كشف رائد الفضاء السوري محمد فارس، أنه وجد ذاته في تركيا، مع إلقائه المحاضرات العلمية بالمدارس والجامعات والمعاهد العلمية، بعد أن كانت “مقننة” في سوريا، ويعمل فقط بوظيفة إدارية في قيادة القوى الجوية.
جاء ذلك في حوار أجرته وسائل إعلام محلية تركية مع فارس، الذي انتقل إلى تركيا بعد بدء الحراك الشعبي ضد نظام بشار الأسد، وحصل على
الجنسية التركية مؤخرا، حيث استعرض خلاله قصة حياته ومشاريعه المستقبلية.
ومحمد فارس أول رائد فضاء سوري صعد إلى الفضاء في رحلة مشتركة مع الاتحاد السوفيتي عام 1987، ونال شهرة كبيرة على
الصعيد السوري والعربي والدولي.
حققت ذاتي في تركيا
فارس قال في حديثه: “كرائد فضاء أو أي مختص، يجد نفسه حينما يعمل في مجاله، وعندما كنت في سوريا محاضراتي كانت
مقننة، لكن في تركيا انطلقت بمحاضراتي وأنا سعيد لأني أشعر بأداء واجبي الداخلي الإنساني والأخوي”.
وأضاف: “عند إلقاء المحاضرات أشعر بأني مع أبناء سوريا، وشعرت بتجاوب الطلاب الأتراك، كما قدمت بمراكز ثقافية محاضرات
في أنقرة وولايات أخرى”.
وتابع: “إضافةً لكثير من الندوات واللقاءات العلمية لإظهار مهارات الشباب في التصنيع والاختراعات، حيث أعطي تقييمي وتقديري،
والطلاب بدورهم كانوا سعداء بمشاركة رائد فضاء”.
وشدد فارس بالقول: “تكمن أهمية رائد الفضاء بأنه رمز مشجع للعلم الذي أمارسه، فكنت سعيدا، وكانت سعادتي تكمن بأني
حققت ذاتي في تركيا”.
وأردف: “أشعر بوجودي عندما ألقي محاضرات للطلبة الأتراك وهم أبنائي، هذه النقطة أعطتني راحة نفسية”.
تجاهل النظام السوري للعلوم الفضائية
وعن حياته قبل قدومه إلى تركيا، قال فارس: “كنت سعيدا بلا شك، ولكن كانت هناك منغصات، النظام معروف للعالم أنه طائفي
لذلك يتعامل مع أبنائه بنوع من التمييز، وهو تمييز مقيت”.
وأردف: “كنت أعيش حياة طبيعية ولم يكن هناك اهتمام بالعلوم الفضائية والتطوير، لأني كرائد فضاء كان طموحي كبير في تطوير
المنجزات الفضائية على الأرض بعد الرحلة الفضائية”.
واستطرد: “علوم الفضاء حاليا هي التي تسيطر على الأرض، وهي مستقبل العالم”.
وتابع: “بذلت جهدي ولكن لم أتلق من الحكومة أي تجاوب، وعدت لعملي كإداري في قيادة القوى الجوية، ولكن لم أحبط شخصيا،
فتابعت إلقاء محاضرات في مجال علوم الفلك والفضاء، وإحاطة جيل الشباب والأطفال في سوريا بأهمية علوم الفضاء وأهمية
تكنولوجيا الفضاء”.
واستدرك: “مع قيام الثورة (2011) كنت سعيدا لأن القمع على الأرض كان كثيرا وبات مكشوفا، ويدخل في كل زوايا سوريا، لم يترك زاوية
إلا وقمع الشعب من الناحية العلمية والأخلاقية والحركية”.
النظام حجبني في سوريا
فارس مضى متابعا حياته في سوريا بالقول: “كنت أعيش مثل أي إنسان ولم أكن متميزا من الناحية المادية، كنت أعيش على راتبي ولكن
مرتاح ماديا، كان لدي منزل ومزرعة وسيارتين ولكن نظام بشار استولى عليها”.
وأفاد قائلا: “النظام يعتبر سوريا مزرعته وكل ما فيها ملكه من البشر والحجر والشجر، ولذلك قامت الثورة”.
وأضاف: “النظام الديكتاتوري وقائده لا يريدون إبراز اسما آخر، ربما لأسباب طائفية، أو دكتاتورية، ربما لذلك عمل على وضع الغطاء
علي كرائد فضاء”.
وأوضح أنه “عندما صعدت للفضاء وهبطت كان الكلام أن السوريين سيعلمون أبناءهم (بابا ماما محمد فارس)، وأذكر كثيرا من
المواليد عام 1987 أطلق عليهم اسم محمد فارس”.
واستكمل: “من هنا كانت النظرة الديكتاتورية فعمل على حجبي في المنزل 9 سنوات تقريبا، عبر نظام بشار الأسد، وقبله نظام
حافظ الأسد، ولذلك ما كان علينا سوى التحلي بالصبر”.
سنوات من محاضرات الفضاء بالمدارس والجامعات التركية
وعن قدومه لتركيا وما فعل بعدها، قال فارس: “كان هدفي الأساسي دعم أهلي السوريين، كموقف إنساني أخلاقي وموقف وطني،
يجب أن أقف إلى جانب المظلومين والمقهورين”.
واستطرد: “هذا ما عملته وحاولت التوفيق بين الفصائل الثورية في مدينة الريحانية، ولكن المناخ العسكري والظروف التي أحاطت
بالثورة منعتني من تحقيق ذلك”.
وأردف: “جئت لإسطنبول وبدأت أدخل في مجال الفضاء، ومن سنوات أحاضر في المدارس التركية والثانويات والجامعات وفي مركز
(إف أوزاي)، كان يحضر الطلبة أسبوعيا للمحاضرة وشعرت بسعادتهم وكأني والدهم، والجميع كان مسرورا”.
وذكر فارس أن “المركز كان قد أعد بدلات فضائية للطلاب وكل أسبوع كان هناك درسين، لمحة عن الفضاء ورحلتي، بالإضافة لأهمية
الفضاء وتكنولوجيا الفضاء”.
وأكمل: “أي تيار يجب أن يخلق من الطلاب، والانطلاق للفضاء عبر رائد الفضاء الذي يعتبرونه إنسانا غير طبيعي، صعد للفضاء ولبس
البدلة، ودخل في الظلمة الكونية، ومارس العمل الفضائي بشكل مباشر، وتعرف على الفضاء والتكنولوجيا الفضائية”.
وذكر قائلا: “قدمت قرابة ألف محاضرة، بعضها في معهد (بيليم مركزي) بولاية بورصا، وهو مركز واسع لم أجد مثله بإسطنبول،
كان هناك نحو 4 محاضرات أسبوعيا وهو مكان متطور ويحتوي على قبلة فضائية، وقاعة تمثل جو المريخ، وقاعة لتاريخ الفضاء”.
التوعية بأهمية علوم الفضاء
كما أعرب فارس، عن سعادته بالحصول على الجنسية التركية، مردفا “لأني أعتبر الشعبين السوري والتركي شعبا واحدا، لما لديهما
من تاريخ مشترك”.
وأردف: “أنا سعيد لأني سأستطيع التحرك داخل تركيا وخارجها براحة، لحضور مؤتمرات علمية خارجية حيث تصلني دعوات كثيرة”.
وتابع: “عرض علي الاستقرار في ألمانيا والنمسا، ولكن أشعر بوجودي في تركيا، لأن الشعب السوري والتركي واحد ونحن إخوة، وأغلب
من يلجأ لدول أخرى يحاول إظهار ما لديه من إمكانيات وكفاءات”.
واستدرك: “أعمل من خلال محاضراتي على توعية الجيل القادم بأهمية العلوم الفضائية، وعندما تريد إخراج رائد فضاء أو قمر
صناعي فهذا يعني تطوير كافة العلوم، فالصاروخ والقمر الصناعي والمركبة، وراءها عشرات آلاف المختصين وهو ما يعني تحريض
وتهيج لكل أنواع العلوم”.
وزاد: “زرت مركز تركسات بأنقرة، تركسات 8 (قمر صناعي) يصنع بأياد تركية، وهي خطوة جيدة، وقلت يجب تطوير الصواريخ
التي يجب أن تحمل الأقمار الصناعية، الصاروخ الحامل مسألة مهمة، وتكنولوجيا الصواريخ تفيد بكل الاتجاهات وحتى العسكرية”.
وأفاد قائلا: “قبل أيام وجدت على وسائل التواصل الاجتماعي شبانا أتراك هواة أطلقوا صواريخ، كنت سعيدا لأني رأيت هذا المشهد
في إحدى المدارس الأوروبية قبل 30 عاما، ولاحظت تدريس ذلك بتركيا وهو يحتاج لدعم حكومي ومحاضرات تشجع الدعم والتطوير”.
تركيا تلعب دورا إيجابيا في سوريا
وذكر رائد الفضاء السوري، أنه “قبل 30 عاما وبعد عودتي من الفضاء بأربع أو خمس سنوات، اقترحت عمل صفحة عن الفضاء
وعلوم الفلك بالجريدة الرسمية، واجتمعنا بعدد من الفلكيين لتطوير المناهج الدرسية”.
وقال: “لذا أفكر وأنا غير مطلع على المناهج التركية بإدراج مواضيع تهم الفضاء وعلومه وصولا للثانوية بالحديث عن أهمية التكنولوجيا
وتوسيع الآفاق للطلبة”.
وتابع: “كل شيء يبدأ من الطفل الصغير وإن شاء الله نعمل على تطوير المناهج وإبراز أهمية علوم الفضاء”.
واستطرد: “أعلنت منذ زمن بعيد في محاضراتي بأني قبل حصولي على الجنسية أشارك في تطوير وإعلان أهمية تكنولوجيا الفضاء
وخاصة مع جيل المدارس وصولا للجامعات، كما أعلنت منذ زمن استعدادي للمساعدة لأني أشعر أني في بلدي، المسألة
لا تتعلق بالجنسية”.
وتابع كلامه بالحديث عن سوريا قائلا: “هناك صراع كبير على أرض سوريا من قوى مختلفة إقليمية ودولية، وتركيا لها دور
إيجابي في الحل بسوريا، ووجودها هناك يساعد على الاستقرار”.
وختم فارس بالقول: “التواجد الروسي الإيراني دمر وقتل الآلاف، ولكن التواجد التركي كان عنصر استقرار، وبالمظاهرات السوريون
يتعانقون مع الجنود الأتراك، كعامل أمان، ونتمنى عودة الأمان والاستقرار، وعودة الناس لبيوتهم”.
.
إقرأ إيضا : تركيا تمنح جنسيتها لـ رائد الفضاء السوري الأول.. من هو؟
.
المصدر/ A,A