عندما انتهى عهد قرابة 400 سنة حظي فيها الشرق الأوسط بالأمن والاستقرار إبان حكم الإمبراطورية العثمانية، كانت فلسطين أكبر
ضحية للنظام الجديد الذي أسسته الدول الإمبريالية. لم يكن ذلك نتيجة السياسات المنافقة وغير المتسقة للإنجليز فحسب،
بل السبب الأكبر والأكثر أهمية كان الصراعات العميقة بين العرب، والشكوك التي استولت على العقول بشأن فلسطين. لمن كانت
فلسطين، ومن هم الفلسطينيون؟ وأي دولة عربية ستكون صاحبة الرأي في فلسطين؟ وإذا ما تم الدفاع بشكل جماعي عن فلسطين،
فمن سيساهم وبماذا وبكم وماذا سيحصل في النهاية؟ وما هو مكان الفلسطينيين أنفسهم من هذا الصراع؟ هذه الأسئلة المعقدة
والعشرات مثلها وعشرات الأجوبة عليها، شكّلت مع مرور الوقت نوعًا من المغامرة المعقدة التي تشكل بدورها تاريخ هذه الأزمة
التي نختصرها بكلمة “القضية الفلسطينية”. وبينما أدّى الوجود اليهودي على الجانب الآخر إلى دفع عجلة النقاش نحو “محور العروبة”،
كان هناك أيضًا مع مرور الوقت انخراط في العملية من منطلق المبادئ الإسلامية. ولقد أدت الاختلافات هذه إلى التمايز بين مبادرات
الحل. وكلما كانت الجبهة الفلسطينية تنقسم باستمرار داخل نفسها، كانت إسرائيل في المقابل تستفيد من الوضع الفوضوي الناتج عن
ذلك دائمًا.