على الرغم من التحسن الذي شهدتها العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية إلا أن التقرير الذي أصدرته الخارجية الأمريكية الخاص بحقوق الإنسان لعام 2021 أغضبت أنقرة.
وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان لها إن البيان الأمريكي يحتوي على مزاعم لا أساس لها من الصحة، وصاصفة إياها بالمؤسفة.
وأعربت تركيا عن أسفها حيال استمرار الولايات المتحدة بعدم إدراكها للكفاح الذي تخوضه تركيا ضد جميع أشكال الإرهاب، وخاصة تنظيمات “بي كا كا-ي ب ك” و”غولن” و”داعش” و”د ه ك ب-ج”.
وشددت على أن تخصيص التقرير مساحة لما أسمتها أكاذيب تنظيم غولن منفذ الانقلاب الغادر في تموز 2016 رغم جميع الأدلة الملموسة التي قدمتها أنقرة، إنما يظهر أن الولايات المتحدة لا تزال أداة للبروباغندا التي يمارسها التنظيم الإرهابي.
وأضافت أنه لا يمكن قبول احتواء التقرير على مزاعم تتجاهل الهوية الإرهابية لتنظيم “بي كا كا” وتدعم خطابات الدوائر المرتبطة بالإرهاب، مشددة على أن تركيا تمتلك الإرادة الكاملة لحماية حقوق الإنسان وتطويرها.
ولفتت إلى أن تعاونها مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان واستراتيجية الإصلاح القضائي التي أعلنتها عام 2019 وخطة عمل حقوق الإنسان التي كشفت عنها عام 2021، هي نذر يسير من المؤشرات الملموسة على هذه الإرادة.
وطالبت الوزارة في بيانها الولايات المتحدة بالتركيز على سجلها في مجال حقوق الإنسان وإنهاء الشراكات التي تعقدها مع الأذرع التابعة للجماعات الإرهابية بدعوى مكافحة الإرهاب.
وختمت البيان بالتشديد على إصرارها على العمل بكل حزم من أجل حماية وتطوير حقوق مواطنيها وملايين الأشخاص الذين تستضيفهم.
اقرأ أيضا/ وفق تقييم أمريكي.. 4 عناصر تحدد دور تركيا في الحرب الروسية الأوكرانية
ومع استمرار الحرب الأوكرانية الروسية وبروز دور تركيا كوسيط نزيه في الحرب، تغيرت نظرة الغرب وأمريكا تجاه تركيا.
ووفق مراقبين فإن الدور الدبلوماسي الذي لعبته تركيا في هذه الأزمة مكنها من الحصول على اهتمام دولي كبير، وحسن علاقاتها مع العديد من الدول الغربية، وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية.
وأوضحوا أن هناك توجها كبيرا للشركات الأمريكية الكبرى المنسحبة من روسيا للاستقرار في تركيا، منوهة إلى أن الاتصالات بين أنقرة وواشنطن، ازدادت بشكل واضح مؤخرا.
وفي هذا السياق يقول الكاتب والمحلل السياسي التركي فيرهات دمير”: إن العلاقات التركية الأمريكية، تشهد حقبة جديدة، بعد توترها في الماضي، بسبب بعض القضايا الخلافية بين البلدين”.
وأضاف في مقال له نشرته وسائل إعلام تركية أن الفترة الأخيرة شهدت تطورات تعد بداية مهمة لإعادة تطوير العلاقات بين تركيا وأمريكا، والتي شهدت فتورا في السابق بسبب عدة قضايا، من أهمها منظومة الدفاع “أس400″ الروسية.
وأوضح الكاتب أن وفدا اقتصاديا تركيا مكونا من شخصيات رفيعة المستوى، أجرى زيارة أمريكا استمرت ليومين، وأسهمت بإحراز تقدم كبير في تطوير العلاقات التجارية بين البلدين.
ولفت إلى أن هذه الزيارة تعد تطورا هام للغاية، منوها إلى أن الاجتماعات تلك تناولت العديد من المواضيع الاقتصادية الهامة، وعلى رأسها الاستثمارات في مجال التكنولوجيا والطاقة.
وكشف عن أن هذه الاجتماعات عززت آليات الحوار لتطوير العلاقات التجارية بين البلدين، كما أن وفدا تجاريا من الولايات المتحدة سيأتي إلى تركيا قريبا”.
في حين أسفرت الزيارة عن عقد اجتماع رجال الأعمال الأمريكي التركي، في الولايات المتحدة الأمريكية في حزيران/ يونيو، والذي لم ينعقد منذ عامين، كما تضمنت الحديث بشكل جدي عن قدوم الشركات الأمريكية الكبرى إلى تركيا لفتح استثمارات ضخمة، مشيرة إلى أن الأطراف أكدوا أنه يمكن إجراء تجربة ملموسة في هذا الأمر خلال وقت قصير.
ومنذ اليوم الأول للغزو الروسي لأوكرانيا أدانت تركيا بشكل واضح العملية العسكرية واعتبرتها حالة حرب، ورغم ذلك فإن موقفها لم ينسجم مع الموقف الأمريكي والغربي من العملية.
ووفق مراقبين فإنها لم تفرض عقوبات على روسيا كما فعلت أمريكا والاتحاد الأوروبي وأكدت أنها لن “تتخلى عن روسيا وأوكرانيا” وأنها ستسعى للوساطة للوصول لحل سلمي، وقامت بالفعل باستضافة جلسات حوار بين الطرفين.
وأوضحوا أن روسيا وأوكرانيا من خلال تصريحاتهما يبديان قبولا للموقف التركي المتوازن،
وفي هذا السياق يقول الكاتب والمحلل السياسي فراس أبو هلال في مقال له إن هناك عوامل عديدة أثرت على الموقف التركي غير المنسجم تماما مع واشنطن والناتو.
العامل الأول هو تشابك العلاقات التركية الروسية خلال السنوات الماضية، فقد عقدت أنقرة وموسكو عدة اتفاقيات لإدارة الوضع في شمال سوريا، ومن الواضح أن الهدوء النسبي في إدلب وشمال غرب سوريا عموما هو نتيجة لهذه الاتفاقيات، ولا يمكن لتركيا أن تضحي بحالة الهدوء في الأراضي السورية على حدودها من خلال إغضاب روسيا.
العامل الثاني هو الاقتصاد، فتركيا تعيش حالة من ارتفاع التضخم وعدم استقرار سعر الليرة. بلغ التبادل التجاري بين البلدين حوالي 20 مليار دولار عام 2020، فيما يطمح الطرفان للوصول به إلى 100 مليار دولار سنويا.
اقرا أيضا/ دولة أوروبية تخشى من غزو روسي وتطلب المساعدة من تركيا
كما أن حوالي 6 ملايين سائح روسي يزورون تركيا سنويا، بما يعنيه ذلك من دخل كبير للميزانية التركية، مشيرا إلى أنه لا يمكن لتركيا أن تتنازل عن هذه العلاقة الاقتصادية، خصوصا أنها اختبرت التأثير الهائل على الاقتصاد التركي جراء توتر العلاقات بين البلدين في أعقاب إسقاط الطائرة الروسية من قبل طائرة تركية عام 2015.
أما العامل الثالث -وفق أبو هلال- فهو العلاقة الملتبسة بين تركيا من جهة والناتو وواشنطن والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، فلم تقف واشنطن وحلفاؤها في الناتو وأوروبا موقفا جديا مع تركيا أثناء خلافها الشديد مع روسيا عام 2015،.
وأضاف أنه عندما اضطرت لشراء منظومة الدفاع الروسية “إس 400” تعرضت للعقوبات الأمريكية، وفي نفس الوقت تشهد العلاقات التركية مع أوروبا توترا وارتباكا مستمرا منذ سنوات.
وختم الكاتب أنه هذه العوامل دفعت صانع القرار التركي لعدم التخلي عن علاقاتها مع روسيا في وقت لم تتمكن فيه من الحصول على مزايا وعلاقات خاصة مع الغرب، وبانتظار نظام دولي محتمل متعدد الأقطاب.
المصدر: تركيا الان