حين ازدادت وتيرة الهجرة اليهودية نحو فلسطين أواخر العام 1930، اختار الجمهور العربي منذ البداية تعريف هذا الخطر الوشيك؛ ألا وهو “إقامة دولة يهودية على الأراضي الفلسطينية”، على أنه “الشاغل الأساسي للعرب.
ووفقًا لعالم الحس والعاطفة العربي، فإن الأمر كان على النحو التالي؛ ابن العم الجشع يريد اغتصاب أرض أجداده التي لا يوجد له فيها حق ولم يقدّم فيها تعبًا. مما يعكس كيف كانت “القضية الفلسطينية” قضية وطنية بالدرجة الأولى، ومن ثمّ يأتي البعد الديني.
ومن وجهة النظر تلك، نجد أن العرب حاولوا التعامل أو مواجهة “مشكلة إسرائيل” بمفردهم وبجهودهم الخاصة في المقام الأول. إلا أنه بسبب الصراعات والنزاعات التي لا تنتهي فيما بينهم، نجد أن الثلاثة حروب في “1948، 1967، 1973” حُسمت لصالح إسرائيل، وساهمت في زيادة قوتها في كل مرة، وترسيخ مكانتها في المنطقة.
هدف من حرب دارت
كان هدف ملك الأردن عبد الله عام 1948 أي في أول حرب دارت، هو سلامة بلده الصغير. لقد وضع الجيش المدرّب والمنضبط “الفيلق العربي” تحت قيادته، ليس من أجل القضاء على إسرائيل، بل لإظهار نفوذه وكسب مزيد من الأراضي.
وحينما وضعت الحرب أوزارها كان المشهد على الأرض تمامًا كما خطط له؛ تمكن من ضم الضفة الغربية والقدس الشرقية إلى حدود مملكته، إلا انه في الوقت ذاته أعلن قبوله التعامل مع إسرائيل كمخاطب شرعي، ووقف عند حدود القدس الغربية.
ولقد أدت هذه السياسة المتناقضة إلى مقتل الملك عبد الله على يد فلسطيني في القدس عام 1951.
حرب الأيام الستة
أما حرب “الأيام الستة” الشهيرة عام 1967 فقد سجلت هزيمة كاملة للعرب، كما وسّعت إسرائيل حدودها ثلاثة أضعاف ونصف، حيث احتلت الضفة الغربية والقدس الشرقية (الأردن)، ومرتفعات الجولان في سوريا، وشبه جزيرة سيناء في مصر، ومزارع شبعا في لبنان.
جميع هذه الدول العربية التي فقدت كل هذه الأراضي الاستراتيجية لصالح إسرائيل، زادت من تعميق الخلافات فيما بينها.
حتى عندما اضطروا للاجتماع على طاولة واحدة، إثر إضرام النار في المسجد الأقصى عقب عامين من الاحتلال الإسرائيلي لتلك الأراضي، كان معظم هؤلاء القادة يبغضون بعضهم بعضًا.
حرب عام 1973 (يوم كيبور)
وإلى حرب عام 1973 (يوم كيبور)، كان من اللافت أن مصر تمكنت من كسر الخطوط الإسرائيلية في سيناء إلى حد ما.
إلا أنه بكل حال لم يكن هدف الرئيس السادات هو القضاء على إسرائيل، بل إظهار أن بلاده قوية بما يكفي لصنع السلام مع إسرائيل.
وفي واقع الأمر نجد أن الولايات المتحدة وإسرائيل اللتين لم تأخذا على محمل الجد إشارات السادات قبيل الحرب، رأتا لاحقًا أنه لا ينبغي تجاهل مصر، ومن ثمّ تم فتح الطريق نحو اتفاقية كامب ديفيد بهذه الطريقة.
وكان السادات مرتاحًا في المعسكر المقابل، بينما تم اغتيال الملك السعودي الراحل فيصل عام 1975، الذي دعم بسخاء كبير مصر في حربها الأخيرة وشجّع على تدمير إسرائيل بالكامل.
إلا أنه حتى السادات تم اغتياله كذلك الأمر عام 1981، بسبب سياسته إزاء إسرائيل ذاتها.
الأردن ومعاهدة سلام مع إسرائيل
وقّعت الأردن التي أصبحت رهن بقائها على قيد الحياة مساعدات من الولايات المتحدة وبريطانيا، على معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1994، لتكون ثاني دولة عربية توقع معاهدة من هذا النوع، بعد مصر التي وقّعت بهزيمة على كامب ديفيد عام 1979، ولم يكن الشعب العربي مستغربًا كثيرًا مما فعلته الأردن آنذاك.
كانوا تقريبًا يفهمون الأردن، بسبب خسائر وتراجعات مستمرة، وهزائم على جميع الجبهات، وانهيارات اقتصادية، وصراعات لا نهاية لها في العالم الإسلامي؛ لم يكن هناك مجال لمجرد الغضب على الأردن. وربما كان السبب الآخر غير ذلك لتبرير موقف المملكة الأردنية، هو القرب الجغرافي من إسرائيل.
الإمارات واتفاق التطبيع مع إسرائيل
أما الآن وبعد كل هذه السنوات، فإن السبب وراء الغضب العارم من جلوس الإمارات جنبًا إلى جنب مع إسرائيل، هو تحول قضية “التطبيع” إلى فخ لا يخدم سوى مصالح إسرائيل.
كما أن هناك شكوكًا عميقة ومحقة في الوقت ذاته، حول سعي الإمارات الحثيث فجأة نحو “السلام” مع إسرائيل، بينما لا يوجد بينهما قرب جغرافي ما، ولم تدخلا في حرب من قبل. وفي السياق ذاته، لم تأتِ هذه الاتفاقية المشؤومة بأي من الفائدة لا على فلسطين ولا على العالم العربي، فضلًا عن العقل السياسي الذي يقود الإمارات.
لكن حسنًا، دعونا نسأل؛ ألا يمكن صنع سلام مع إسرائيل؟ أو هل من الضروري أن يكون هناك صراع مستمر بكل الأحوال معها؟ دعونا نناقش هذه الأسئلة والجوانب المختلفة للقضية في المقال القادم بعون الله.
.