فتحت سياسة أنقرة المتوازنة حيال الهجوم الروسي على أوكرانيا مساحة للدبلوماسية التركية التي كان لها تأثير دولي.
يمكن رؤية ذلك بوضوح حين النظر إلى زخم اللقاءات/الاتصالات التي يجريها الرئيس أردوغان، والزيارات التي تجري وستجري في الأيام القادمة إلى أنقرة ومهمة الوساطة التي جمعت وزيرَي خارجية أوكرانيا وروسيا في أنطاليا التركية.
قبل أيام من اندلاع الحرب في أوكرانيا، لخص الرئيس أردوغان موقف تركيا بقوله “لا يمكننا التخلي عن روسيا أو أوكرانيا على حد سواء”، حينما قطع جولته الإفريقية وعاد إلى أنقرة لحضور قمة الناتو الافتراضية من هناك.
على صعيد آخر، كانت القمة الدبلوماسية التي جمعت وزيري خارجية أوكرانيا وروسيا بوساطة تركية في مدينة أنطاليا؛ مخيبة لآمال كثيرين ممن تفاءلوا بوقف إطلاق النار هناك.
زير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حينما حاول في المؤتمر الصحفي عقب انعقاد القمة إلقاء اللوم على نظيره الأوكراني كوليبا وتمرير عبارات ساخرة من قبيل “لا يجب أن تجلس على الطاولة من أجل الحديث فقط”، بدا وكأنه جاء بالفعل إلى أنطاليا والجلوس على طاولة المفاوضات من أجل الحديث ليس إلا.
نتيجة لذلك، فإن غياب موضوع وقف إطلاق النار عن هذه القمة يعني أن روسيا لم تتخل بعد عن الأهداف التي حددتها في بداية الحرب، بل لا تريد حتى إعادة النظر في ذلك.
لكن علينا أن لا ننسى وبصرف النظر عما يجري على ساحة المعركة، فإن هذه القضية تحمل أيضًا بُعد “الحرب النفسية”.
فمن الواضح أن الروس يريدون استخدام أدوات نفسية تنعكس بالسلب على تطلعات الأوكرانيين، مثل فشل هذه التطلعات و”تدمير معنوياتهم” و”تبديد آمالهم وتحويلها إلى خيبة أمل” من خلال هذه المفاوضات نفسها.
هل يمكن حدوث لقاء بين بوتين وزيلينسكي بوساطة من أردوغان؟
من جانب آخر، علينا أن لا نحكم على الدبلوماسية التركية بالفشل وما شابه لمجرد أن نتائج المفاوضات في أنطاليا لم تخرج بنتيجة مرجوّة.
أشار وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو في هذا الصدد حينما أدلى بتصريحاته بصفته مُضيفًا لهذه المحادثات، إلى أن هذا اللقاء يمكن أن يكون “بداية” لترتيب لقاءات أخرى على طاولة المفاوضات في المرحلة القادمة
ويمكن أن يُفهم من ذلك أنه حسب تطورات المرحلة القادمة يمكن أن ينعقد لقاء مباشر بين بوتين وزيلينسكي بوساطة من أردوغان.
ويمكن أن نرى بوضوح من خلال زخم اللقاءات والحركة المكثفة في هذا الصدد أن مهمة الوساطة التركية في هذه الحرب تثير الاهتمام والمتابعة خاصة في العواصم الغربية.
هل طلب بايدن من أردوغان المشاركة في العقوبات على روسيا؟
كما تعلمون فقد أجرى الرئيس الأمريكي جو بايدن مكالمة هاتفية مع نظيره التركي أردوغان مساء الخميس الماضي.
التصريحات الصادرة عن البيت الأبيض عقب الاتصال، عكست وضعًا يعتبر الأكثر إيجابيًا فيما يتعلق بأنقرة منذ تولي بايدن منصبه.
قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي في بيانها عقب الاجتماع أن “الرئيس التركي أردوغان والرئيس الأمريكي بايدن عقدا لقاء “بنّاءً”، وأن بايدن “مسرور للغاية” بمبادرة تركيا الدبلوماسية في نطاق منتدى أنطاليا اليوم.
أما بايدن فقد شارك عبر تويتر تقييمه لهذا اللقاء الهاتفي مع أردوغان، حيث قال “تحدثت مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم. ناقشنا أهمية مواصلة الجهود الدولية لتنسيق ردودنا على هجوم روسيا غير المبرر على أوكرانيا، ومحاسبة موسكو على العدوان ودعم الشعب الأوكراني”.
مسؤول تركي رفيع المستوى: بايدن لم يطلب فرض عقوبات
السؤال هنا، هل مخرجات هذا اللقاء الهاتفي “الإيجابية” تتطابق مع ما وراء الكواليس؟
يجب أن نسأل سؤالًا آخر؛ هل جرى شيء من قبيل “الضغط” على تركيا للتخلي عن موقفها الحالي، وتحديد موقعها بالضبط والامتثال للقرارات التي اتخذها التحالف الغربي الذي تنتمي هي بدورها إليه؟
سألت مسؤولًا رفيع المستوى كان على دراية بفحوى اتصال أردوغان وبايدن؛ “هل طلب بايدن من تركيا فرض عقوبات ضد روسيا؟”.
ودعوني أنقل لكم الإجابة كما حصلت عليها؛ “لا، لم يطلب ذلك. كان لقاء إيجابيًا. ولقد انعكس ذلك بشكل جيد على التصريحات عقب اللقاء”.
إلى جانب ذلك، هناك توضيحان بخصوص مسألة فرض العقوبات لا يمكن إهمالهما؛ الأول: تصريحات للأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، على قناة “سي إن إن تورك”، حينما أجاب على سؤال “هل تتوقع فرض تركيا عقوبات على روسيا؟”، حيث قال “نعم، نتوقع من جميع حلفائنا أن يفرضوا عقوبات ضد روسيا. حتى نتمكن من جعل روسيا تدفع الثمن. ولقد نقلت هذا الأمر للسيد تشاووش أوغلو”.
أما التوضيح الثاني، فهو ما صرح به المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، في حيدثه مع “سي إن إن الأمريكية”، حين قال “لا نفكر الآن بفرض عقوبات على روسيا. لأننا نريد إبقاء قنوات الثقة مفتوحة. نريد إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة مع الروس. وبالطبع لا نريد أن يتأثر اقتصادنا بما يجري”.