أصدقاء كليتشدار أوغلو
أقام حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، الشهر الماضي، مؤتمره العام في العاصمة أنقرة، وانتخب كمال كليتشدار أوغلو رئيسا له مرة أخرى، كمرشح وحيد، بعد أن فشل المنافسون المحتملون في الحصول على العدد المطلوب من تواقيع أعضاء الحزب لخوض سباق الرئاسة. وذكر كليتشدار أوغلو في كلمته بالمؤتمر إنهم سيصلون إلى الحكم من خلال التنسيق والتعاون مع أصدقائهم.
كلمة كليتشدار أوغلو أثارت علامات استفهام حول هوية هؤلاء “الأصدقاء”، ودورهم المتوقع في وصول حزب الشعب الجمهوري إلى الحكم. وأشار بعض المحللين إلى رئيس الجمهورية السابق عبد الله غول، والزعيمين المنشقين عن حزب العدالة والتنمية، علي باباجان وأحمد داود أوغلو، بالإضافة إلى الحزب الجيد، وحزب الشعوب الديمقراطي، وحزب السعادة؛ حلفاء حزب الشعب الجمهوري. ثم جاءت تصريحات جو بايدن، مرشح الحزب الديمقراطي لرئاسة الولايات المتحدة، فاكتملت الصورة.
بايدن في تصريحاته لصحيفة نيويورك تايمز، هاجم رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، وشدد على ضرورة تبني نهج جديد لإسقاطه عبر الانتخابات من خلال دعم المعارضة التركية، وليس عبر انقلاب عسكري. وإن كانت هذه التصريحات قد صدرت من المرشح الديمقراطي نهاية العام الماضي، فإنها تعكس بلا شك عقلية الرجل، وما يخططه بوضوح، وتفسر بعض ما يجري في الساحة السياسية التركية.
الولايات المتحدة تتدخل في الشؤون التركية منذ تبني واشنطن سياسة احتواء الاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية، بناء على توصيات الدبلوماسي والمؤرخ الأمريكي جورج كينان، الملقب بـــ”مهندس الحرب الباردة”. وليس سرا وقوف البنتاغون وراء الانقلابات العسكرية ومحاولاتها في البلاد. وتوحي التطورات التي تشهدها تركيا منذ فشل محاولة الانقلاب العسكري التي قام بها ضباط موالون للكيان الموازي في 15 تموز/ يوليو 2016، بأن النهج الجديد الذي يتحدث عنه بايدن يتم تطبيقه حاليا في تركيا.
لا تخفى على متابع للشؤون التركية محاولات هندسة المعارضة لتشكيل جبهة عريضة من أجل إسقاط أردوغان وحزبه عبر صناديق الاقتراع. وكانت أولى ثمار تلك المحاولة فوز مرشحي حزب الشعب الجمهوري في أنقرة وإسطنبول في الانتخابات المحلية الأخيرة، بفضل أصوات الناخبين الموالين للحزب الجيد وحزب الشعوب الديمقراطي وحزب السعادة. ولذلك، فإنه ليس من الغريب أن يشير بايدن في تصريحاته إلى تلك الخسارة الانتخابية التي مني بها حزب العدالة والتنمية، وكأن المرشح الديمقراطي لرئاسة أمريكا يدعو في تصريحاته إلى نقل هذه التجربة إلى مرحلة متقدمة وتطبيقها في كامل تركيا.
الولايات المتحدة تدعم المعارضة التركية حاليا بشتى الطرق. ولفت مركز التقدم الأمريكي في تقريره حول وضع الإعلام في تركيا، إلى تمويل واشنطن لمواقع إخبارية تركية، ذكرها بأسمائها، داعيا إلى استمرار هذا الدعم لوسائل الإعلام المعارضة للحكومة، على الرغم من عدم نجاح تلك المواقع في تحقيق التأثير المرجو على الرأي العام التركي.
الحديث الذي يدور في الكواليس يشير إلى تنسيق بين عبد الله غول ورئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، وأن تعيين المدير العام السابق لبنك الزراعة التركي، جان آكين تشغلار، سكرتيرا عاما لبلدية إسطنبول الكبرى، تم بناء على طلب غول، علما بأن حزب الشعب الجمهوري سبق أن اتهم تشغلار بالفساد. وكان كليتشدار أوغلو سعى إلى تقديم غول كمرشح توافقي لأحزاب المعارضة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وفشل في ذلك، إلا أن هذه الفكرة – على ما يبدو- ما زالت تعشعش في رأسه، بدليل أنه حين سئل عن احتمال ترشيح غول لرئاسة الجمهورية كمرشح حزب الشعب الجمهوري، تهرب قائلا: “لماذا يخاف حزب العدالة والتنمية من ترشيح غول؟”، بدلا من أن ينفي هذا الاحتمال برمته. تشير جميع المؤشرات إلى أن غول من أهم أصدقاء كليتشدار أوغلو.
النهج الجديد الذي تبنته الولايات المتحدة للتدخل في الشؤون التركية بعد فشل محاولة الانقلاب العسكري أكثر تعقيدا، ومبني على إسقاط أردوغان في إطار اللعبة الديمقراطية. ويهدف هذا النهج لإبعاد أكبر نسبة ممكنة من الناخبين عن التصويت لحزب العدالة والتنمية، من خلال تضخيم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وتحميل الحكومة مسؤولية كافة السلبيات، ودعم المنشقين عن حزب العدالة والتنمية، وتحريض المسؤولين والسياسيين الذين يعتقدون بأنهم لم ينالوا المناصب التي يستحقونها؛ على الانضمام إلى صفوف المعارضة، والتواصل مع الجماعات الدينية والطرق الصوفية لكسب أصوات المنتمين لها لصالح المعارضة، في مقابل بعض الوعود.
يبدو أن المعارضة التركية تعلق آمالها على فوز بايدن في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل للحصول على دعم أمريكي أكبر في رئاسته. إلا أن أصدقاء كليتشدار أوغلو، مهما حصلوا على ذاك الدعم، فيجب أن يقنعوا الناخبين الأتراك أولا بعدم التصويت لأردوغان وحزبه، ما يعني أن الساحة السياسية في تركيا ستشهد معارك دعايات عنيفة في الأيام القادمة. ومن المؤكد أن مستوى الوعي الديمقراطي الذي يتمتع به الشعب التركي ومدى نجاح حزب العدالة والتنمية في توعية الناخبين؛ سيلعبان دورا كبيرا في التصدي لهذا النهج الأمريكي الجديد في التدخل بالشؤون التركية.