هل تنجح المعارضة بتأليب الأتراك على اللاجئين السوريين؟

لا تزال تركيا تحت تأثير أحداث العنف الدامية التي اندلعت بعد مقتل شاب تركي طعنًا على يد لاجئين سوريين، وتبعها شن مجموعات معادية للمهاجرين هجمات على منازل وأماكن عمل وسيارات السوريين في المناطق التي يعيشون فيها.

وبفضل التدخل الحازم من الشرطة انتهت تلك الأحداث بأقل الأضرار وتم القبض على مفتعلي الأزمات، لكن هذه القضية خلفت شعورا بعدم الارتياح لدى طالبي اللجوء والمقيمين العرب الذين يصل عددهم إلى 5 ملايين.

الأمر الخطير في القضية هو استغلال المعارضة التركية للقضية التي جاءت نتيجة سنوات من التأليب والتحريض على اللاجئين السوريين بهدف إحراج الحكومة.

وفي هذا السياق يقول السياسي التركي البارز ياسين أقطاي في مقال له: “إن المعارضة تستخدم أسلوبا بالغ الخطورة وغير إنساني قد يتسبب في اضطراب السلم الاجتماعي”، مشيرًا إلى أن المعارضة في تركيا لا تفوت أي فرصة يمكن استغلالها من أجل الضغط على أردوغان وحشره في الزاوية.

واستغرب أقطاي من اتخاذ المعارضة اليسارية والاشتراكية موقفًا معاديًا من اللاجئين، موضحًا بأن مثل هكذا معارضة في بقية دول العالم تكون مساندة وقريبة جدا من اللاجئين وتدافع عن حقوقهم، وعندما ترفض الحكومات قبول اللاجئين وتعمد إلى انتهاك حقوقهم تحرص المعارضة اليسارية في بلدان العالم على الدفاع عن حق اللاجئين في الحصول على اللجوء والمعاملة الإنسانية.

واستدل السياسي البارز برئيس بلدية بولو المنتمي إلى حزب الشعب الجمهوري قرر -بمساندة أعضاء حزبه الذين يشكلون أغلبية داخل المجلس البلدي- الذي صدّق على قرار يجعل فواتير استهلاك المياه المفروضة على السوريين في هذه المدينة 10 أضعاف ما يدفعه المواطن التركي، غير أن هذا القانون يعد عنصريًا ولن يكون نافذا، وكل من يطبقونه سيعرضون أنفسهم للملاحقة القانونية.

هذا القانون الذي وافق عليه أعضاء الحزب يعكس حجم العنصرية المتفشية في أوساط المعارضة اليسارية في تركيا، وبالتأكيد تمثل هذه العنصرية انعكاسات الجهل وغياب الوعي، ولها علاقة مباشرة بنظام التعليم.

بعد مقتل شاب تركي على يد سوري.. ما المطلوب من الحكومة التركية؟

اقرأ أيضا

انفجارات تستدعي استجابة عاجلة: النيران تلتهم الأحياء الفقيرة…

ويكمل أقطاي أنه على مدى 80 عاما -أي قبل أن يصل حزب العدالة والتنمية للحكم- تم تلقين الأطفال الأفكار الهدامة التي ينشرها حزب الشعب الجمهوري، وخلال كل تلك السنوات تم زرع العقلية الانفصالية والعنصرية والأنانية داخل نفوس الناشئة عوضا عن القيم الإنسانية والكونية ومبادئ الأخوة الإسلامية.

غير أنه لحسن الحظ خرج مؤخرا جيل جديد لم ينشأ على هذا التعليم الذي ينشر الجهل، وهو جيل يبدو واعدا لمستقبل تركيا، ويمكن الجزم بأنه كلما ابتعدت النزعة القومية العنصرية في تركيا عن الإسلام زادت المسافة التي تفصلها عن الشعب، كما يقول أقطاي.

أكثر الذين يعتدون على السوريين مجرمون ومدمنون

ومما يلفت الانتباه أنه أثناء تدخل قوات الشرطة لفض أعمال الشغب التي استعملت فيها الحجارة والعصي ضد أحياء اللاجئين السوريين اعتُقل أكثر من 100 شخص كلهم تقريبا يتشاركون نفس الصفات، وهي بالأساس الإدمان على المخدرات واستعمال الأسلحة البيضاء، ويمكن لهذه الشريحة من الشباب أن تتأثر بسهولة بالاستفزاز والتحريض.

ويكمل أقطاي أن من بين الأسماء التي عملت على إذكاء نعرة الكراهية والعنصرية ضد اللاجئين في تركيا أوميت أوزداغ البرلماني المعارض وعضو حزب “الجيد”، وأوميت نفسه ليس من أصول تركية بل تنحدر عائلته من داغستان، وقد جاءت إلى تركيا قبل 130 عاما، وهذا الأمر ينطبق على الكثير ممن يحرضون على العنصرية في تركيا، حيث إنهم يحملون جذورا أجنبية، وقد هربت عائلاتهم خلال القرن الماضي خوفا من ويلات الحروب التي دارت في ذلك الوقت في أوطانهم.

وتتصدر في الوقت الحالي ترتيب الدول التي فتحت أبوابها لأكبر عدد من اللاجئين في العالم، وذلك حسب بيانات رسمية صادرة عن الأمم المتحدة، وخلال السنوات العشر الماضية هاجر ما لا يقل عن 5 ملايين شخص إلى الأراضي التركية بالطرق الشرعية وغير الشرعية بسبب الأزمات التي تشهدها سوريا ودول أخرى في المنطقة، ومن الصعب على أي بلد استيعاب هذا العدد من الأجانب خلال وقت قياسي دون مواجهة مشاكل اجتماعية.

وفي الأيام الأخيرة لاذ بعض الأفغان بالفرار إلى تركيا وانتشرت بعض صور المهاجرين غير النظاميين التي تم استغلالها لخلق حالة غضب في المجتمع، لكن لا بد من التأكيد أن أعداد هؤلاء الوافدين على الأراضي التركية تم المبالغة في تقديرها، وذلك من أجل تصوير الأمر على أنه غزو للبلاد.

ويطمئن أقطاي الجميع بأن الشعب التركي يقظ بما يكفي ليتصدى لهذا التحريض، والإجراءات المتخذة من طرف السلطات كانت كافية للسيطرة على الوضع، ورغم موجة التحريض فإن الشعب التركي لم يتقبل أبدا صور الاعتداءات غير الإنسانية على اللاجئين المضطهدين والأطفال الأبرياء الذين وصلوا إلى تركيا فارين من هول القصف والمذابح.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.