العزلة الاقتصادية. العزلة السياسية. العزلة العسكرية. العزلة الدبلوماسية. العزلة الثقافية. إنها أشبه بالإبادة أكثر من العزلة. إنها كنوع من الجنون العرقي والثقافي. يبدو الأمر كسلوك طريق لا عودة فيه.
نعم، بلد ما (أوكرانيا) يتعرض للاحتلال. التماسك الأخلاقي هو الوقوف ضد هذا الاحتلال، وإيقاف تلك الحرب. نحن ليس لدينا مشكلة هنا. ولكن كلًا من روسيا والغرب يدمران شعبًا بأكمله بسبب مخاوفهما. ويدفع الشعب الأوكراني ثمنًا باهظًا لغضب كلا الجانبين في خضم الصراع على القوى بين الشرق والغرب.
احتمالان، مخاوف واحدة…
يجري اتخاذ خطوات لجر كل أوروبا الشرقية إلى ساحة المعركة. أيُ وقف لإطلاق النار وأيُ سلام هذا الذي يمكنك تحقيقه من خلال عزل روسيا التي لديها مخاوف هستيرية وجنونية كأنها في الحقبة السوفيتية؟
هناك احتمالان: الولايات المتحدة وأوروبا تعتقدان أن روسيا ستحتل دول أوروبا الشرقية الأخرى، وبالتالي ستكون أوروبا ضعيفة تمامًا وبدون دفاع. لذلك سيقومون بتحويل الدول الواقعة على الحدود الشرقية إلى خط دفاع كبير.
كل المؤشرات تدل على أن جميع البلدان ليست فقط تحت تهديد روسيا، بل تحت تهديد الغرب أيضًا. إنها لعبة كبيرة تُحيكها أوروبا والولايات المتحدة من أجل الدفاع عن أوروبا، ومن أجل أزدهار وراحة أوروبا. تقومان بتحويل هذه البلدان المعنية إلى أسلحة، وتطرد جميع البلدان الواقعة على خط الحدود من البلطيق إلى بحر إيجة.
أوروبا الشرقية تقع تحت تهديد كلًا من الغرب وروسيا
أعتقد أن دولًا مثل بولندا وليتوانيا ورومانيا وبلغاريا يجب أن تكون حذرة للغاية. نعم، روسيا تشكل تهديدًا لهم. لكن الحسابات السرية للولايات المتحدة وأوروبا تشكل تهديدًا أكبر بكثير.
تخطط الولايات المتحدة وأوروبا لجر روسيا إلى أوكرانيا كي تخوض صراع طويل الأجل، ومن ثم انتهاز هذه الفرصة لتقسيم روسيا للمرة الثانية، والاستيلاء على مواردها الهائلة. هذه الحرب ستستمر بالتأكيد بعد أوكرانيا.
لا تعتقد فقط أن الأمر يقتضي على النفط والغاز، بل على جميع الموارد. ولننظر ما تعنيه جغرافية روسيا بالنسبة للممرات التجارية الجديدة في العالم. سيتضح كل شيء.
خرج المحور المركزي للعالم من أيدي الغرب
إن تركيا في نفس الوضع. للمرة الأولى منذ قرون، تخرج ممرات التجارة العالمية من أيدي الغرب. وهي تحت سيطرة دول مثل الصين وروسيا وتركيا وإيران. الغالبية العظمى من المعابر البحرية موجودة بالفعل في الجغرافيا الإسلامية.
انظر للخرائط، المحور الرئيسي للأرض يصعد مرة أخرى، يتم تنحية الغرب جانبًا. يجري بناء عالم جديد يمتد من الصين إلى شمال ووسط أفريقيا، ويشمل وسط وجنوب آسيا والشرق الأوسط. وبالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا، هذا هو انهيار تاريخهم. إنهم يحاولون إيقافه.
الممر الأوسط:
بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا الحرب.
الهدف الثاني تركيا!
إذا كان الأمر كذلك، فإن الحرب الأوكرانية بدأها الغرب والولايات المتحدة وبريطانيا. يقومون بإجراء حساباتهم لجر روسيا إلى الحرب في مناطق أخرى أيضًا، وانهيارها على حساب تدمير دول أخرى. في ذلك الوقت، سيبدأ عصر النهب للجغرافيا والموارد الروسية.
اسمحوا لي أن أكون واضحًا: ستكون تركيا الهدف الثاني للغرب بعد روسيا. وحتى الآن، جميع التهديدات المحددة ضد تركيا مصدرها الولايات المتحدة وأوروبا. لقد كشف الموقف الحالي للولايات المتحدة وأوروبا تمامًا عن التهديدات التي ستضرب تركيا.
تركيا: تقع في قلب خريطة القوة المشكلة حديثًا. وموطن “الممر الأوسط”. دولة تبني قوتها وتصعد بسرعة كبيرة، أحدثت هزات لا تصدق من آسيا الوسطى إلى الشرق الأوسط وأفريقيا. وهذا كله يتعارض مع مصالح الغرب ، وضد الإمبريالية الغربية والاستعمار.
هدفان كبيران للغرب:
إيقاف قلب العالم القديم.
إن الأزمة المندلعة في أوكرانيا ستكون محسوسة في كل مكان، من أوروبا الشرقية إلى البحر الأبيض المتوسط، ومن بحر إيجة إلى الشرق الأوسط، ومن آسيا الوسطى إلى جنوب آسيا. أما بالنسبة لتركيا، سيكون بحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود أكثر الأماكن حدة في مواجهة القوى العالمية.
تهدف الولايات المتحدة وأوروبا إلى أمرين:
1-إيقاف روسيا، القوة الوشيكة الصاعدة من الشرق، في أوروبا الشرقية. وتوحيد الولايات المتحدة وأوروبا. وذلك لمنع تفكك أوروبا. وللحفاظ على النظام الغربي.
2- بناء نظام جديد للقوة في قلب العالم القديم، بدءًا من الصين ووصولًا إلى الحدود الأوروبية، كما سيقومون بتخريب النظام العالمي الجديد الذي يستخدم النفوذ الجغرافي لتركيا وروسيا وينحي الغرب جانبًا.
هذا النموذج من الحظر يخبرنا شيئًا مختلفًا.
هل ستستسلم روسيا؟
حسنًا، هل الولايات المتحدة وأوروبا ستتمكنان من تركيع روسيا ؟ هل ستتمكنان من ردع روسيا عن مهمتها التي بدأتها؟ هل ستتمكن أوروبا من كبح مخاوفها بهذه الطريقة؟
قام الغرب بتطبيق عزلة شديدة على روسيا، من النظام النقدي إلى ممرات النقل، ومن الاستهلاك الفاخر إلى الطاقة، ومن الطعام إلى الموضة، ومن التجارة إلى وسائل الإعلام، ومن الثقافة إلى الفن، وشملت العزلة كل مجال قد يحتاجه الفرد أو الدولة.
أخرجوا روسيا من جميع الأنظمة الغربية القائمة على نطاق عالمي. لقد غادرت جميع الشركات الغربية هذا البلد. توقفت جميع الاستثمارات. وأُغلقت المصانع. كان رد الفعل الناجم من قبل الولايات المتحدة وأوروبا على احتلال أوكرانيا محددًا لخنق روسيا، وهو أبعد بكثير من احتلال بلد ما.
لم يكن موقف الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا، قبل وبعد الاحتلال الروسي، يقتصر على النطاق الأوكراني. بل أثاروا الحرب، واستفزوا روسيا. وحرضوا أوكرانيا. وبعد أسبوع من بدء الاحتلال، استفزوا العالم بأسره.
باستثناء الخيار العسكري كل شيء تم القيام به:
حسنًا، ماذا ستكون الخطوة الثانية؟
وصل الأمر إلى نقطة تحول فيها الدفاع عن أوكرانيا المحتلة إلى الدفاع عن الخطط المستقبلية للولايات المتحدة وأوروبا. كثير من الناس والبلدان مترددة في هذا المجال. ومع تفوق المعلومات، تؤخذ عقول الجماهير رهينة.
تم فعل كل شيء من الممكن القيام به تجاه هذا البلد (روسيا)، واُتخذت كل القرارات ما عدا الخيار العسكري. الآن نحن في انتظار النتائج. لذا، ماذا لو لم ينجح هذا الإغلاق الثقيل؟ ما هي الخطوة الثانية؟
هل سيتم إغلاق بحار العالم عن روسيا؟ هل سيتم إغراق السفن التجارية الروسية؟ هل سُتضرب خطوط الأنابيب في روسيا؟ هل سيتم محاكمة من يذهب إلى روسيا؟ هل سيُقتل مواطنين روس في أمريكا وأوروبا؟ هل سيتم عزل الدول التي لم تقطع علاقاتها مع روسيا بالطريقة نفسها؟
.إذًا لم يتبقى سوى الخيار العسكري
كل بلد يعيش نفس الشكوك.
سيخرج العالم من النظام الغربي.
لكن العالم ليس في مكان يهيمن الغرب فيه بالكامل. لقد فقد الغرب بالفعل تلك القوة. مؤسسات وأنظمة النظام القديم بين يديه، هذا صحيح.
حسنًا، ألن تفكر كل دولة عندما تواجه مشكلة مع الغرب غدًا أنها سترى نفس الشيء؟ ألم تدرك أن نفس الشيء سيحدث لها؟ ألن تبدأ في اتخاذ الإجراءات وفقًا لذلك؟
لا أعتقد أن أي دولة، باستثناء الولايات المتحدة وأوروبا وعدد قليل من الدول الاستعمارية، ستستسلم لمثل هذا الجنون. وأعتقد أنهم يُدخلون بالفعل اتجاهات بديلة في مجالات التمويل والموارد والأسواق وأسعار الصرف. هذا موجود بالفعل. معظم العالم سيخرج من النظام الغربي.
الولايات المتحدة وبريطانيا ينصبان الفخ لجر تركيا إلى الحرب
دعونا نضيف:
ستفعل الولايات المتحدة وأوروبا بتركيا ما فعلتاه بروسيا. وستستخدم الرأي العام المحلي والمعارضة لجر تركيا إلى حرب كبيرة.
بغض النظر عما سيحدث في الخطوة التالية بعد احتلال أوكرانيا، فإن الولايات المتحدة وأوروبا ستشنان حروبًا جديدة. ستقومان بفتح جبهات جديدة ضد روسيا.
شنت الولايات المتحدة وبريطانيا هجومًا مضادًا لضمان عدم خروج النظام العالمي الجديد من أيدي الغرب. لكن هذا الهجوم يتم تنفيذه من خلال دول ثالثة.
وفي الحقيقة أن الحرب العالمية قد بدأت. ويتم شن هذه الحرب من خلال حسابات القوى والموارد والأسواق والمؤسسات العالمية والنظام المالي.
محاولة التلاعب بعقول الدول وعواطف الجماهير
الهدف الرئيسي هو “الممر الأوسط” وطرق التجارة والموارد وممرات النقل. وأي بلد تمر عبره هذه الطرق يمكن أن يغرق في الصراع. وتركيا في قلب كل هذا.
لقد خاض الغرب حروبه من خلال المنظمات الإرهابية. والآن يخوضها من خلال بلدان طرف ثالث. بعد أوكرانيا، يمكن أن تبدأ الصراعات المباشرة وهذا سيكون مدمرًا للعالم.
يحاول الغرب منع الاستيلاء على النظام العالمي من قبل الآخرين ومنع نفسه من التنحي جانباً. لن يتوقف عقل الغرب وطموحه عن تحويل العالم كله إلى منطقة حرب لمنع ذلك.
هذه ليست حربًا أوكرانية بأي حال من الأحوال. إنهم يحاولون التلاعب بعقول الدول وعواطف الجماهير. يجب أن تكون كل دولة في حالة تأهب.
سيتم نصب فخ لتركيا
تدرك تركيا أنها ستكون الهدف الثاني. وأنها ستقع في فخ كبير. إذا لم ترهن نفسها مرة أخرى للنظام الغربي ، وإذا رفضت أن تصبح جهاز الدفاع لأوروبا، وإذا استمرت في الصعود بقوتها.
يجب على عقل تركيا الإمبراطوري التغلب على كل هذا، وسينجح في ذلك.