تركيا الآن

هل تعود تركيا إلى سياسة تصفير المشاكل؟

قام رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، الاثنين، بزيارة العاصمة القطرية الدوحة، تلبية لدعوة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، للمشاركة في الاجتماع السابع للجنة الاستراتيجية العليا بين البلدين. وشهدت الزيارة التي استغرقت يومين، توقيع 15 اتفاقية تعاون في مختلف المجالات.

العلاقات التركية القطرية استراتيجية، ومبنية على أسس قوية، كما تتطابق مواقف أنقرة والدوحة من معظم القضايا الإقليمية والدولية. وشهدت العلاقات التركية القطرية خلال السنوات الأخيرة تطورات مهمة عززت التقارب بين البلدين، ولعل أبرز تلك التطورات وقوف قطر إلى جانب الحكومة التركية المنتخبة والرئيس أردوغان خلال محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها ضباط موالون لجماعة كولن في 15 تموز/ يوليو 2016، ووقوف تركيا إلى جانب الدوحة والشيخ تميم بن حمد آل ثاني في محاولة حصار قطر وخنقها في حزيران/ يونيو 2017.

زيارة أردوغان للدوحة كانت ذات أهمية، وما زاد تلك الأهمية مجيئها بين زيارتين مثيرتين؛ أولاهما الزيارة التي قام بها ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد قبل أسبوعين للعاصمة التركية أنقرة، وثانيتهما زيارة أردوغان المرتقبة في شباط/ فبراير المقبل للعاصمة الإماراتية أبو ظبي. ويبعث توقيت الزيارة رسالة مفادها أن ترميم العلاقات التركية الإماراتية لن يكون على حساب العلاقات التركية القطرية القوية.
 

تثير كل هذه التصريحات علامات استفهام حول مغزاها، ويطرح هذا السؤال نفسه: “هل تعود أنقرة إلى تصفير المشاكل في سياستها الخارجية؟”

رئيس الجمهورية التركي في مؤتمر صحفي عقده في “مطار أتاتورك” قبيل مغادرته إلى قطر؛ ذكر أن أنقرة تعمل على تطوير علاقاتها مع كافة دول الخليج العربي، مرحِّبا بـ”الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إعادة فتح أبواب الحوار بالخليج وإزالة سوء الفهم”. وأكد في كلمته التي ألقاها أمام الجنود الأتراك بالقاعدة التركية في الدوحة، أن “جميع شعوب الخليج هم إخوة حقيقيون لتركيا، بغض النظر عن أصولهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم”.

وسبق أن شدد أردوغان على حرص أنقرة على الارتقاء بالعلاقات مع كل من السعودية ومصر. وتثير كل هذه التصريحات علامات استفهام حول مغزاها، ويطرح هذا السؤال نفسه: “هل تعود أنقرة إلى تصفير المشاكل في سياستها الخارجية؟”.

سياسة تصفير المشاكل مع الجيران ودول العالم تبدو هدفا نبيلا، إلا أنها غير واقعية ولا يمكن تحقيقها، بل تؤدي إلى التخلي عن الحقوق والمصالح إن تحولت هذه السياسة إلى الهدف المنشود بعينه، في ظل تضارب مصالح الدول وسياساتها. وهناك مشاكل مستعصية لا يمكن حلها بمجرد حسن النية والحوار والمجاملات، وبالتالي، لا يصح وصف توجه أنقرة الأخير بـ”العودة إلى سياسة تصفير المشاكل”.

أنقرة تبدي منذ فترة طويلة رغبة في ترميم علاقاتها مع الرياض والقاهرة، وترى أن تركيا أقرب إلى السعودية ومصر من اليونان والقبارصة الروم، نظرا للأواصر التاريخية والمصالح المشتركة. وتتوافق هذه الرغبة مع اعتقادها بأن الدول الإسلامية ودول المنطقة يجب أن تحل مشاكلها بنفسها عبر الحوار دون تدخل القوى الخارجية وتوظيفها لتخدم مصالحها. وتعلن رغبتها هذه بين الحين والآخر، كما جاء في تصريحات أردوغان الأخيرة، لتؤكد أن أبوابها ما زالت مفتوحة لـ”من يريد أن يأتي البيوت من أبوابها”، إلا أنها لن تقبل بالتأكيد استغلال هذه الرغبة الصادقة في ابتزازها.

القيادة التركية ترى أن عالما آخر يتشكل بعد جائحة كورونا، في ظروف مختلفة عما قبلها، وتسعى إلى مواكبة هذا العالم الجديد كي لا تفوت البلاد القطار. وتتطلب هذه الرؤية مراجعة السياسة الخارجية، كما تجعل التغيير الجذري في السياسة الاقتصادية أمرا لا مفر منه لضمان نجاح الرؤية

التغيرات الدراماتيكية التي تشهدها الساحتان الدولية والإقليمية تفرض على الدول مراجعة حساباتها من أجل حماية أمنها ومصالحها القومية، وتصبح إعادة ترتيب الأولويات وفقا لتلك المتغيرات أمرا ضروريا. ومن المؤكد أن الدول التي تنجح في قراءة الأوضاع والتطورات، واستشراف مآلاتها بشكل صحيح، وتبادر في التأقلم معها دون تأخر، هي التي ستستفيد أكثر من المعادلات الجديدة وستخرج من الأزمات بأقل الخسائر.

القيادة التركية ترى أن عالما آخر يتشكل بعد جائحة كورونا، في ظروف مختلفة عما قبلها، وتسعى إلى مواكبة هذا العالم الجديد كي لا تفوت البلاد القطار. وتتطلب هذه الرؤية مراجعة السياسة الخارجية، كما تجعل التغيير الجذري في السياسة الاقتصادية أمرا لا مفر منه لضمان نجاح الرؤية والوصول إلى أهدافها. وبالتالي، يمكن القول إن لغة الحوار والانفتاح التي تتبناها أنقرة في سياستها الخارجية، ورغبتها في ترميم العلاقات المتدهورة مع بعض الدول وإدارة الأزمات مع بعضها الأخرى، مكمِّلة لسياستها الاقتصادية الجديدة المبنية على زيادة الإنتاج والتصدير، وخلق فرص عمل جديدة، وجلب مزيد من الاستثمارات إلى البلاد.

بواسطة/ إسماعيل ياشا

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “تركيا الآن”

أحدث الأخبار

المنتخب التركي يحتفظ بالمركز الـ26 في تصنيف “فيفا”

احتفظ المنتخب التركي لكرة القدم بالمركز الـ26 في التصنيف العالمي لمنتخبات الرجال الصادر، الخميس، عن…

19/09/2024

البنك المركزي التركي يواصل سياسته: الفائدة ثابتة عند 50%

أعلن البنك المركزي التركي عن قراره بشأن أسعار الفائدة لشهر سبتمبر. بعد أن أبقى البنك…

19/09/2024

فضيحة تيك توك: هبة عبد الرحمن في موقف محرج يتجاوز المليون مشاهدة

نشر مقطع فيديو خاص بالنجمة هبة عبد الرحمن على منصة تيك توك، وقد تجاوزت مشاهداته…

19/09/2024

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان: تصريحات هامة حول الملف السوري وتصاعد التوتر في المنطقة

أكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، استعداد تركيا للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، مشيراً إلى…

19/09/2024

سائقة متهورة تثير الفوضى في إسطنبول.. الشرطة تتدخل وتفرض غرامة كبيرة

في حادثة لافتة في منطقة بنديك بإسطنبول، ألقت الشرطة القبض على سائقة كانت تقوم بالتفحيط…

19/09/2024

أسعار صرف العملات الرئيسية مقابل الليرة التركية

جاءت أسعار صرف الدولار واليورو مقابل الليرة التركية في تعاملات الخميس بمدينة إسطنبول عند الساعة…

19/09/2024