هذه؟
في تشرين الثاني 2016 كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يردد “نعم أدعم الجيش السوري”. وأنه حول إمكانية اشتراك قوات مصرية في عمليات خارج البلاد إن “الأولى لمصر أن تدعم الجيش الوطني في ليبيا وكذلك في سوريا وأيضاً العراق، من أجل فرض الأمن في هذه البلدان” .
هل من المحتمل أن تدخل مصر في مغامرة عسكرية من هذا النوع لإرضاء التحالف الثلاثي العربي الذي تنسق معه وهي تعرف أنها مجبرة على أخذ الموافقة الإيرانية والروسية هناك؟ هل من المعقول أن تتجاهل واشنطن حراكا مصريا من هذا النوع يخدم زيادة نفوذ طهران وموسكو في سوريا تحت ذريعة موازنة النفوذ التركي أو قطع الطريق على تمدده في شمال سوريا؟
ما الذي ستقوله العواصم الأوروبية وإسرائيل التي تشن يوميا غارات حربية على مواقع النظام وإيران وحزب الله في سوريا بينما تحاول القاهرة إطالة عمرالنظام وحلفائه الإيرانيين تحت ذريعة تصفية الحسابات مع تركيا هناك؟
تقول الكاتبة هدى الحسيني في زاويتها في صحيفة “الشرق الاوسط قبل يومين” إن “معركة سرت تقرر مصير التدخل التركي في ليبيا”.
لكن إبراهيم حميدي في التاسع من آذار المنصرم وفي الصحيفة نفسها كان يعنون أن المشير حفتر زار دمشق سرا للتنسيق ضد أردوغان. الاقتباس طويل هذه المرة لكنه يستحق القراءة:
” الزيارة مهدت الأرضية أمام استئناف العلاقات الدبلوماسية بين «الحكومة الموازية» في بنغازي والحكومة السورية في دمشق، باركتها زيارة سرية أخرى قام بها رئيس المخابرات العامة المصرية عباس كامل لمدير مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك في الفترة نفسها. وأن الهدف المعلن من التحركات السرية، هو إعادة الحرارة إلى طريق دمشق. والهدف المضمر، هو تنسيق الجهود لمواجهة الدور التركي في ساحات عدة أهمها سوريا وليبيا، بل إن القاهرة فتحت مكتباً لـ«مجلس سوريا الديمقراطية» وأقامت حواراً سياسياً معه و«توسطت» بين دمشق والأكراد بما يؤدي إلى «مواجهة أنقرة»، في ضوء تبادل زيارات سابقة علنية وسرية بين رئيسي جهازي المخابرات في البلدين علي مملوك وعباس كامل “.
الاقتباس لم ينته:
“تعود العلاقة بين الحكومة السورية وحفتر إلى سنوات طويلة، بل إن بعض أبناء أسرته يعيشون في العاصمة السورية كما هو الحال مع أقرباء وأحفاد العقيد معمر القذافي. ومع مرور الوقت، بدأت تتراكم الظروف إلى أن انتقلت العلاقة من بعدها الشخصي إلى التنسيق العسكري والاستخباري والتعاون السياسي وصولاً إلى قيام قائد «الجيش الوطني» بزيارة سرية إلى العاصمة السورية مباشرة بعد محادثاته العلنية في أثينا في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي. حسب المعلومات المتوفرة، فإن «البرنامج السوري» لحفتر، الذي يعتقد أنه التقى مسؤولين عسكريين وأمنيين، تناول إقامة علاقات ثنائية وفتح أقنية التنسيق والتعاون ضد تركيا. تضمن ذلك، بحث إرسال خبراء عسكريين وأمنيين ومقاتلين للمساهمة إلى جانب «الجيش الوطني» ضد قوات حكومة الوفاق في طرابلس برئاسة فائز السراج، بالتزامن مع قيام روسيا بإرسال مقاتلين سوريين من مناطق استعادت قوات الحكومة السيطرة عليها، خصوصاً في غوطة دمشق، واستخدام قائد مرتزقة «جيش فاغنر» قاعدة حميميم لنقل معدات وذخائر إلى مسرح المعارك في ليبيا “.
فلماذا خبر إرسال قوات مصرية الى شمال سوريا يغضب القاهرة بعد كل التفاصيل الدقيقة التي قدمها هذا التقرير قبل أشهر ؟
بالنسبة لدمشق دخول قوات مصرية إلى سوريا هو أمر مرحب به طالما أنه يتم بالتنسيق مع النظام وأن هدفه هو مساعدته على استرداد كامل سيطرته على الأراضي السورية. دخول قوات مصرية إلى سوريا يعني بالتالي حدوث التحول المطلوب من قبل نظام الأسد في مواقف العديد من الدول العربية الداعمة للمعارضة السورية وأن خطوة من هذا النوع ستكون مقدمة لانفتاح عربي وخليجي على دمشق وفك عزلتها وإعادة الاعتراف بها تحت سقف الجامعة العربية وتحول في المواقف المصرية والسعودية والإماراتية حيال قوى المعارضة السورية الموجودة فوق أراضيها وتركها بين خياري الانفتاح على الحوار مع النظام أو المغادرة إلى مكان آخر.
الحراك المصري يخيف أنقرة في نقطة واحدة أن يكون هو الضوء الأخضر الإقليمي والغربي لإطلاق رصاصة الرحمة على تماسك سوريا ووحدتها ويفتح الطريق أمام مشروع التقسيم الذي يتمسك به البعض.
أقلام عربية وغربية كثيرة ترسم سيناريوهاتها على أساس أن التاريخ في المنطقة يعيد كتابة نفسه مجددا لمواصلة طريقه حيث توقف عند اتفاقية سيفر 1919:
المواجهة التركية مع مصر تعني الحرب مع العالم العربي.
المواجهة التركية مع اليونان تعني الحرب مع الاتحاد الأوروبي.
المواجهة التركية مع أرمينيا تعني انفجار العلاقات التركية الروسية. أوروبا والعرب وروسيا في خندق واحد ضد تركيا.
نحن في العام 2020 وهناك حصص أميركية وصينية وإيرانية وإسرائيلية ينبغي احترامها حتما.
نحن في العام 2020 قرار “القوات تتقدم” لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار حالة الاحتقان والغليان الشعبي والجماهيري المكبوت اجتماعيا ومعيشيا وفكريا والذي يتريث بانتظار فرصة من هذا النوع. ضبط الداخل أهم بكثير من استعراضات الخارج وهم يعرفون ذلك أيضا.