من الواضح أن هناك أصواتًا تأتي من هنا وهناك، لا سيما من اللاعبين الأجانب، وما هي في الحقيقة إلا أصداء مشوّهة. إلى الآن لم تدخل مرحلة المفاوضات، ومن اللازم أن يظل الوضع على هذا النحو فترة من الوقت. الشروط التي وضعتها باكو وأكد عليها الرئيس الأذربيجاني إلهام عليف لا تزال مطروحة، وحين تلبية هذه الشروط يبدأ الحديث حينها عن الحسابات القديمة. وفي السياق ذاته علينا أن لا نغفل تأكيد عليف على أهمية وجود تركيا على طاولة المفاوضات.
كذلك الأمر في يريفان حيث مواقع القوات المعروفة بنشاطها تسير على النحو ذاته، ولا شك أن الموقف الروسي يخضع لمراقبة عن كثب، سواء من خلال ما يمكن أن نعتبره جوابًا روسيًّا على اتصالات باشينيان المتكررة، أو التصريحات الرسمية التي تبدو وكأنها شكلية خالية من أي واقع ملموس.
وعلى صعيد آخر هناك أمور مهمة جدًّا يجب النظر لها بعناية، كالحديث عن تصريحات أكثير تفصيلًا سيتم الإدلاء بها من خلال مجموعة “مينسك”، واللقاء الذي جرى بين وزيري الخارجية الروسي والأرميني، فضلًا عن الأخبار التي تتحدث عن أن وفدًا عسكريًّا روسيًّا بقيادة وزير الدفاع، توجه إلى أرمينيا وجرت محادثات استشارية بين الطرفين، حسب هذه الأخبار.
البعض قرأ هذه الأخبار على أنها محاولات إقناع روسية، إن لم نصفها بدعوات استسلام. كما أن البعض اعتبر ذلك أرضية للتصريحات التي سيتمخض عنها لقاء مجموعة “مينسك”.
لقد كتبت منذ اللحظات الأولى، أن هناك تطورًا في المرحلة التي ستحقق فيها أذربيجان النصر، ولقد بدأت أولى خطوات هذه المرحلة، وإننا نأمل أن تسفر عن نتائج مرضية تحقق تطلعات البلد الشقيق.
منذ إطلاق الرصاص الأولى ضمن النزاع المسلح الأخير حتى اللحظة، فإن الصراع الأذربيجاني-الأرمني يتم التعامل معه؛ إما من خلال متابعة التطورات على الميدان وملاحظة الدعم التركي القوي، أو من خلال قراءة مواقف أو مواقع اللاعبين الأجانب الذين تربطهم مصالح أو علاقات بهذا الملف.
كما أننا لا نغفل بدون شك محاولات قراءة هذا الصراع في ضوء التوازنات الإقليمية والدولية في مناطق أخرى، وإن هذا النوع من القراءات وإن كان محدودًا حتى اللحظة، إلا أنه قيم للغاية.
لقد سألنا سابقًا؛ هل يمكن أن تكون التطورات في القوقاز او آسيا الوسطى مثلًا، منفصلة عما يحصل في أوكرانيا، بيلاروسيا، شرق البحر المتوسط، سوريا، العراق وإسرائيل ومن يدعمها، أو ليبيا على سبيل المثال؟ لطالما كانت الإجابة في كنه السؤال ذاته.
منذ الساعات المبكرة أمس أي في اليوم الذي كتبت فيه هذا المقال، كانت التطورات في قيرغستان متقلبة للغاية، احتجاجات ملتهبة سرعان ما توسعت في أرجاء العاصمة “بيشكيك”، بعد ذلك بوقت قصير تعلن اللجنة المركزية القيرغيزستانية إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 4 أكتوبر/تشرين الأول، ومن ثمّ يعلن الرئيس سينبيكوف عن وجود محاولة انقلاب تحدث في البلاد.
ألا يمكن اعتبار ذلك من جملة التطورات القائمة يا ترى؟
على الأقل ندرك أن ذلك ليس من قبيل المفاجأة أو الصدفة، لم يمض أسبوع على مقالي يوم 30 سبتمبر/أيلول حينما أشرت فيه ضمن الحديث عن الصراع الأذربيجاني-الأرمني؛ إلى قيرغستان وانضمامها للقافلة الروسية، كما أشرت إلى أن شيئًا ما سيحدث في العاصمة بيشكيك.
نعود للقضية الأذربيجانية، لنؤكد على أنه حين النظر من زاوية ما ما بين الطرفين، علينا أن لا نهمل سياق الحضور الدولي في هذه القضية.
لقد أكدنا على ذلك منذ بداية الأزمة، وحين التنبؤ بالمستقبل القريب، علينا أن نربط محور تركيا-أذربيجان اللامتناهي، مع سياق علاقاتهما سواء مع الدول العظمى أو بقية الدول، حتى يتثنى لنا تقييم المرحلة القادمة.
يمكننا القول أن دولًا في آسيا الوسطى والقوقاز تمر بمراحل مفصلية خاصة، سواء كانت مستقلة عن التطورات التي تجري وفق التكتلات الإقليمية والعالمية أم لا. وجميع هذه المراحل تتم مراقبتها بعناية من خارج المنطقة، وجميعهم أي الذين خارج المنطقة يسألون؛ “هل يمكن أن ينبثق عما يجري واقع يخدم مصالحنا”، أو “هل تساهم هذه المراحل في إنتاج مكاسب أو خسائر على حد سواء، ضمن صراع المصالح الذي نحن فيه؟”.