أثار قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالانسحاب من “اتفاقية إسطنبول” جدلا واسعا على الساحة الداخلية، وسط انتقادات من الدول الغربية لا سيما الولايات المتحدة.
وانتقدت أحزاب المعارضة التركية، قرار الحكومة يالانسحاب من “اتفاقية إسطنبول”، مشيرة إلى أنها ستتخذ إجراءات عدة لمواجهته.
انتقادات أوروبية
ولم يقتصر الأمر فقط على المعارضة في البلاد، فقد لاقى الانسحاب التركي من الاتفاقية المعنية بوقف العنف ضد المرأة. والعنف الأسري، ومكافحتهما، انتقادات أوروبية وأمريكية.
وانتقد المجلس الأوروبي في بيان، الخطوة التركية التي وصفها بأنها “خبر سيء”. قائلا: “هذه العمل خطوة كبيرة إلى الوراء، ومن المؤسف أن تعرض تركيا حماية النساء للخطر في أوروبا وبلدان أخرى”.
وقال الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل. إن “اتفاقية إسطنبول هي أول وثيقة دولية ملزمة من الناحية القانونية لمكافحة العنف ضد المرأة والعنف الأسري”.
وعبر بوريل عن أسفه لانسحاب تركيا من الاتفاقية، داعيا إياها إلى التراجع عن القرار.
فيما غرد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، معربا عن أسفه بانسحاب تركيا من الاتفاقية، مضيفا: “التراجع في الحقوق ينذر بالخطر”.
وعبر وزير الخارجية الألماني، رئيس لجنة وزراء مجلس أوروبا هايكو ماس، ورئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا. ريك دايمز، عن أسفهما لانسحاب تركيا من الاتفاقية، قائلين إن القرار “حرم النساء من أداة مهمة للحماية من العنف”.
بايدن يدخل على الخط
وعلى الرغم من أن القرار يعد سياديا، دخل الرئيس الأمريكي جو بايدن على خط الانتقادات، ووصف الخطوة التركية بأنها “مخيبة للآمال”.
وقال: “على الدول أن تعمل على تعزيز وتجديد التزاماتها بإنهاء العنف ضد المرأة. وليس رفض المعاهدات الدولية الهادفة لحماية النساء ومحاسبة المنتهكين”.
ما موقف المعارضة التركية؟
أعلن حزب الشعب الجمهوري المعارض، أنه سيلجأ لمجلس الدولة من أجل إبطال قرار الحكومة التركية.
“الشعب الجمهوري” يقول إن الرئيس التركي خالف الفقرة الخامسة من المادة 90 بالدستور. والتي تعتبر أن الاتفاقيات الدولية تخضع لما يرتئيه القانون، وعليه فإنه لا يمكن تغيير القوانين بموجب قرار رئاسي.
وقال زعيم الحزب كليتشدار أوغلو، في مقطع فيديو. إنه “لا يمكن أن تخضع الدولة لمراسيم منتصف الليل، ولا يمكن إبعاد حقوق 45 مليون امرأة بهذا القرار”.
بدورها ألمحت أمين عام حزب الشعب الجمهوري، سيلين سايك بوك، باللجوء للشوارع لمواجهة قرار الرئيس التركي.
وانضم زعماء حزب الجيد ميرال أكشنار، و”الديمقراطية والتقدم” علي باباجان، إلى الأصوات المنتقدة لقرار الرئيس التركي.
لكن انتقاد علي باباجان والذي كان قياديا سابقا في “العدالة والتنمية” لم يتعلق بالاتفاقية. بل بتوقيتها والصلاحيات المخولة لأردوغان بشأنها.
وبقي حزب السعادة الذي يقود تكل كارامولا أوغلو، وهو حزب إسلامي محافظ صامتا على قرار الرئيس التركي. فيما انتقد زعيم حزب المستقبل أحمد داود أوغلو قرار تغيير محافظ البنك المركزي وبقي صامتا على الانسحاب من الاتفاقية.
وشهدت مدن عدة منها إسطنبول وأنقرة، مظاهرات نسائية منددة بقرار الانسحاب من “اتفاقية إسطنبول”.
ماذا تقول الحكومة التركية؟
الحكومة التركية، تشير إلى أن انسحابها من الاتفاقية لا يعني التنازل عن مكافحة العنف ضد المرأة كما ذكر منتقدوها.
وقالت وزارة الخارجية التركية، إن “العناصر والممارسات المختلفة التي تضمنتها الاتفاقية خلقت هاجسا وأثارت انتقادات لدى الرأي العام”.
وشددت على “ضرورة عدم تفسير انسحاب تركيا من الاتفاقية على أنه تنازل عن مكافحة العنف ضد المرأة”.
دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية، أصدرت بيانا، أشارت فيه إلى أن الاتفاقية هدفت بالبداية، إلى تشجيع وتعزيز حقوق المرأة. ولكن تم التلاعب بها من قبل شريحة تحاول تطبيع المثلية الجنسية التي تتعارض مع قيم تركيا المجتمعية والعائلية.
وأكدت أن قرار الانسحاب جاء لهذا السبب، لافتة إلى أنها ليست الدولة الوحيدة التي لديها هواجس جدية بشأن الاتفاقية. مضيفة أن ست دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي لم تصادق عليها، وهي (بلغاريا والمجر وتشيك ولاتفيا وليتوانيا وسلوفاكيا).
ونوهت إلى أن بولندا أيضا اتخذت خطوات للانسحاب من “اتفاقية إسطنبول”. بعد أن حاولت مجموعات من المثليين الجنسيين فرض أفكارهم حول النوع الاجتماعي على المجتمع بأكمله.
وتابعت: “إن قرار الانسحاب من اتفاقية إسطنبول لا يعني بأي حال من الأحوال أن الجمهورية التركية “تعرض حماية المرأة للخطر”. ولن نتخلى عن مكافحة العنف الأسري، حتى وإن تم الانسحاب من الاتفاقية”.
ولفتت إلى أن تركيا ستنفذ إصلاحات جديدة لمكافحة العنف ضد المرأة، بعد الانسحاب من الاتفاقية. وستتخذ التدابير التي من شأنها تلبية احتياجات المجتمع وتعزيز الجهود الجارية لتحقيق هذه الغاية.
وأضافت أن تركيا ستتخذ خطوات إضافية لتحسين فعالية الاحتياطات الحالية ضد العنف المنزلي .والعنف ضد المرأة كجزء من خطة عمل حقوق الإنسان التي تم الإعلان عنها بداية الشهر الجاري.
بدورها قالت فاطمة بتول سايان كايا، مساعدة رئيس حزب العدالة والتنمية، إن بعض المفاهيم في الاتفاقية تستهدف العائلة التركية. وغير ملائمة للأسرة والمجتمع التركي، كما أنها تحولت في طياتها لانعدام النوع الاجتماعي، وغرس الكراهية بين الرجال والنساء.
ولفتت إلى أنه يتم حاليا تنفيذ خطة عمل جادة لمكافحة العنف ضد المرأة بالتعاون مع وزارتي الداخلية والعدلة. بتنسيق من وزارة الأسرة والعمل والخدمة الاجتماعية، ووزارة التعليم، والشؤون الدينية.
ملاحظات تركية على الاتفاقية
ويعد تعريف العنف في القانون “رقم 6284” في الاتفاقية “غامضا”، حيث يعد أي شيء يشير إلى احتمال التعرض للعنف “عنفا جسديا”، حتى وإن لم يكن كذلك، بحسب تقرير على “يني شفق”.
وبحسب الاتفاقية، فإنه في حالة عدم وجود “عنف جسدي” فعليا، يمكن للمرأة الاتصال بالسلطات. وطرد الزوج أو الأب أو الأخ من المنزل بحضور الشرطة.
وهذا يعني أنه في حالة عدم وجود أي عنف جسدي أو تهديد صريح، فإن أصغر نزاع بين الأسرة قد يتحول إلى قضية قضائية. ويكون الطرف المذنب الأساسي هو الرجل بعد انتهاك حرمته.
كما أن أحد المتطلبات التي ساهمت بإلغاء الاتفاقية، هي أنها تضفي الشرعي لـ”زواج المثليين”. ويعد ذلك لا يتناسب مع ميول المجتمع التركي وتقاليده.
هل قرار الانسحاب قانوني؟
اتخذ الرئيس التركي، قرار الانسحاب من “اتفاقية إسطنبول” بناء على الصلاحيات المخولة له في المادة الثالثة من المرسوم الرئاسي رقم 9. والذي دخل حيز التنفيذ في 15 تموز/ يوليو 2018.
ويمنح المرسوم الرئاسي رقم 9، الرئيس التركي الموافقة أو إلغاء أي اتفاقية دولية. كما أن المادة الثالثة لم تخضع للنقاش سابقا أمام المحكمة الدستورية.
وعلى مدار عامين ماضيين، كان النقاش حول الانسحاب من “اتفاقية إسطنبول” على جدول أعمال حزب العدالة والتنمية. وكان أردوغان قد أمر بتشكيل فريق فني، وتم إنشاء لجنة مكونة من فؤاد أوقطاي نائب الرئيس، ووزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو. ووزير العدل عبد الحميد غل، ووزيرة الأسرة والهمل زهرة سلجوق، ونعمان كورتولمش نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، والنواب عن الحزب بولنت توران وأوزليم زنجين.
هل انخفضت معدلات العنف ضد المرأة في تركيا بالاتفاقية؟
تقول الكاتبة التركية هلال كابلان، في مقال على صحيفة “صباح”، إن تركيا لم يحكمها “قانون الغاب” قبل عام 2011 (توقيع الاتفاقية). والانسحاب من “اتفاقية إسطنبول” لا يلغي القانون الجنائي التركي.
وأشارت إلى أن الانسحاب من الاتفاقية قد يسهم في انخفاض معدل الجرائم ضد النساء والتي تضاعفت منذ توقيعها.
ولفتت إلى أن معدلات قتل النساء في بلدان مثل بلجيكا والنمسا اللتين وقعتا على الاتفاقية أعلى بكثير من تركيا. لكن المعارضة للانسحاب من الاتفاقية تدلل على أن “عقلية الحب لأوروبا” لم تتغير (في إشارة إلى المعارضة التركية).
ونوهت إلى أنه قبل حكم حزب العدالة والتنمية لم يكن في تركيا سوى ثمانية ملاجئ للنساء. ولكن عندما تسلم الحكم رفعها إلى 14، واليوم أصبح ما يقارب 150 مركز إيواء للنساء، وفي عام 2013 تم تأسيس مراكز مراقبة العنف والوقاية منه. والتي تقدم المساعدة القانونية المجانية والدعم النفسي للنساء من ضحايا العنف وأطفالهن في 81 محافظة.
وأضافت أن السلطات أنشأت تطبيق “KADES” لدعم المرأة. بحيث يمكن للنساء المهددات بالعنف إبلاغ السلطات على الفور لإنفاذ القانون وتقديم الاستجابة الطارئة.
وشددت على أن “اتفاقية إسطنبول” ليست نصا مقدسا يجب على جميع الدول التوقيع عليه. لافتة إلى أن الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا لم توقع على الاتفاقية، كما أن ألمانيا وفرنسا وقعتا عليها مع تحفظات لديها.
وأكدت أن الأرقام تظهر بأن الجرائم ضد النساء تزايدت بعد توقيع “اتفاقية إسطنبول” مشيرة على سبيل المثال. إلى أن فنلندا التي كانت من أوائل الدول الموقعة، لديها أكبر سجل إجرامي ضد النساء في أوروبا.
يشار إلى أن عدد النساء اللاتي تم قتلهن في تركيا بعد توقيع “اتفاقية إسطنبول”. لم ينخفض، (في عام 2014 قتلت 294 امرأة، و327 في 2016، و409 في 2017، و440 في 2018، و474 في 2019، و300 في عام 2020).
يشار إلى أن الاتفاقية وقعت عليها 45 دولة من بينها دول المجلس الأوروبي. بينما امتنعت عن التوقيع دول عدة منها روسيا وأذربيجان، فيما صادقت عليها الدول الموقعة باستنثاء 13 دولة.
ومن الدول التي لم تصادق على الاتفاقية، بريطانيا وأوكرانيا ومولدوفا وأرمينيا وليختنشتاين. فيما اتخذت بولندا خطوات للانسحاب من الاتفاقية مستشهدة بمحاولة مجموعات المثليين فرض أفكارهم حول الجنوسة (النوع) الاجتماعية على المجتمع ككل.
.
المصدر/arabi21