طرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبدون مقدمات مسألة تعديل الدستور في البلاد، في الوقت الذي تشهد فيه تركيا حراكا سياسيا داخليا، ما يثير التساؤلات حول دوافع طرح الرئيس لهذه المسألة الآن.
التغيير الدستوري الذي طرحه الرئيس أردوغان، جاء بالوقت الذي بدأ فيه حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والقضائية في البلاد. كما أنها جاءت بالتزامن مع نية المعارضة طرح مسألة “النظام البرلماني المحسن” على الرأي العام.
مناقشة التغيير الدستوري، لم يكن الأول في البلاد، فقد تم طرح المسألة مرات عدة خلال السنوات الماضية. وقد تم إجراء تعديلات عدة على الدستور خلال حكم حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ عام 2002.
تغيرات شهدها الدستور التركي منذ عام 1921
شهد الدستور التركي الذي تم وضعه لأول مرة عام 1921، تغيرات عدة، أبرزها عاما 1961 و1982. وهما عامان أعقبا انقلابين في البلاد.
الدساتير الماضية، لم تتم وفق استفتاء شعبي، ووضعت في ظل الانقلابات العسكرية في البلاد (عامي 1960 و1980). وهي دساتير تحمل في طابعها “الوصاية العسكرية”.
وشهد الدستور التركي (7 أقسام و177 مادة)، الذي وضع عام 1982، تعديلات 19 مرة، 10 منها قبل حكم حزب العدالة والتنمية. و9 بعدها، وكان أبرزها التعديلات التي أجريت عام 2017 .والتي أتاحت الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي الذي ترفضه المعارضة التركية.
وعقب تصريحاته، التقى الرئيس التركي بحليفه دولت بهتشلي زعيم الحركة القومية في البلاد. والذي بدوره أيد حاجة تركيا لإجراء تغيير دستوري، وناقش معه الحراك بشأن ذلك.
وذكرت صحيفة “صباح”، أن النقاشات تجرى الآن حول كيفية العمل على دستور جديد، وما هي المواد التي يجب تغييرها، والأهم من ذلك، ما إذا كانت التغييرات ستؤثر على النظام الرئاسي، بالإضافة إلى كيفية تشكيل العلاقات بين الحكومة والبرلمان التركي.
ويستند حراك “تحالف الجمهور” على أن كافة الدساتير التي وضعت في البلاد منذ تأسيسها. وضعت في أوقات طارئة، مثل الانقلابات العسكرية، كما أنه لم يتم الحصول على موافقة الشعب الذي عليه أن يقول “نعم” عليها.
وإذا تمت الموافقة على إجراء تغيير دستوري، فإنه سيكون أول دستور مدني في تاريخ تركيا منذ تأسيس الجمهورية.
ما الذي سيناقشه الدستور الجديد؟
وكشفت “صباح”، أنه لن تتم مناقشة “النظام الرئاسي” في الطرح الجديد للدستور. وستتم إعادة تنظيم بعض التطبقات المتبقية من النظام القديم وفقا للنظام الجديد (الرئاسي)، لا سيما مع بعض المؤسسات.
وأوضحت أنه ستتم مناقشة بعض المسائل المتصلة بالاحتياجات اللازمة بما يتلاءم مع النظام الجديد. ويشمل ذلك قدرة الرئيس على إعداد وتقديم مقترحات للتشريع إلى البرلمان بشأن قضايا معينة. مشيرة إلى أن هذه الطريقة معتمدة في النظام الرئاسي للولايات المتحدة.
ولفتت إلى أنه قد تكون هناك زيادة للسلطة الرقابية للبرلمان التركي بشأن بعض القضايا. بحيث يتم إحضار الوزراء على فترات معينة لتقديم معلومات بشأن أعمالهم إلى اللجان ذات الصلة، وزيادة مذكرات التساؤل الموجهة لهم.
وبحسب الصحيفة، فإنه ستتم إعادة تنظيم المحكمة الدستورية، والعليا، بما يضمن استقلال القضاء. وفقا للنظام الجديد، كما أنه سيتم تجديد الجوانب التي لا تزال تخلق مشاكل في النظام الرئاسي.
خطوط حمر
من جهته اعتبر الكاتب التركي، عبد القادر سيلفي، في مقال على صحيفة “حرييت”، أن الرئيس أردوغان غير جدول الأعمال بالبلاد. بخطوته بشأن الدستور، لافتا إلى أنها جاءت في الوقت الذي بدأت فيه المعارضة حراكها بشأن “النظام البرلماني”.
وأشار إلى أن خارطة الطريقة في التغيير الدستوري الذي يسعى إليه أردوغان. تكمن في تغريدة وزير العدل عبد الحميد غل والتي قال فيها: “إن تركيز رئيسنا على الدستور الجديد بشرى سارة ومثيرة بالنسبة لنا جميعا، وهي مهمة جدا”. مضيفا أن “تنفيذ دستور مدني وديمقراطي جديد، هو أحد الأهداف الرئيسية لإصلاح القانون. وسيكون الإرث الأهم والأثمن الذي سنتركه لأطفالنا ومستقبلنا”.
ولفت سيلفي، إلى أن مقترح وضع دستور جديد في البلاد، يأتي ضمن حزمة الإصلاحات. وينظر إلى الدستور المدني الجديد على أنه في مقدمتها.
وتابع، بأن تركيا حتى الآن تخضع لدساتير الانقلاب، وبهذه الدعوة أنقذ أردوغان بلاده من “العار” الذي تحكمه تلك الدساتير.
وأضاف أن أردوغان، اتخذ خطوة لسحب الورقة الرابحة من المعارضة التي كانت تستعد لتشكيل لجنة دستورية مشتركة. بهدف الانتقال إلى نظام برلماني مع دستور جديد..
وقال سيلفي، إن مقترح تغيير الدستور، لا يتضمن العودة إلى النظام البرلماني، مشيرا إلى أن المقترح يتضمن خطين أحمرين. وهما: ما يتعلق بالنظام الرئاسي، و”الهيكل الوحدوي”.
وأوضح أنه بعد عملية الاستفتاء، لا توجد فكرة بشأن التخلي عن النظام الرئاسي الذي وافق عليه الشعب التركي. كما أنه لا مساس بـ”الهيكل الوحدوي” للدولة، والمنصوص عليه في المواد الأربع الأولى من الدستور الحالي.
بدوره أكد الكاتب التركي محرم ساريكايا، ما ذكره سيلفي بشأن الخطوط الحمر في التغييرات الدستورية المطروحة.
وأشار في مقال على صحيفة “خبر ترك”، إلى أن السبب في عدم طرح “تغيير الدستور” طوال السنوات الماضية. هو أن نظام الحكم الرئاسي هو أولوية، لذلك تركت العملية حتى يومنا هذا حتى لا تجذب القضية إلى مناقشات أخرى.
وأوضح أن كافة مواد الدستور باستئناء عنوانين (النظام الرئاسي والهيكل الوحدوي)، ستكون مطروحة على الطاولة. ومن بين الأهداف مراجعة النصوص للقاء على الاضطرابات التي قد تسببها بشكل كامل.
وأضاف أن المساعي تكمن في إضافة عناصر من شأنها تقوية الدستور، لا سيما على صعيد الحقوق والحريات. فلا يمكن مقارنة ظروف فترة الانقلاب قبل نصف قرن بالأجواء الحالية.
ولفت إلى أن أردوغان، مصمم على طرح حزمة الإصلاحات قبل انتخابات عام 2023. وإعدادها على أساس التعديل الدستوري القائم على مبدأ الحريات.
ما موقف المعارضة التركية؟
دعا بولنت توران، نائب رئيس كتلة العدالة والتنمية في البرلمان، المعارضة إلى دعم الدستوزر الجديد. قائلا: “نريد من الجميع دعم هذه الخطوة الديمقراطية”.
وبما أن عدد نواب حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية “337 نائبا”. فإنه لا يكفي إجراء التعديلات الدستورية والتي تتطلب “360 نائبا” على الأقل، وعليه فإن المقترح بحاجة إلى الدعم المطلوب.
المعارضة التركية، لا تعترض على إجراء أي تغيير أو تعديل على دستور البلاد، وكان لها حراك مسبق وسري بشأن ذلك.، ولكن الخلاف يكمن في ما بين “النظام الرئاسي” الذي يتبناه “تحالف الجمهور”، و”النظام البرلماني المعدل” الذي تسعى إليه.
وقد أكمل حزب المستقبل، إعداده لدستور جديد، وناقشه مع نواب حزب الجيد. فيما يستعد حزب الشعب الجمهوري لتقديم مسودة مقترح للبرلمان الشهر المقبل. فيما أعلن حزب السعادة أنه يستعد لمسودة دستورية في الفترة المقبلة.
وعليه، فإن إعداد الدستور هو على جدول جميع الأطراف في تركيا. كما أن المعارضة، تستبعد في الوقت ذاته إمكانية نشر نص مفصل لدستور جديد وفق النظام الرئاسي وعرضه على البرلمان في الفترة الحالية.
ويرى مراقبون، أنه من المستبعد إمكانية تقديم مشروع مقترح إلى البرلمان التركي، في ظل التغيرات السياسية في المشهد التركي. لا سيما في ظل الانشقاقات وتشكيل الأحزاب الجديدة، كما أن الخطوة قد تضر بـ”تحالف الجمهور”. فعرض الدستور الجديد مبنيا على تعزيز النظام الرئاسي، سيعزز اصطفاف تحالف المعارضة في مواجهته.
.
المصدر/ arabi21