على تلة استراتيجية بين مدينتي ديار بكر وماردين، تتخذ قلعة “زيرزيفان” مكانا لها، ضاربة عمقا في التاريخ، وشاهدة على حضارة الرافدين، حيث تحوي على أقدم كنيسة بالمنطقة، ومعبد قديم يثير اهتمام الباحثين والسائحين.
وعلى الطريق بين المدينتين، تقع القلعة في موقع يمكنه رصد ديار بكر وماردين، في موقع استراتيجي وفر لها الحماية، وسكنها آلاف المقاتلين وعائلاتهم، حيث تظهر الحفريات الجارية أن عمر القلعة يعود لأكثر من 3 آلاف عام.
وتجري حاليا أعمال الحفر بشكل مستمر منذ العام 2014، من قبل فريق بحثي من جامعة “دجلة” في ديار بكر، يعمل يوميا على حفريات تكشف كل يوم مزيدا من خفايا التاريخ.
وتشهد القلعة أعمال حفر وتنقيب من قبل 100 شاب متطوع من 38 جامعة تركية، لاكتشاف آثارها التي تعود لـ3000 عاما، حيث يبدأون التنقيب صباحا ويكملون جهود التوثيق مساء مع الاهتمام بما يجدونه من آثار.
– ضمن القائمة المؤقتة للتراث العالمي
وتقع قلعة “زيرزيفان” التاريخية، في قضاء “جينار” بديار بكر، حيث استخدمت كـ”مستوطنة عسكرية” في عهد الإمبراطورية الرومانية، وهي مدرجة ضمن قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو)، المؤقتة للتراث العالمي.
ويعود تاريخ بنائها إلى العصر الآشوري (882-611 قبل الميلاد)، وخلال العصر الروماني، تم بناء المستوطنة العسكرية الرئيسية فيها في القرن الثالث بعد الميلاد، واستُخدمت باستمرار حتى فتح الجيوش الإسلامية عام 639.
وبحسب المعلومات التي أوردها فريق البحث لـ”الأناضول”، فإن أعمال التنقيب عن الآثار في القلعة متواصلة منذ 6 سنوات من قبل مجلس الأعمال التركي ومتحف وبلدية ديار بكر، واتحاد وكالات السفر التركية، وجامعة “دجلة”، بالتنسيق مع وزارة الثقافة والسياحة التركية.
ووفق ذات المعلومات، فإنه بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة التركية، تم إطلاق مشروع “المتطوعين الشباب” خريجي كليات التاريخ والفن والعمارة للمشاركة في أعمال التنقيب والترميم.
وتشير المعلومات إلى أن 100 شاب متطوع مكتسب للمعرفة والخبرة في مجال التنقيب سيواصلون العمل حتى نهاية العام الحالي.
– أعمال التنقيب
وكشفت أعمال التنقيب عن مدخل القلعة، الذي يعود لقرابة 1800 عام، وتقع القلعة على تلة مرتفعة بالمنطقة، وتقع أسوارها على مساحة 60 دونم، بارتفاع يتراوح بين 12-15 مترا، وبطول 1200 مترا.
وتضم الأسوار، أبراج مراقبة بارتفاع 21 مترا وهي للمراقبة والدفاع، كما تتضمن القلعة خزانات مياه ومبنى للإدارة، ومستودعات المواد الغذائية ومعبد وملجأ وقبور وأقنية مياه و54 خزانا للمياه، كما شقت قناة مائية تصل للقلعة.
وتضم القلعة معبدا لأتباع ديانة “ميثراس”، وبقاياها في المنطقة، كما تضم كنيسة سرية كشف عنها وتعتبر من أقدم الكنائس في العالم، وفيها كتابات ورموز وصلبان لا تزال موجودة كشفت عنها أعمال التنقيب.
وساهم الكشف عن المعبد بزيادة الزيارات للمنطقة من قبل القادمين من خارج تركيا، إذ كشفت التنقيبات عن إقامة طبقات مختلفة في زمن روما في القلعة من العساكر والأرستقراطيين.
– حقبة تاريخية
وبحسب فريق البحث فإن العثور على المعبد والكنيسة قاد للكشف عن أتباع الديانات السرية، وهو ما حوّل أعين المهتمين إلى هذه المنطقة في محاولة لمشاهدة الاكتشافات الجارية فيها.
وتتركز التساؤلات من الزائرين حول الطقوس السرية التي كانت تقام في هذا المعبد، وما تطرحه من خفايا تثير فضول الباحثين والقادمين لزيارة المنطقة، خاصة أن تاريخ المعبد يقع على أطراف روما آنذاك.
وتشير التوقعات إلى أن أعمال الحفر والتنقيب في القلعة ستستمر قرابة 50 عاما، بسبب كثرة الأماكن التي تستكشف من أنفاق وثكنات ومنازل ومبان، وكل يوم يتم العثور على آثار ولقى.
ويوميا تجري حفريات بمسافات قليلة قد تصل إلى 5 سم، بسبب الحرص على الآثار الموجودة، ويثم العثور على نقود قديمة أو حاجيات وأدوات تعود للحقب السابقة، يتم دراستها وتنظيفها وتوثيقها قبل نقلها للمتاحف المعنية في الولاية.
– 450 ألف سائح
الكنيسة التي يعتقد أنها بنيت في العصر الآشوري، دانت لحكم روما، وكانت محط صراع مع الساسانيين الفرس، لكن الآثار المكتشفة تشير إلى أن آخر سكن بالقلعة كان في القرن الرابع الميلادي.
المعطيات المتوفرة بحسب فريق البحث، تشير إلى أن القلعة بعد الفتح الإسلامي فقدت أهميتها الاستراتيجية، بعد فتح ديار بكر في العام 639 ميلادي، حيث تمكن الفتح الإسلامي من فتح جميع المناطق المجاورة وباتت كلها أراض إسلامية.
وتشير المعلومات المتوفرة من فريق البحث بأن قرابة 450 ألف زائر تركي وأجنبي وفد إلى القلعة لزيارتها خلال عام، ولولا جائحة كورونا لكان العدد أكبر من ذلك بكثير.
ويهدف القائمون على القلعة للوصول إلى مليون زائر لها كل عام، حيث تشهد المنطقة إقبالا كبير من الزائرين واهتماما من قبل الأتراك، خاصة بعد أن كشفت الحفريات عن خفايا التاريخ والحضارة.