حينما انتهيت من كتابة هذه المقال أمس الجمعة لم يكن هناك أي تطور بشأن حسم نتائج الانتخابات الأمريكية بعد إلا أن مرشح الديمقراطيين جو بايدن .أظهر تقدّمًا كبيرًا بقوة على مرشح الجمهوريين دونالد ترامب الرئيس الحالي. نظرًا لليوم السابق، مما يشير إلى أن شعرة واحدة فقط تفصل بايدن عن البيت الأبيض.
هناك شيء آخر:
في الحقيقة إن ارتفاع نسبة المشاركة في التصويت للانتخابات الرئاسية الأمريكية هذه المرة، بشكل لم يسبق له مثيل منذ الانتخابات الرئاسية عام 1900. أي منذ 120 عامًا (66.9% نسبة المشاركة في التصويت حسب بي بي سي). يشير بوضوح إلى مدى ارتفاع الاستقطاب بين الناخبين الأمريكيين.
حيث تبلغ نسبة المشاركة في عمليات التصويت عادة ما بين 50 إلى 55 بالمئة، إلا أن ارتفاعها الملحوظ هذه المرة. يشير بشكل واضح إلى التسييس الخطير الذي يعيشه الناخب الأمريكي سواء داعمو بايدن أو ترامب على حدّ سواء.
ومن جانب آخر، فإن عدم وجود فارق كبير بين المرشّحَين على عكس ما تنبأت به استطلاعات الرأي. إلى جانب تحذير ترامب بايدن وانتقاده وتشكيكه بنزاهة التصويت عبر البريد منذ البداية، كل ذلك يساهم في زيادة حدة الاستقطاب والاتجاه نحو جوّ أقل أمانًا.
لا نعرف كيف ومتى سينتهي هذا الأمر، بل حتى ولو آلت الأمور للقضاء وتأخر إعلان الفائز بالانتخابات. تبقى المؤشرات بقوة تشير إلى تقدّم بايدن على ترامب. وهذا بدوره يدفعنا للتفكير بمستقبل العلاقات التركية-الأمريكية ضمن المرحلة الجديدة المقبلة.
تفاؤل احترازي وتشاؤم احترازي
أثار الاهتمامَ تعبيرٌ استخدمه النائب البرلماني عن العدالة والتنمية الحاكم في تركيا. يالجين أكدوغان، الذي عمل سنوات عديدة مستشارًا للرئيس أردوغان، ونائبًا لرئيس الوزراء السابق، حيث غرّد. على تويتر قائلًا: “تشاؤم حذر: إذا فاز بايدن فلن يكون ذلك نهاية العالم. تفاؤل حذر: إذا فاز ترامب فلن يكون كل شيء مزهرًا ورديًّا”.
غرّد بذلك يوم الأربعاء الماضي، راسمًا سيناريوهين مختلفين لنتائج الانتخابات الأمريكية. التي تدفع الكثيرين للتفكير بها من زاية مستقبل العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة.
لم يكتف أكد أردوغان بهذا القدر فقط، بل تابع تغريدته بشرحٍ يفسر سبب قوله ذلك، حيث قال:
“العلاقات التركية-الأمريكية مرّت على الدوام بمصاعب. إلا أنها من الواضح اتخذت مسارًا معينًا. بغض النظر عمّن سيفوز فإن أهمية تركيا لن تقل إطلاقًا”.
وهذه الجملة تفسر معنى كلمة “احترازي” في التغريدة التي سبقتها.
لقد كانت أول تعليق رسمي على الانتخابات الأمريكية، قد صدر عن وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو. واللافت أنه استخدم لغة “احترازية” خلال تصريحه الذي قال فيه “بغض النظر عمن ينتخبه الشعب الأمريكي. فإنّ تركيا مستعدة لمواصلة العمل ضمن التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة”.
لو تم انتخاب بايدن فكيف سيحدد سياسته إزاء تركيا؟
يعتبر السؤال عن ماهية السياسة التي سيتبعها بايدن مع تركيا، سؤالًا في غاية الأهمية.
هل سيرسم صورة شبيهة بتلك الحقبة التي كان فيها بايدن نائب الرئيس الأمريكي؟
أم سيتصرف وفق ما صدر عنه كمرشح رئاسي في هذه الانتخابات؟
لماذا نسألة هذه الأسئلة؟ لأن هناك اختلافات كبيرة في الحقيقية بين هاتين الفترتين.
لقد جرت لقاءات عدة بين بايدن نائب الرئيس السابق أوباما آنذاك، وبين أردوغان سواء حينما كان رئيسًا للوزراء قبل عام 2014 وبعده كرئيس للجمهورية. باستثناء تصريحات أدلى بها بايدن وكاد أن يقطع الخيط إن صح التعبير، حول تنظيم داعش الإرهابي عام 2014.
إلا أن تصريحاته فيما بعد، منذ اليوم لإعلان ترشحه للرئاسة عن الديمقراطيين، كانت في مسار يختلف عن مسار بايدن نائب الرئيس.
حيث توعّد بايدن خلال لقاء له مع نيويورك تايمز في يناير الماضي، أن يعمل ويتعاون مع المعارضة في تركيا من أجل إسقاط أردوغان. بل الأدهى من ذلك أن بايدن أعلن ببيان مكتوب رغبته بإعادة آيا صوفيا متحفًا، وأنه يدعم اليونان في ملف شرق المتوسط. بل والأسوء من ذلك كله على الإطلاق أنه هدّد باستخدام القوة ضد تركيا، وكل ذلك قبيل الانتخابات بأسابيع قليلة.
ولذلك نتساءل عن بايدن، هل سيكون كما كان نائبًا أو وفق ما أعلنه كمرشح.
لو تمّ انتخابه كرئيس، هل فعلًا يمكن لبايدن أن يتحرك وفق تصريحاته الضخمة تلك، ويقف وراءها؟
أم أنه سيسلك مسارًا براغماتيًّا ويطرق أبواب التعاون؟
لا يوجد خيار آخر سوى الترقب والانتظار للإجابة عن هذه الأسئلة.