ألقت السلطات الأمنية بإحدى محافظات الدلتا في مصر القبض على الشابين المتهمين بابتزاز الطالبة بسنت خالد بصور مفبركة، الأمر الذي دفعها للانتحار.
وقالت صحف محلية إن مديرية أمن محافظة الغربية تمكنت من القبض على شخصين متهمين في التسبب بانتحار ضحية الابتزاز الإلكتروني عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، في قرية كفر يعقوب التابعة لدائرة مركز كفر الزيات.
الحادثة جاءت أول أيام 2022، حيث كان الابتزاز هو الجريمة التي دفعت ثمنها ابنة الغربية بعد أن نشر أحدهم صورا “مفبركة” لها وحاول ابتزازها بها، ونشر الصور بين أهل القرية حتى وصلت إلى أيادي أسرتها وجيرانها وزميلاتها بالمدرسة، حتى أن معلمها قال لها متهكما “أنت أصبحت تريند في البلد أكثر من شيماء (أغنية شعبية انتشرت قبل أسابيع)”.
خوف.. توسل.. انتحار
“يا ماما صدقيني، الصور دي مش أنا، قسما بالله مش أنا ودي صور متركبة، أنا تعبت، أنا صغيرة على التعب ده، أنا جالي اكتئاب يا ماما بجد، حاسة إني بتخنق، أنا تعبت”.
بهذه الكلمات المؤلمة توسلت بسنت في رسالتها الأخيرة التي جاءت قبل دقائق من تناولها “حبة الغلة” بغرض الانتحار، تاركة العالم بأكمله يدفع ثمن خوف فتاة لم تتجاوز سن الـ 17 من عمرها، ضحية ابتزاز إلكتروني.
قبل أن يصلي الجمعة، دخل والدها غرفتها ومعه صورها المتداولة على وسائل التواصل بين أبناء قريتها، لم تنتظر الابنة منه سؤالا، وأخبرته “مش أنا يا بابا والله العظيم مش أنا، أنا متربية أحسن تربية، دي مش صوري ولا ده جسمي، دي صور متفبركة” يقول الأب إنه احتضن ابنته وقال لها “ماشي” ثم تركها وغادر للمسجد.
وحين عاد عرف أن كلمته الوحيدة لها لم تطمئنها، واختارت أن تغادر الدنيا طمعا في رحمة الله، بعد أن ضاقت بها قلوب من هم أقرب لها، رغم تأكد الأب من أخلاق ابنته التي حفظت القرآن منذ كانت في الصف الخامس الابتدائي، إلا أن ما فعله لم يكن كافيا ليشعرها أنها في أمان.
وحول القضية التي هزت الرأي العام المصري، علق الأزهر الشريف، عبر صفحته الرسمية على موقع فيسبوك، على واقعة الانتحار قائلا “إن الإسلام صنف اتهام الناس بالباطل والكذب ضمن المعاصي الكبرى، والجرائم الدنيئة، التي لا تنحصر أضرارها على مستوى الأفراد والمجتمعات، والتي تدلُّ على خبث من اتصفوا بها”.
وقال أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر مبروك عطية “أرواح تذهب وهذه ثاني حالة، الأولى كانت لدكتورة محترمة نشر لها أحد المجرمين على فيسبوك كلاما لا يليق عنها فهي لم تنتحر وإنما ماتت كمدًا وتركت أطفالا ولحقت بها بسنت، إلى هذه الدرجة سارت الأرواح رخيصة”.
وأشار الدكتور عطية إلى “كلمة جامعة مانعة ذكرت في القرآن الكريم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} فلو التزم بها المسلم لنجانا الله من ويلات الدنيا والآخرة”.
وحول جرائم الترويع قال الشيخ “اتقوا الله، المسلم لا يهدد ولا يروع الناس، قالها النبي صلى الله عليه وسلم (لا يروع أحدكم أخاه جدا أو هزلا)”.
الدعم النفسي
مواجهة جريمة الابتزاز، ونشر صور أو فيديوهات لضحايا، سواء كانت صحيحة أو مفبركة، مواجهة لا تتطلب فقط إبلاغ سلطات التحقيق، لكن تبدأ المواجهة بالدعم الأسري للضحية، حتى لا تقع فريسة للاكتئاب، مما يدفعها للانتحار، أو العزلة خشية مواجهة المجتمع.
يقول الدكتور محمد هاني، أستاذ الصحة النفسية، إن ضحية الابتزاز الإلكتروني، في الغالب، ما تكون الحلقة الأضعف في المجتمع، لهذا يستهدف المبتز غالبا المرأة أو الطفل “وفي الحالة التي نحن بصددها كانت بسنت أقل قدرة نفسية على استيعاب الصدمة، كونها طفلة وأنثى، حتى أن رسالتها المبكية كانت تقول: أنا تعبت أوي.. أنا أصغر من أني أتحمل كل ده”.
الدعم الأسري غالبا لم يحدث، كما يعتقد هذا الطبيب النفسي، مؤكدا للجزيرة نت أن إقدام فتاة الغربية على الانتحار بهذه السرعة، بعد حديثها مع أبيها، يؤكد أن معظم خوفها كان من أسرتها وشعورها بالخذلان وعدم ثقتهم بها. أسرتها التي لم تصدقها كما يظهر من رسالتها التي أكدت فيها أكثر من مرة “صدقيني يا أمي”.
#حق بسنت لازم يرجع، وسم انتشر على مواقع التواصل، وساهم في سرعة ضبط الجناة المتهمين بابتزاز بسنت، ودفعها لإنهاء حياتها.
كان من الممكن أن تُنقذ حياتها لو سارع أهلها بالإبلاغ ضد المتهمين، وعدم إلقاء اللوم على الابنة، بحسب الدكتور هاني، الذي أضاف للجزيرة نت أن هناك عدة طرق يمكن من خلالها أن تحافظ الأسرة على حياة الضحية، سواء كانت طفلا أو امرأة، حيث أثبتت الدراسات أن الدعم الأسري كان قادرا على تخفيف حدة أعراض الاكتئاب ومقاومة الأفكار الانتحارية عند 65% من ضحايا الابتزاز من خلال:
مساحة الأمان بين الطفل وعائلته، أو المرأة وزوجها، حتى تستطيع الضحية أن تبوح بكل ما تحمل من هموم.
السؤال بهدوء عن نوع العلاقة مع المبتز ومدتها، مع نوع من التلامس الخفيف مع الضحية، كأن يمسك يده باطمئنان، فيرسل له رسالة “لا تخف”.
تصديق الضحية في كل ما يروي، وجعله يحكي كل ما يريده دون ضغوط أو أساليب تهكمية أو محاولات لوي الحقائق كي نصل لنتائج أخرى.
إذا كان الضحية مخطئا بالفعل، فقم بتأجيل اللوم أو العتاب حتى تنتهي المشكلة الواقع فيها، ثم واجهه بأخطائه مع استمرار دعمه.
لا تجعله يخشى مواجهة المجتمع، ممن عرف بأزمته، وكلما ظهرت معه داعما ومصدقا كان ذلك أكثر تشجيعا له على مواجهة الأطراف الظالمة له.
المصدر : وكالات