لا حل بدون تركيا
تمكنت تركيا في السنوات الأخيرة من تطوير نوعٍ من أسلوب الإدارة الذي يحوّل النزاعات التي تبدو على أنها تحديات، إلى فرص يمكن استثمارها بنجاح. كما استطاعت البلاد تحت قيادة أردوغان القوية والحاسمة، أن تحّول مخاوفها إلى فرص جديدة .
بمناسبة بداية العام التشريعي الجديد، ألقى الرئيس رجب طيب أردوغان كلمة أمام البرلمان، قدم فيها شرحاً ملخصاً عن المكانة الدولية لتركيا وسياستها الخارجية. كما قدّم انتقادات ومقترحات جديدة لتحسين السياسة العالمية وتهدئة التوترات في مناطق الصراع.
وتطرق الرئيس أردوغان في كلمته بشكل رئيسي إلى وضع تركيا كدولة تسعى جاهدة من أجل السلام والتعاون لكنها لا تخجل من المبارزة والتنافس. وسلط الضوء على ثقة الشعب التركي بنفسه من خلال إشاراته المتكررة إلى الذكرى المئوية القادمة للجمهورية وتراث تركيا السياسي العريق على مدى 2200 عام في فن الحكم.
وحول السياسة الخارجية التركية، أولى الرئيس في كلمته أهمية خاصة لشرق المتوسط وسوريا والعراق وقره باغ وفلسطين والخليج. وتأكيداً لدعم أنقرة الثابت لأذربيجان، عزا أردوغان وقوف تركيا إلى جانب العديد من الجهات إلى عاملين هما، المقاومة المحلية والدولية ضد المبادرات الديمقراطية والاقتصادية، ووصول النظام الدولي إلى مفترق طرق.
إقرأ إيضا : أكثر من 60 ألف مليونير جديد بتركيا .. لهذه الأسباب
واستناداً إلى هذه الرؤية، تعهد الزعيم التركي بأن تعمل تركيا التي “تقع في قلب منطقة تحدث فيها الأزمات العالمية بشكل متكرر” على “تعزيز نظام عالمي عادل” على الدوام.
إن الوقوع وسط الكثير من المواقف المتقلبة ليس سهلاً على دولة مثل تركيا، لذلك فإن هذا التحدي الخاص يدفعها اليوم إلى تطوير قدرات جديدة وملء الفراغات الناشئة حولها. وأنقرة لا تستطيع بحال من الأحوال أن تتعامل مع الآثار الجانبية السلبية لفراغ السلطة على مستوى المنطقة من خلال مواءمة نفسها مع محور واحد فقط أياً كان.
وكل من يدعو تركيا للدخول في “محور جديد” مع روسيا والصين وإيران، وكذلك كل معارضٍ للتوترات مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، أولئك جميعاً غير مؤهلين بنفس القدر، في تفسير توازن القوى المتغير في المنطقة وحول العالم.
فناقدو السياسة الخارجية التركية الذين يشتكون من عزلة تركيا المزعومة، أو ابتعادها عن الغرب، هم في الواقع مثل مؤيدي البقاء إلى جانب موسكو وطهران، يعانون نفس النوع من السذاجة.
لأن سياسات القوى العظمى التي تجمع بين المنافسة والتعاون، أخذت في الحقيقة تحل محل الكتل والمحاور بشكل متزايد.
وبات من الواجب على تـركيا التنافس والعمل مع روسيا وإيران والولايات المتحدة على المسرح السوري. كذلك العمل مع روسيا وفرنسا ومصر في الساحة الليبية. وفيما يتعلق بإقليم قره باغ، فيتعين على تركيا ألا تنفّر روسيا، بالرغم من أن الحزم غير الرسمي قد بدأ بالفعل.
إقرأ إيضا : حضور تركيـا
فالمنافسة والتعاون هما فقط قواعد لعبة القوة الجديدة.
لقد تمكنت تركيـا في السنوات الأخيرة من تطوير نوعٍ من أسلوب الإدارة الذي يحوّل النزاعات التي تبدو على أنها تحديات، إلى فرص يمكن استثمارها بنجاح. كما استطاعت البلاد تحت قيادة أردوغان القوية والحاسمة، أن تحّول مخاوفها إلى فرص جديدة. وبالنتيجة حصلت تركيا من خلال لعب دور ما على الأرض، على مقعدٍ مشرّفٍ على طاولة القرارات الإقليمية والعالمية. مستخدمةً في الوقت نفسه، ثقل الجغرافيا لزيادة قوتها بعد ان اعتمدت على مزيج من التعاون والقوة الخشنة للرد على تحديات خطيرة مثل الإرهاب والأزمات الإنسانية.
وبالعودة إلى علاقات تركيا مع الصومال وقطر وليبيا، نجد أن أنقرة لم تلعب أي دور في بدء الصراعات في كل من سوريا وليبيا وشرق المتوسط والخليج وقره باغ. ولكنها لضمان أمنها القومي، استثمرت في تلك الأزمات وظهرت كقوة رائدة تشكّل مستقبل كل منها.
لقد أثبت أردوغان بما لا يدع مجالاً للشك أن بعض قادة العالم الذين يلتقيهم بانتظام، لا يمكنهم حل المشكلات الملحة بدون تركيا. ويعرف كل من الرئيس دونالد ترامب والرئيس فلاديمير بوتين والمستشارة أنجيلا ميركل والرئيس إيمانويل ماكرون هذه الحقيقة.
فلماذا تعرضت تركيا مؤخراً لانتقادات لاذعة لدى استخدامها القوة الصارمة!
لقد كانت تركيا آخر من أرسل جيشه إلى الساحة السورية بالرغم من أنها تتشارك أطول حدود برية مع سوريا من بين جميع الدول الأخرى، وتستضيف حوالي 4 ملايين لاجئ سوري أيضاً. ولم يكن من المقبول أن تسمح تركيا لتنظيم ي ب ك/بي كا كا الإرهابي أن يؤسس دويلة عبر حدودها الجنوبية. لذلك كان على أنقرة خوض بعض التوترات مع الولايات المتحدة وإيران وروسيا لمعالجة هذه المشكلة. وتمكنت أنقرة في نهاية المطاف من ابتكار سياسة جمعت بين المنافسة والتعاون.
إقرأ إيضا : تركـيا قد تتدخل هناك في أي لحظة
كما أثبتت تركيـا مرة أخرى من خلال تدخلها في ليبيا بناءً على طلب طرابلس، لإنقاذ حكومة فايز السراج التي تدعمها الأمم المتحدة وانتشالها من حافة الانهيار، أنها ساهمت في إحلال السلام والاستقرار في البلاد، فضلاً عن حماية مصالحها وصيانة مناطقها البحرية.
وفي شرق البحر المتوسط أيضاً، نشرت تركيا أسطولها البحري واقترحت حلولاً متعددة لنظرائها، لكسر الحصار غير المقبول عليها، بعد أن تمادت اليونان والإدارة القبرصية الرومية بفرض مطالبهما الباطلة بشكل تدريجي منذ عام 2003 وراحوا يستبعدون تركيا كلياً.
لقد خط نهج تركيا الجديد المتمثل بالاستجابة لفراغ القوة الناشئة المحيط بها، حقيقة باتت ثابتة ومعروفة في أكثر من منطقة نزاع، مفادها أنه لا يمكن أن يتم التوصل إلى أي حل، ما لم يكن لتركيا مقعد على الطاولة.
.
بواسطة/ برهان الدين دوران