تركيا الآن

ماذا يعني بيان الضباط المتقاعدين في تركيا؟

أصدر 104 أميرالات متقاعدين من البحرية التركية، في ساعات متأخرة من مساء السبت، بيانا مشتركا ذا نكهة انقلابية، هددوا فيه الحكومة التركية المنتخبة بـ”عواقب وخيمة”. معبرين عن اعتراضهم على إنشاء قناة إسطنبول ومساعي صياغة دستور جديد للبلاد. كما حذروا من المساس باتفاقية “مونترو” الدولية المتعلقة بالملاحة في مضيقي البوسفور والدردنيل التركيين.

البيان الذي تم إصداره في منتصف الليل أعاد إلى الأذهان الانقلابات العسكرية في تركيا، وتدخل الجيش في شؤون الحكومة. وبالتالي أثار ضجة كبيرة واستياء واسعا في مختلف الأوساط. وسرعان ما أعلن المدعي العام في العاصمة أنقرة فتح تحقيق حول الموضوع. ما أدّى إلى توقيف عشرة من الضباط الموقعين على البيان، واستدعاء أربعة آخرين منهم للإدلاء بإفاداتهم أمام الشرطة دون توقيفهم. مراعاة لكبر سنهم ووضعهم الصحي.
البيان الذي تم إصداره في منتصف الليل أعاد إلى الأذهان الانقلابات العسكرية في تركيا. وتدخل الجيش في شؤون الحكومة، وبالتالي أثار ضجة كبيرة واستياء واسعا في مختلف الأوساط

ردود فعل المعارضة التركية تباينت ما بين مؤيد لما ورد في البيان ومنتقد له بشدة. وطالب رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي. بتجريد الضباط الموقعين على البيان من رتبهم العسكرية، وقطع رواتبهم، بالإضافة إلى حرمانهم من حقوقهم التقاعدية. ومما لا شك فيه أن ما طالب به بهتشلي يعبر عن رأي كثير من المواطنين الأتراك الرافضين للانقلابات العسكرية كي تكون العقوبة رادعة. حتى لا يتجرأ أحد في المستقبل على تهديد الإرادة الشعبية والتفكير في اغتصابها بقوة السلاح.

الضباط الموقعون على البيان يجب أن يجيبوا على عدد من الأسئلة، مثل: “كيف اجتمعوا لمناقشة ما ورد في البيان وصياغته؟”. و”هل شارك في تلك الاجتماعات أحد من خارج البلاد؟”، وبعبارة أخرى: “هل لهم ارتباطات خارجية؟”. ولكن السؤال الأهم هو: “ما مدى علاقاتهم وتنسيقهم مع ضباط موظفين؟”، لأن البيان قد يكون رسالة إلى داخل الجيش مفادها “نحن معكم”. وأن هناك أمثلة في تاريخ تركيا لتورط ضباط متقاعدين في بعض الانقلابات والمحاولات السابقة.

قيادة القوات البحرية لعبت دورا محوريا في انقلاب 28 شباط/ فبراير الذي أسقط حكومة أربكان الائتلافية في 1997. وكان قائد القوات البحرية آنذاك، الأميرال غووان أركايا، يعتبر الإسلاميين أخطر من حزب العمال الكردستاني. كما أن “مجموعة العمل الغربية” التي شكَّلها الانقلابيون في تلك الحقبة المظلمة لمراقبة الجماعات الإسلامية وأنشطتها. كانت تتخذ قيادة القوات البحرية مقرا لها. وأعاد بيان الأميرالات المتقاعدين إلى الأذهان كل تلك الذكريات الأليمة.

الداعمون للبيان الانقلابي يحاولون أن يدخلوه ضمن حرية التعبير، ويقولون إن الضباط الموقعين على البيان لم يرتكبوا جريمة. بل أعربوا عن آرائهم كبقية المواطنين

الداعمون للبيان الانقلابي يحاولون أن يدخلوه ضمن حرية التعبير، ويقولون إن الضباط الموقعين على البيان لم يرتكبوا جريمة. بل أعربوا عن آرائهم كبقية المواطنين. ومن المؤكد أن هذه محاولة للتهرب من تحمل مسؤولية البيان، بعد أن ارتفعت أصوات ضده من كافة شرائح المجتمع التركي.

حرية التعبير مكفولة في الدستور التركي لجميع المواطنين، وهؤلاء الضباط يمكن أن يعبروا عن آرائهم في القنوات التلفزيونية والصحف والمواقع. ويفعلون ذلك، كما أن بإمكانهم تأسيس حزب سياسي أو الانضمام إلى أحد الأحزاب الموجودة ليمارسوا السياسة. إلا أن إصدارهم بيانا مشتركا في منتصف الليل بلغة التهديد لا يعني غير التلويح بانقلاب عسكري. كما أن الانقلابات السابقة. ومحاولات اغتصاب الإرادة الشعبية ما زالت حية في ذاكرة الشعب التركي.

بيان الضباط المتقاعدين يشير بما لا يدع للشك مجالا إلى أنه ما زال هناك من يحلمون بعودة تركيا إلى حقبة الوصاية العسكرية

المعارضون يقولون إن الحكومة تتظاهر بالمظلومية، بل يذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، ويزعمون أن رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان يستغل البيان لصرف الأنظار عن تدهور الاقتصاد، وكأن أردوغان هو من جمع هؤلاء الأميرالات ليصدروا بيانا يرفضون فيه إنشاء قناة إسطنبول، علما بأن الأغلبية الساحقة من الموقعين على البيان هم من المؤيدين لحزب الشعب الجمهوري، وأربعة منهم من أعضائه.

بيان الضباط المتقاعدين يشير بما لا يدع للشك مجالا إلى أنه ما زال هناك من يحلمون بعودة تركيا إلى حقبة الوصاية العسكرية، والأيام التي وصل فيها حزب الشعب الجمهوري إلى الحكم بواسطة التحالف مع الجيش والانقلاب العسكري، ويعبرون عن حلمهم بمثل هذه البيانات. ومن المؤكد أن الشعب التركي اكتسب خبرة كبيرة في التعامل مع الانقلابيين، وأصبح لديه وعي عال في حماية الديمقراطية، وأثبت في 15 تموز/ يوليو 2016 قدرته على الدفاع عن إرادته الحرة. ومع ذلك، يجب عدم التساهل مع بيان الضباط المتقاعدين كيلا يكبر الحلم لدى الانقلابيين، ليمهد الطريق أمام مغامرات تدفع البلاد ثمنها غاليا.

بواسطة / إسماعيل ياشا
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “تركيا الآن”

عرض التعليقات

  • هؤلاء خونة بمعنى الكلمة . لعنة الله على كل خائن يعمل لصالح اعداء الاسلام . الى متى يبقون خونة وليس لهم ذرة شرف مع الحزب الجمهري و الشعوب . لا ادري لماذا الاتراك ساكتين للخونة الى متى لسكوت

أحدث الأخبار

تحسن في تصنيف تركيا الائتماني ونظرة مستقبلية مستقرة للتضخم

رفعت وكالة التصنيف الائتماني الدولية ستاندرد آند بورز، تصنيف تركيا الائتماني من "B+" إلى "BB-"،…

02/11/2024

زيادة التجارة التركية بالليرة في 2024

بلغت قيمة التجارة الخارجية لتركيا بالعملية المحلية 24.8 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من…

02/11/2024

الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تركيا تسجل أعلى مستوياتها منذ العام الماضي

ارتفع تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى تركيا بنسبة 31.5 بالمئة في الربع الثاني من العام…

01/11/2024

وزير الدفاع التركي: قواتنا البحرية تتبوأ مكانة مرموقة عالميا

قال وزير الدفاع التركي يشار غولر، إن قوات بلاده البحرية تتبوأ مكانة متميزة ومرموقة في…

01/11/2024

تركيا..أسيلسان وهافلسان تبرمان صفقة عسكرية بقيمة 68 مليون دولار

وقعت شركتا "أسيلسان" للصناعات الدفاعية، و"هافلسان" التركيتان صفقة مشتركة لبيع معدات عسكرية لإحدى الدول بقيمة…

01/11/2024

سفينة “تي جي غي أناضولو” التركية تشارك في تدريبات للناتو

شاركت سفينة "تي جي غي أناضولو" التركية، في تدريبات "مجموعة المهام البحرية الدائمة 2"، التابعة…

01/11/2024