منذ 2016 شهدت العلاقات بين تركيا وأمريكا توترًا متزايدا على خلفية محاولة الانقلاب العسكري، خاصة أنها تمتلك شكوكا بضلوع الإدارة الأمريكية في دعم شبكات فتح الله غولن، في المقابل فإن قضية دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي جعلت العلاقات مع القارة العجوز باردة نوعا ما، وعليه فإن تركيا تحاول أن تستثمر وجودها في أفغانستان من أجل أن تكون ورقة ضغط للتقارب مع أوروبا وواشنطن.
فقد ذكرت التقارير أن أحد الدوافع الرئيسية لوجود أنقرة في أفغانستان هو رغبتها في امتلاك أدوات قوة وأوراق تفاوض فعّالة لتعزيز قدرتها على المستوى الإقليمي والدولي عموما، وتسعى لترميم علاقاتها المتوترة مع واشنطن والاتحاد الأوروبي خصوصا، مع الحرص على ضمان هامش أوسع من الاستقلالية في سياستها الخارجية.
اقرأ أيضًا/ بمَ وعد بايدن الرئيس الأفغاني غني قبل ساعات من سيطرة طالبان.. ما موقفه من تركيا؟
وأوضحت أن من أسباب التوتر بين تركيا وأمريكا هو دعمها للمشروع الكردي على الحدود السورية، وشراؤها منظومة الدفاع الصاروخية (S400) والعقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على أنقرة، مشيرة إلى أن أمريكا تعتبر هذه الصفقة تتعارض مع البروتوكولات الأمنية لحلف الناتو وتخشى من قدرة روسيا على جمع معلومات حساسة حول الأنظمة العسكرية للحلف.
كل هذه العوامل أدت إلى اتجاه تركيا نحو بناء سياسة خارجية أكثر “استقلالا” وبراغماتية عوضا عن الاعتمادية العالية التي كانت تحكم علاقة أنقرة بواشنطن والحلفاء الغربيين، وكذلك فإن الدفعة الهائلة في الصناعات الدفاعية التركية إلى تعزيز الشكوك حول مستقبل السياسة التركية في المنطقة والعالم، ومدى التزامها بدورها في حلف الناتو.
ولكن مع انتهاء حقبة دونالد ترامب وصعود الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن لإدارة الولايات المتحدة، تجد أنقرة نفسها في حاجة إلى مساعٍ جادّة لإعادة بناء العلاقة مع الولايات المتحدة، عبر إبراز فائدتها بوصفها حليفا، عوضا عن تقديم تنازلات جوهرية في سياساتها، وهي تأمل على ما يبدو أن إدارتها لمطار كابول سوف تعزِّز من أسهمها لدى الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين.
ولفتت التقارير إلى أن تركيا تأمل حماية بوابة اتصال أفغانستان الوحيدة مع العالم عبر إدارة مطار حامد كرزاي في كابول وتشغيله، في ظل حاجة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى جهة تدير الأزمة هناك، سيعيد ترميم علاقاتها المتوترة مع الغرب.
تركيا الخيار الأفضل
كما يقدِّر المسؤولون في واشنطن أنه في ظل عدم قدرة أي دولة غربية على البقاء، فإن وجود تركيا يعَدُّ الخيار الأفضل لتأمين المطار وتشغيله وطمأنة السفارات والمنظمات الدولية التي تدرس الإغلاق ومغادرة أفغانستان.
وفي هذا السياق يوضح الباحث في الشأن التركي عمر الأغا أنه يمكن أن يكون وجود تركيا في أفغانستان أقل إزعاجا لحركة طالبان مقارنة بأي قوة أخرى، بسبب الميول الإسلامية للحكومة التركية.
وقال الأغا: تأمل أنقرة أن وجودها الفاعل في أفغانستان سيُعزِّز من دورها بوصفها بديلا إقليميا قويا لعلاج الأزمات الناجمة عن الانسحاب الأميركي المستمر من المنطقة، في ظل ميل السياسة الخارجية والأمنية الأميركية للتركيز على التحديات المتفاقمة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وأوضح الباحث التركي أن أنقرة تمتلك فرصًا جيدة مقارنة بسائر دول الناتو للبقاء في أفغانستان فهي العناصر “المُسْلِمة” الوحيدة ضمن بعثة الناتو بأفغانستان، ما جعلها محل ترحيب؛ إذ طالما ارتبطت أنقرة بعلاقات طيِّبة مع الحكومة الأفغانية السابقة وحركة طالبان وحتى بعض الجماعات المسلحة الأخرى.
ولفت إلى أنه رغم وجود بعض التوترات مؤخرا بين تركيا وطالبان بسبب رفض الحركة وجود قوات عسكرية تركية لإدارة مطار كابول وتشغيله باعتباره “استمرارا للاحتلال الأجنبي”، لا يزال الطرفان يمتلكان فرصا جيدة للتفاهم.
من جانبه، أكَّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعداده لاستقبال قادة طالبان في أنقرة، كما أعلنت أنقرة بوضوح استعدادها للاستمرار في تقديم التشغيل الفني للمطار “إذا طلبت طالبان ذلك”، وهي بادرة يبدو أن حكام أفغانستان الجدد قد تلقوها بإيجابية، إذ أعربت طالبان عن استعدادها لإسناد المهام الفنية واللوجستية في المطار للأتراك، على أن تتولَّى الحركة بنفسها المهام الأمنية.