تبحث دوائر المعارضة في تركيا عن إجابة لعدم تأثير المشاكل الاقتصادية وزيادة تكاليف المعيشة وضعف القوة الشرائية بشكل كافٍ على خيارات الناخبين.
قبل أن تبدأ حرب أوكرانيا كان هناك انخفاض ملحوظ في أصوات الحزب الحاكم، وهو ما انعكس على زيادة آمال المعارضة بشكل كبير.
على الرغم من زيادة الضغط على الاقتصاد بعد بدء الحرب بأوكرانيا، لكن الجميع تفاجأ بتحول كبير مثير للاهتمام في سلوك الناخبين، حيث توقف التراجع الذي طرأ على العدالة والتنمية الحاكم، بل وحقق زيادة بنسبة 3 درجات عن معدّله الذي كان موجودًا.
بطبيعة الحال أنتج هذا الوضع خيبة أمل من كافة الأبعاد بالنسبة للمعارضة. وارتفعت صيحات الحيرة والتعجب من بعض الحسابات المعروفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ففي مثل هذه البيئة التي تشهد ارتفاعًا في التضخم، لماذا حدث هذا التحول بينما كان من المفترض أن تتراجع أصوات العدالة والتنمية بشكل أكبر مع مرور الوقت؟
بما أننا نحاول الإجابة عن هذا السؤال، فيجب أخذ الأسباب غير الاقتصادية بعين الاعتبار:
1- تزايد المخاوف الأمنية عقب اندلاع الحرب
2- تزايد الشعور بالحاجة إلى قيادة قوية في الأوقات الصعبة، والالتفاف حول حكومة مستقرة.
3- استدعاء سريع للذاكرة للتجارب الاستثنائية التي عاشتها تركيا خلال السنوات العشر الماضية مع رد فعل تجاوب سريع، وتوجه المخاوف حول المستقبل.
لكن هل يمكن أن يكون الموضوع مقتصرًا على ذلك فحسب؟
لنطرح سؤالًا أكثر وضوحًا:
هل يمكننا إعطاء أمثلة من داخل ديناميكيات الاقتصاد لشرح هذا الوضع؟
تُظهر بعض الأرقام في المؤشرات الاقتصادية أن هذا ممكن نعم.
على سبيل المثال، أرقام البطالة المعلنة حديثًا.
أداء مذهل في التوظيف
لنقم برحلة صغيرة إلى ما قبل فترة الوباء التي تسببت بأضرار جسيمة للاقتصاد العالمي.
وفقًا للأرقام التي أعلنت عنها هيئة الإحصاء التركية فقد بلغ معدل البطالة في تركيا 13.7% مطلع عام 2019، بلغ معدل البطالة للشباب فيها 25% من المجمل الكلي للبطالة.
خلال الانتخابات المحلية التي انعقدت في مارس/آذار 2019، نجد أن نسبة البطالة ارتفعت في هذا الشهر من العام ذاته لتصل إلى 14.1%.
ثم بدأ الوباء، فتوقفت الحياة لبعض الوقت في جميع أنحاء العالم، وكذلك ركدت الاقتصادات.
حتى وصلنا اليوم إلى العام 2022.
بسبب بدء الحرب في أوكرانيا رفع البنك الاحتياطي أسعار الفائدة خلال فبراير/شباط ومارس/آذار الماضيين.
اللافت في الأمر هو أن معدل البطالة حسبما أعلنته هيئة الإحصاء التركية في مارس/آذار 2022، انخفض إلى 10.7%.
يستمر قطار الإنتاج السريع في الصناعة
دعونا نلقي نظرة على مؤشرات الصناعة المعلن عنها حديثًا:
وفقًا لاستطلاع رأي أجرته بلومبرغ، بينما كان من المتوقع أن يبلغ الإنتاج السنوي في الصناعة 7.5% فقد حقق قفزة نوعية غير متوقعة وبلغ 13.3%.
هناك أرقام أخرى أيضًا.
بينما كان عدد العاطلين عن العمل في 2019 يبلغ 4 ملايين و650 ألف، انخفض هذا العدد ليصبح 3 ملايين و579 شخصًا في فبراير/شباط 2022.
هذا يعني أن العدد الإجمالي للعاطلين عن العمل انخفض بأكثر من مليون شخص.
ارتفاع معدلات البطالة يعني ركودًا في الاقتصاد.
إن سيكولوجية عدم القدرة على شراء الخبز تختف عن سيكولوجية انخفاض مية الخبز ذاته، فانخفاض القوة الشرائية سببه التضخم وليس الإنتاج.
تصر أحزاب المعارضة التركية وكذلك الاقتصاديون المحسوبون عليها على أن السبب الحقيقي وراء مشاكل وأزمات الاقتصاد هو الإدارة الموجودة في الحكم.
لكنهم لا يتحدثون أبدًا عن الدور الحاسم لعوامل أخرى مثل الوباء أو الحرب.
يقولون إنه لا يمكنك تحقيق هدف عجز الحساب الجاري الخاص بك، لكنهم يتجاهلون حقيقية أن ذلك لا علاقة له بالأداء الاقتصادي، بل الزيادات غير العادية في تكاليف الطاقة التي نعتمد على الخارج للحصول عليها.
حسب بيانات البنك المركزي فقد ارتفع عجز الحساب الجاري بمقدار 5.15 مليار دولار خلال فبراير/شباط الماضي. ليبلغ عجز الحساب الجاري على مدار 12 شهرًا خلت 21.845 مليار دولار، والسبب الوحيد هنا هو الزيادات الفلكية في أسعار الغاز الطبيعي والنفط.
أوضح الرئيس التركي أردوغان قبل يومين، أن تركيا “ستتغلب على التضخم مثلما وضعت سعر الصرف تحت السيطرة”.
حينما ننظر إلى الأشهر الأربعة الماضية، يمكن أن نرى بوضوح أن ترتيبات الودائع المحمية بالعملة قد حالت دون حدوث صدمات في أسعار الصرف.
في 20 ديسمبر/كانون الأول وصل الدولار إلى 18.50 ليرة وأسوأ من ذلك حتى، ولم يكن أحد يستطيع التنبؤ لأي مدى يمكن أن يصل إليه السقوط الحرب لليرة التركية.
لكن هذا السقوط وقف عند حد معين، بسبب السياسة المالية التي اتبعتها الحكومة وتهدف إلى حماية وتعزيز قيمة الليرة التركية في البنوك.
ومع ذلك حدث تطوران مهمان أثّرا على ارتفاع الدولار، هما: اندلاع الحرب الأوكرانية المفاجئ في 24 فبراير/شباط 2022، وبدء بنك الاحتياطي الفيدرالي في تنفيذ الزيادة المتوقعة على سعر الفائدة.
لكن تخيلوا لو أن سياسة تعزيز قيمة الليرة التركية لم تكن موجود اليوم، فإلى كم كان سيصل الدولار مع هذين التطورين الأخيرين؟
بواسطة / محمد آجات