شهدت العلاقات التركية السعودية بوادر تحسن في الأيام الأخيرة، في ظل تطورات أخرى ومعادلات دولية وإقليمية جديدة فرضها فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وأدت هذه المؤشرات إلى ارتياح في أنقرة، لأنه سيمنحها فرصة التفرغ لترتيب أولويات المرحلة بعيدا عن خلافات جانبية وأزمات مفتعلة؛ البلاد والمنطقة في غنى عنها.
اللقاء الأخير الذي جمع وزيري الخارجية التركي والسعودي سادته أجواء إيجابية. وأكد الأمير فيصل بن فرحان في مقابلة مع وكالة رويترز أن المملكة “لديها علاقات طيبة ورائعة” مع تركيا. وتشير مصادر تركية إلى أن الرياض رفعت القيود التي فرضتها على المنتجات التركية، كما أن هناك أنباء عن قطع السعودية دعمها لقوات سوريا الديمقراطية التي يشكل .حزب العمال الكردستاني عمودها الفقري. وإن صحت هذه الأنباء فإنها خطوة صحيحة نحو إعادة الثقة بين البلدين.
أنقرة والرياض يمكن أن تتعاونا في ملفات وفقا لمصالح البلدين، فيما تبقى وجهات نظرهما في ملفات أخرى مختلفة
هكذا هي العلاقات بين الدول، وإن كانت النيات صادقة وتم تغليب مصالح الدولة على المغامرات والأهواء الشخصية فدائما هناك طريق لاختراق الأزمة وتجاوزها. كما حدث بعد إسقاط المقاتلة الروسية، حيث نجح الرئيسان التركي والروسي في تأسيس علاقات متميزة، رغم الخلاف العميق بين أنقرة وموسكو في بعض الملفات؛ أبرزها إلحاق جزيرة القرم من قبل روسيا. وبالتالي، فإن أنقرة والرياض يمكن أن تتعاونا في ملفات وفقا لمصالح البلدين، فيما تبقى وجهات نظرهما في ملفات أخرى مختلفة.
تركيا لم تكن ترغب في تدهور علاقاتها مع المملكة العربية السعودية. بل كانت تفضل استمرار العلاقات الطبيعية من خلال تحييد الملفات الخلافية التي لا يمكن حلها في الوقت الراهن، ولذلك تبنت سياسة الصمت والتحلي بالصبر وعدم الرد بالمثل. رغم الحجم الكبير من التحريض ضد “كل ما هو تركي”، إيمانا بأن أي أزمة لا تدوم إلى الأبد وأملا في أن تنتهي هذه الأزمة قريبا. ويبدو أن ذاك اليوم قد اقترب.
إلى أي مستوى تصل عملية ترميم العلاقات التركية السعودية؟ وهل يمكن أن تعود إلى سابق عهدها؟. وهل سيصمد هذا التحسن أم سرعان ما تتراجع العلاقات مرة أخرى؟ من المبكر التكهن بمثل هذه الأمور. إلا أن أي تحسن طفيف في العلاقات بين أنقرة والرياض في الوقت الراهن أفضل مما وصل إليه من تدهور.
من المبكر التكهن بمثل هذه الأمور، إلا أن أي تحسن طفيف في العلاقات بين أنقرة والرياض في الوقت الراهن أفضل مما وصل إليه من تدهور
المملكة بدأت قبل فترة في التضييق على الشركات السعودية التي تتعامل مع الشركات التركية. كما أطلقت حملة مقاطعة المنتجات التركية في صورة حملة شعبية، إلا أن تلك الحملة اختفت تقريبا في الأيام الأخيرة. كما أن ما يعرف بـ”الذباب الإلكتروني” تراجع عن الهجمة الشرسة التي كان يشنها ضد تركيا في مواقع التواصل الاجتماعي. ومن المؤكد أن هناك أوامر صدرت إليه ليتجنب مهاجمة تركيا.
السعودية لها مكانة دولية وإقليمية لما تحمل من وزن لا يمكن تجاهله. وكذلك لمكانتها الدينية التي تكتسبها من وجود الحرمين الشريفين داخل حدودها. واستضافتها سنويا ملايين الحجاج والمعتمرين من كل أنحاء العالم. هذه الحقيقة وضعتها أنقرة دائما نصب عينيها في تعاملها مع المملكة. إلا أن السعودية هي ذاتها لم تكن تتحرك كما يليق بثقلها ومكانتها، سواء في علاقاتها مع تركيا أو في الأزمة الخليجية.
الهدم أسهل من البناء، ولا يمكن تضميد الجراح في يوم وليلة. ومن المهم الحفاظ على قنوات التواصل مفتوحة بين البلدين. كما تم التأكيد عليه في الاتصال الهاتفي بين رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان والعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز. ثم تحتاج عملية ترميم العلاقات إلى خطوات إيجابية أخرى حتى ولو كانت صغيرة، كبادرة لحسن النية وبناء للجسور. إلا أن الأهم من ذلك هو ألا يسمح لـ”السعودي-إماراتيون” بتلويث الأجواء كي لا تنهار الجهود لتعود العلاقات مرة أخرى إلى تدهور أسوأ.
هناك تطور آخر من المؤكد أنه سيلقي بظلاله على العلاقات التركية السعودية. وهو إنهاء الأزمة الخليجية وتحقيق المصالحة مع قطر. ورحبت أنقرة بالمصالحة، مؤكدة أن تركيا ستواصل جهودها للحفاظ على أمن الخليج. ولضمان صمود المصالحة، يجب أن تنأى الرياض بنفسها عن مغامرات أبو ظبي. ومدى نجاحها في ذلك، سيحدد أيضا مستقبل العلاقات التركية السعودية إلى حد كبير