الناظر إلى ما يجري لسعر الصرف في تركيا، يرى أنه يخرج عن إطار الحسابات الاقتصادية، خاصة أن سعر الليرة وصل إلى قرابة 18 ليرة مقابل الدولار الواحد.
ووفق مراقبين فإن الأسباب السياسية هي المسؤولة الأساسية عن هذا التراجع غير المحمود للعملة المحلية، مشيرين إلى أنه في مقدمة هذه الأسباب ذلك الصراع الداخلي على ترتيب المسرح السياسي لانتخابات يونيو/حزيران 2023، التي ستتم على الصعيدين البرلماني والرئاسي.
وفي هذا السياق يقول الكاتب والخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي: إن ما يُعلن من نتائج إيجابية للناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2021، أو تراجع معدل البطالة إلى 11.2% خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي، واستمرار تزايد معدل الصادرات السلعية ليصل إلى 221 مليار دولار، وانتعاش الموسم السياحي، يؤدي على الأقل إلى وقف تراجع قيمة الليرة التركية، إن لم يكن تحسنها.
اقرأ أيضا/ الليرة التركية تواصل الهبوط.. الدولار يسجل 17.83 ليرة
وأضاف أن المضاربة على الليرة التركية بشكل ملحوظ، هدفها توجيه ضربة قوية للرئيس رجب طيب أردوغان، وكذلك حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، حتى تأتي نتائج الانتخابات المرتقبة لصالح المعارضة.
وأشار الصاوي إلى أنه ليس بالضرورة أن يكون المضاربون من الساسة، ولكن يتم توظيفهم من قبل الساسة، لافتا إلى أن المضارب في النهاية يلهث خلف الأرباح السريعة، وهو غير معني باعتبارات التنمية، أو الصالح الاقتصادي القومي.
واقترح الخبير الاقتصادي على الحكومة التركية ثمانية إجراءات من شأنها أن توقف تدهور الليرة:
أولًا: على الحكومة إلزام المصدرين الأتراك بتوريد كامل حصيلة صادراتهم، إلى حساباتهم بالبنوك المحلية، وعدم إجراء أي عمليات مقاصة خارج البلاد، وتهدف هذه الخطوة إلى العمل على زيادة المعروض من النقد الأجنبي، وهذه الآلية ليست بالجديدة، فقد استخدمتها ماليزيا إبان أزمتها المالية في عام 1997، ولا تزال هناك إجراءات صارمة للتعامل بالدولار داخل ماليزيا.
ثانيًا: على إدارة أردوغان منع التعامل بالعملات المشفرة، وبورصة الفوركس، لضبط خروج النقد الأجنبي، فالصين والهند منعتا التعامل بالعملات المشفرة، وتقومان بالإعداد والتجهيز لإصدار عملات رقمية، وبذلك تم منع تدفق النقد أجنبي للخارج في إطار النشاط الريعي.
ثالثًا: يجب على الحكومة منع التعامل بالعملات الأجنبية داخل البلاد، وذلك للحد من ظاهرة الدولرة، التي لوحظ انتشارها بشكل كبير، حيث يقوم أصحاب بعض الأنشطة الاقتصادية بتحصيل مستحقاتهم بالدولار، أو تسوية المعاملات البينية بناء على سعر الدولار، وهو ما يؤدي إلى استمرار تراجع قيمة الليرة، والزهد في الاحتفاظ بها، كمخزن للثروة.
رابعًا: عليها مراقبة الحسابات الخاصة بالأفراد والشركات، ومعرفة الأرصدة التي تتضخم دون مبرر، خلال الفترة منذ سبتمبر/أيلول 2021 وحتى الآن، والتأكد من أنّ مصادر هذه الثروات طبيعية، وبعيدة عن المضاربة، والأنشطة المشبوهة.
خامسًا: كما أن عليها مضاعفة الجهود في مراقبة أنشطة غسل الأموال، فالمضاربون يسعون بشكل كبير، لغسل أموالهم التي حققوها من المضاربة على سعر الصرف، وبخاصة أن معدل تراجع الليرة كبير، ووصل إلى نسبة 100%، عما كان عليه مطلع عام 2021.
اقرا أيضا/ ما مصير الليرة التركية في 2022؟
سادسًا: على الحكومة تطبيق سياسة التعقيم تجاه الأموال الساخنة، فالأرقام تشير إلى تدفق نحو مليار دولار من الخارج إلى البورصة في تركيا، للاستفادة من تراجع قيمة الليرة، والسعي لشراء الأصول الرأسمالية من خلال البورصة. وحتى لا تكون البورصة بوابة لممارسة المزيد من الضغوط على سعر صرف الليرة، يفترض أن تقوم الحكومة التركية، بفرض ضرائب على خروج هذه الأموال في الأجل القصير من البورصة، حتى يتم إرغامها على البقاء في السوق التركي لأكبر فترة ممكنة، ويستقر الطلب والعرض على النقد الأجنبي.
سابعًا: يجب الانتباه إلى أن تكون عمليات السحب والإيداع للنقد الأجنبي من البنوك أو بين الحسابات مبررة، لأنشطة تجارية أو مالية، أو سداد مستحقات، ولا يسمح بغير ذلك. ولا تغيب أهمية الرقابة على شركات الصيرفة، وضرورة التأكد من أنّ عملياتها تدور في إطار قانوني.
ثامنًا: على إدراة أردوغان فرض رقابة شديدة، على المطارات والموانئ والمنافذ البرية، لرصد العمليات غير القانونية، لدخول وخروج النقد الأجنبي، ومصادرة الأموال المخالفة، أو تلك التي يستحوذ عليها أفراد لا تسمح مراكزهم المالية بملكية هذه الكميات من النقد الأجنبي.
المصدر: تركيا الان