منذ أن سيطرت حركة طالبان على أفغانستان ورفضها لوجود القوات التركية في البلاد بصفتها عضوا في حلف الناتو، رفضت تركيا المغامرة من جديد وابتعدت عن قبول أي عرض دولي أو إقليمي والدخول في تفاهمات وتحالفات مع طالبان دون دون رسم خريطة طريق واضحة.
ووفق محللين مهتمين بالشأن التركي فقد أردات تركيا أن تنأى بنفسها عن أي مخاطرة في أفغانستان حتى لا تجد نفسها وسط مخاطر انفجار أمني أكبر يتجاوز كابول، ويشعل جبهات دول الجوار الأفغاني، تكون هي بين المتسببين فيه.
وعلى الرغم من دعم تركيا لإعلان الحركة بأنها تتجه لسياسة انفتاحا تجنبًا لأ عزلة أو مواجهات مع الاقليم، إلا أنها قلقة من حقيقة حقيقة أهداف مشروع “طالبان” في الداخل والخارج، وفهم ما تقوله وتريده ومدى استعدادها للالتزام بتنفيذ ما ستتعهد به.
اقرأ ايضا/ طالبان أصبحت قاب قوسين من الحسم في بنجشير.. وتركيا ترتقب الإعلان الرسمي للحكومة
وبناء على ذلك لا تريد تركيا التفريط بالفرص والأوراق القادرة على تحريكها محليا وإقليميا لحماية مصالحها في آسيا. لكنها من دون معرفة ، لن تحسم موقفها بشأن مسألة إدارة شؤون مطار كابول، وما يمكن أن تقدّمه من خدمات فنية وتقنية لتشغيله..
ويقول المتابعون إن العنوان العريض في أفغانستان هو ضبابية المشهد وانعدام الرؤية وتضارب السيناريوهات السياسية والأمنية، وسط مساومات معقدة ومتشابكة، تشارك قطر وتركيا وباكستان في إدارتها نيابة عن المجتمع الدولي.
وأضافوا ان العقدة الرئيسة في هذا الأمر هو سلوك طالبان وقراراتها وهل ستشرك بقية القوى السياسية والحزبية في إدارة شؤون البلاد، وكيف سيتعامل العالم معها.
ولفت المتابعون إلى أن أنقرة تنتظر من الحركة ان تعمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية، تبقي القوى السياسية الفاعلة أمام طاولة القرار بانتظار الاحتكام إلى الصناديق، وتريد من “طالبان” تقديم الضمانات الاجتماعية والسياسية والقانونية الكافية لتسهيل العبور نحو مرحلة جديدة في البلاد.
كما أنها ترفض أن تتحمّل مسؤولية فتح الطريق أمام “طالبان”، وأن يواجهها بعضهم مجدّدا بمسؤولية ترويج الإسلام السياسي، على الطريقة الطالبانية هذه المرّة، وهي لم تخرج بعد من مشكلة تحمل مسؤولية اختيار ورفع شعارات ثورات الربيع العربي.
وكذلك من أسباب عدم ثقة تركيا وقلقها هو احتمال دوث تفاهماتٍ أميركيةٍ مع “طالبان” لإنشاء إمارة إسلامية توفر الحماية لجماعات وحركات متشدّدة، لقطع الطريق على تحالفاتٍ محتملةٍ.
وتخشى أيضا أن ينعكس ما يجري من تطورات في أفغانستان سلبيا على مصالحها، وما بنته في العقدين الأخيرين من شبكة علاقات استراتيجية هناك.
بدوره أوضح الباحث في الشأن التركي سمير صالحة أن تركيا لن تضحّي بإنجازاتها في الأعوام السابقة في أفغانستان، وتريد أن تعود إلى أفغانستان أقوى مما كانت عليه قبل سحب جنودها من هناك، و”طالبان” قد توفر لها هذه الفرصة.
اقرأ أيضا/ أردوغان يجدد موقفه بخصوص الاتفاق و طالبان تطالب باستعادة الأموال المهربة
وأشار صالحة في مقال له إلى أن أنقرة لا تريد ان تظهر وكأنها تقود تحالفًا جديدًا مع “طالبان” في أفغانستان، ويوفر لها الدعم والحماية في ساحةٍ من الرمال المتحرّكة، قبل أن تتأكّد من نيات الحركة ومشروعها السياسي في بناء الدولة الجديدة.
ووفق صالحة فإن الطرح التركي، كما يبدو، هو سلة واحدة تناقش مع “طالبان”، وتجمع وضوح رؤية المرحلة الانتقالية وتركيبة الحكومة المرتقبة واستعداد الحركة للانفتاح الحقيقي على المجتمع الدولي، قبل نقاش أي اعتراف بها.
كما لفت إلى وجود سيناريو أمريكي لإخراج تركيا من تكتل شمال الأطلسي، لأنها خدعت شركاء الحلف بعقد صفقة صواريخ إس 400 مع روسيا، وهي تتمسّك بتفعيلها واستخدامها عند اللزوم.
وتساءل الباحث أنه أليس المطلوب من أميركا أن تتحمل ثمن ما فعلته في أفغانستان، وهي تنسحب تاركة أطنانا من السلاح النوعي الحديث لـ”طالبان”؟ وقد كرّرت ذلك في أكثر من مكان، في شمال سوريا عندما نقلت آلاف الأطنان من السلاح إلى مجموعات قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بذريعة محاربة “داعش”، فغادر “داعش”، لكن السلاح هو ما بقي على الحدود التركية.