حظوظ أردوغان وحزبه في الانتخابات القادمة
تتكرر منذ فترة مطالبات المعارضة التركية بإجراء الانتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة قبل موعدها الأصلي بحسب المدد الدستورية في 2023 القادم،
بدأت تلك المطالبات من إلى أن رئيس حزب السعادة المعارض تيمل قره ملا أوغلو في مؤتمر الحزب بمدينة سطان غازي نهاية عام 2019
بالبدء في نقاش إجراء انتخابات المبكرة وحدد لها شهر يونيو أو أكتوبر من عام 2020، وعلى دربه مشي النائب في حزب الخير لطفي توركان،
ولا يتوقف حزب الشعب الجمهوري عبر أذرعه الإعلامية أو من خلال مطالبات نوابه في تصريحات صحفية مباشرة من المطالبة بهذا الطلب،
من جهة أخرى يقف حزب الحركة القومية بقيادة دولت بهجلي سدا منيعا أمام هذه المطالبة، وعلى خطه يقف بحرص حزب العدالة والتنمية
الحاكم، فهل الانتخابات المبكرة ستقصي أردوغان وحزبه عن المشهد السياسي، ومن أين تأتي المعارضة بهذه الثقة في النتائج لتطالب بالإسراع
في الانتخابات قبل موعدها الدستوري؟
شهدت تركيا في الفترة الأخيرة تأسيس ثلاثة أحزاب جديدة أنشق قادتها عن أحزابهم الرئيسة، آخرهما حزبي المستقبل والديمقراطية
والتقدم بعد انشقاق أحمد داود أوغلو وعلي باباجان عن العدالة والتنمية، فيما سبقتهم ميرال أكشنار بتأسيس حزب الخير بعد انشقاقها
عن حزب الحركة القومية، ومع الأنباء التي أكدت أن المرشح الرئاسي عن حزب الشعب الجمهوري محرم انجه أسس حزبا جديدا انشقاقا
عن حزبه باسم حركة وطن تكون الأحزاب التركية الكبيرة قد شهدت انشقاقات خلال فترة حرجة من عمر البلاد.
باستعراض الواقع العملي للأحزاب التي انشقت، نجد أن حزب الخير بقياد ميرال أكشنار الأفضل على المستوى الجماهيري، فقد استطاعت
ميرال أكشنار أن تسحب جزءا لا بأس به من حزب الحركة القومية الذي انشقت عنه مستعينة بالخلطة السرية لحزب العدالة والتنمية التمسك
بمخاطبة الطبقة المحافظة واستقطابها وخدمة الجماهير على الأرض، مع ذلك لم تقدم أكشنار المأمول من الجماهير التي أعطت حزبها
أصواتها في الانتخابات الماضية، فلم تر الجماهير سوى وعود وخطب تلاشت مع الوقت حتى تحولت لغزل للحزب الحاكم وصولا
إلى حديث عن تحالف محتمل معه.
إقرأ إيضا : تركيا في السياسة الفرنسية.. تاريخ من الأزمات
أما الحزبين الآخرين، والخارجين عن حزب العدالة والتنمية (المستقبل لداود أغلو والديمقراطية والتقدم لباباجان)، فالأول يعاني
انقسامات وانشقاقات قبل أن ينخرط في العمل الجماهيري ويدخل المعترك الفعلي في انتخابات محلية أو نيابية، فمنذ أيام
شهدت العاصمة أنقرة استقالة جماعية لأعضاء حزب المستقبل فيما رأوه تراجعا عن رئيس الحزب أحمد داود أغلو عن مضمون
خطابه وأهداف الحزب متهمين إياه بعدم الجدارة والحيد عن العدالة.
أما باباجان فلم يظهر له وجود جماهيري حقيقي في الشارع التركي، لذا فهو يعوض ذلك الانحسار الجماهيري بظهور إعلامي ناقد
وناقض لسياسات تركيا الاقتصادية وسياسات الرئيس لجذب جزء من معارضي الرئيس لحزبه، وتكمن مشكلة باباجان أن المعارضة
ترى فيه رجل العدالة والتنمية بأيدلوجيته ويرى الموالون أنه خرج عن الصف ويقسم الأمة.
وأخيرا، فحظوظ الوليد الجديد، الذي لم يسم حتى كتابة هذه السطور، لصاحبه محرم انجه، لا يمكن التنبؤ بها، لكن استطلاع
الرأي الذي طلبه انجه من خلال سؤال الحاضرين للمؤتمر العام في دورته الــ 37 عمن يستحق رئاسة الحزب، والذي على إثره قرر
انجه تأسيس حزبه، أظهرت نتائجه أن 54.5 % من أعضاء المؤتمر العام للحزب يدعمون محرم إنجه في حين صوت 16 % من
المشاركين لكيليجدار أوغلو (الرئيس الحالي للحزب) فيما منح البقية أصواتهم إلى أكرم إمام أوغلو (رئيس بلدية إسطنبول الحالي)
ما دفع إنجه إلى تأسيس حزبه، لكن نتيجة الاستطلاع تعد كارثية على مستوى حزبه القديم.
إقرأ إيضا : داود أوغلو يهاجم ماكرون
لا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار أن حزب العدالة والتنمية نفسه يعاني، وتتضخم تلك المعاناة من خلال الإعلام الذي يعمل
بأجندات تارة أو رغبة في الإثارة وجلب المتابعين تارة أخرى، ولا شك أن وجودة في السلطة يجعل الأضواء أكثر تسليطا عليك،
لكن النجاحات التي حققها العدالة والتنمية في ظل التحديات الإقليمية والدولية وكذا الاقتصادية المختلفة، مع وجود كارزيما
لا يمكن إنكارها لرئيسه ، والتي تحاول المعارضة إسقاط هيبتها بكل طريقة، تجعل للحزب قيمة مضافة، فالتركي يربط بالشخص
بنسبة كبيرة، وأغلب الأحزاب في تركيا من ظهور الجمهورية وحتى يوم الناس هذا أسست على شخص منشئه، بغض النظر عن
برنامجه، لمن لا يعرف الأتراك، لذا فإن حفاظ العدالة والتنمية على شعبيته المريحة لمنافسة جادة في الانتخابات القادمة، رغم
كل تلك الضربات يعد انجازا للحزب ورئيسه.
.