أعلن رئيس حزب الحركة القومية، دولت باهتشلي، قبل أكثر من سنة، أن مرشح تحالف الجمهور الانتخابي الذي يشارك فيه حزبه مع حزب العدالة والتنمية، هو رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، إلا أن تحالف الملة المعارض لم يحدد حتى الآن مرشحه الذي سينافس أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في صيف 2023. وبالتالي، فإن هذا السؤال يطرح نفسه: “لماذا تحرص أحزاب المعارضة على إخفاء مرشحها لرئاسة الجمهورية، رغم مطالبة الرأي العام التركي بإعلانه؟”.
هناك احتمالات مختلفة، أولها أن أحزاب ما يسمى “طاولة 6+1” أو “تحالف 28 فبراير/ شباط المعزز”، وهي أحزاب الشعب الجمهوري، والجيد، والسعادة، والمستقبل، والديمقراطية والتقدم، والديمقراطي، بالإضافة إلى حزب الشعوب الديمقراطي، لم تنجح بعد في تحديد مرشحها المشترك في ظل تنافس شديد بين المرشحين المحتملين.
رئيس حزب النصر المعارض، أوميت أوزداغ، ألقى قنبلة وسط قادة أحزاب تحالف الملة، حين دعا رئيس بلدية أنقرة، منصور ياواش، إلى الترشح لرئاسة الجمهورية، مضيفا أن هذا الأخير يتمتع بشعبية واسعة، في إشارة إلى نتائج استطلاعات الرأي التي تظهر ياواش متقدما على رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو. وبعد تلك التصريحات التي أثارت ضجة كبيرة، قام ياواش المنتمي إلى حزب الشعب الجمهوري، بزيارة كل من كيليتشدار أوغلو ورئيسة الحزب الجيد ميرال آكشنير، لطمئنتهما، مؤكدا أن تصريحات أوزداغ صدرت دون علمه وموافقته.
دخول ياواش على خط المنافسة، ولو عن طريق تصريحات غيره، أربك حسابات قادة أحزاب تحالف الملة، على رأسهم كيليتشدار أوغلو الرافض لترشح أي من إمام أوغلو وياواش لرئاسة الجمهورية، في ظل الانقسام الحاد الذي تشهده صفوف مؤيدي حزب الشعب الجمهوري بين “الكماليين” و”الأكرميين” و”المنصوريين”.
كما أن القادة الستة الجالسين على الطاولة لم يتفقوا على أي اسم كمرشح التحالف، فمنهم من يريد أن يرشح نفسه، ومنهم من يدعم ترشيح إمام أوغلو، ومنهم من يرى أن الأفضل ترشيح رئيس الجمهورية السابق عبد الله غول. ومن المؤكد أن إعلان أحد تلك الأسماء كمرشح التحالف سيغضب الآخرين ومؤيديهم، وأن قادة التحالف يخافون من أن يؤدي ذلك إلى تراجع حظ مرشحهم المشترك في الانتخابات.
هناك محللون يلفتون إلى أن مرشح تحالف الملة المعارض سيتم تحديده بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، ويرجعون سبب عدم إعلان التحالف عن مرشحه إلى تأخر “الخارج” في حسم موقفه من المرشحين المحتملين. ويستدلون على صحة رأيهم باللقاءات التي جمعت رئيس بلدية إسطنبول وقادة المعارضة مع سفراء الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
ويعزز هذا الرأي، ما ذكره وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، في تصريحاته التي تحدى فيها رئيس حزب الشعب الجمهوري وطالبه بالكشف عن هوية السفير الأوروبي الذي أرسل إليه نص بيان القادة الستة لمراجعته وتصحيحه. ولم يرد كيليتشدار أوغلو على تلك التصريحات، إلا أن رئيس تحرير صحيفة “يني شفق” التركية، حسين ليكوغلو، ذكر أن السفير الأوروبي الذي أرسل إليه رئيس حزب الشعب الجمهوري بيان التحالف قبل إعلانه بواسطة سفير تركي متقاعد، هو سفير ألمانيا لدى أنقرة.
رغبة التحالف المعارض في إخفاء مرشحه حتى اللحظة الأخيرة تشير إلى أنه يسعى إلى فرض مرشح على قاعدته الشعبية والناخب التركي كأمر واقع، دون أن تكون هناك فرصة لمناقشة أهلية ذاك المرشح لتولي منصب رئيس الجمهورية.
السبب الثالث الذي يمكن عده بين أسباب إخفاء التحالف المعارض مرشحه، هو أن أحزاب التحالف تخاف من تآكل شعبية مرشحها حتى موعد الانتخابات، نتيجة الانتقادات التي ستوجَّه إليه من قبل تحالف الجمهور والرأي العام. وهو ما ذكره رئيس حزب السعادة، تمل كراموللا أوغلو، في سبتمبر/ أيلول الماضي، في حديثه لموقع “دويتشه فيله” التركي، حيث قال إن مرشح التحالف يجب أن يعلن قبيل الانتخابات، مضيفا أنه سيتم “تمزيقه” من خلال الانتقادات إن تم الكشف عنه مبكرا.
رغبة التحالف المعارض في إخفاء مرشحه حتى اللحظة الأخيرة تشير إلى أنه يسعى إلى فرض مرشح على قاعدته الشعبية والناخب التركي كأمر واقع، دون أن تكون هناك فرصة لمناقشة أهلية ذاك المرشح لتولي منصب رئيس الجمهورية. كما أن أحزاب التحالف تفضل الصمت المطبق في كثير من القضايا والملفات سواء تلك المتعلقة بالسياسة الداخلية أو الأخرى المتعلقة بالسياسة الخارجية. وحتى إن بيان التحالف لا يعدو كونه غير جمل ووعود فضفاضة، دون إعطاء أي تفاصيل حول الحلول المقترحة للمشاكل الاقتصادية أو كيف سيتم الانتقال من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني. لأن الملف الوحيد الذي تجمع عليه أحزاب التحالف هو ملف إسقاط أردوغان وإن الخوض في الملفات الأخرى قد يفجر خلافات عميقة تهدد وحدة التحالف الهشة.
إلا أن سياسة الصمت هذه تبعث إلى الرأي العام رسالة مفادها أن التحالف المعارض لديه ما يخفيه عن المجتمع التركي، علما بأن الأحزاب السياسية في الأنظمة الديمقراطية مطالبة بالوضوح والشفافية، وأن مرشح تحالف الجمهور، وكل ما يتعلق به، أمام أعين الجميع منذ سنين.